بقلم وكاميرا عبد الرحمن الماجدي
&
هدية العيد او هدية اية مناسبة ستشغل بال الطفل وتجعله يحلق بخياله عاليا راسما شكل وحجم ونوع تلك الهدية التي عادة ما يمرر الى الاهل تلميحات عنها لكي ينالها هي او شبيهة بها. ولأن للمكان ومن يعيش فيه تأثيرا مباشرا في سلوك الفرد والطفل خاصة بحكم تشكل لاوعيه ووعيه التدريجي سيكون للهدية التي يتمنى الطفل امتلاكها تأثرا من ذلك المكان وساكنيه.
وينصح علماء النفس بان تكون العاب الاطفال حاثة على تنمية القدرات العقلية لديهم وباذرة في لاوعيهم، حديث التشكل، القيم النبيلة ومايجعل سلوكهم قويما في الان والمستقبل. وان تكون الالعاب ليست من النوع
الذي يتسبب في اذى جسماني ونفسي لهم ولاقرانهم.
من المفترض ان يكون الكلام اعلاه شاملا لكل الاطفال في كل مكان من العالم؛ انما جولة يومية في شوارع ( اقول شوارع لندرة الاماكن المخصصة للعب الاطفال وان وجدت فهي ليست مجانية) اي بلد عربي سنجد المأساة التي يلهو الاطفال بها او هي تلهو بهم. سنجد العابا قوامها العنف واطفالا يعبرون سنوات طفولتهم ولما يبلغوا سن المراهقة. يقلدون الكبار بالسيء قولا وفعلا. سنسمع كلاما يخدش حياء الكبار يتساقط من افواه براعم لم تبلغ الحلم اناثا وذكورا. وحين ندلف صالة العاب الكترونية سنفاجأ بزاوية معتمة لافلام اباحية لمن يدفع صغيرا كان او كبيرا. اما من شاء العفة من الرواد الصغار فألعاب القتل الالكترونية اضحت لعبة عادية تمرس اكثرهم عليها.
هؤلاء الاطفال هاجموا بالحجارة قبل عام تقريبا في لبنان كادرا تمثيليا مصريا يصور فيلما سينمائيا عن الانتفاضة لاعتقادهم ان الممثلين المرتدين للبزة العسكرية الاسرائيلية هم جنود اسرائليون جاؤا ليهدموا بيتا او يقتلوا او يعتقلوا زميلا لهم.
وعودة لهدية العيد ونحن نشهد نهاية العام اذ تتزايد بشكل كبير، بهذه المناسبة، شهوة الالعاب الحربية لدى اكثر الاطفال العرب والفلسطينيين خاصة في الداخل وفي الشتات. مقلدين ابناء الانتفاضة في الداخل وهم يتبارون في اطلاق النار في الهواء امام كاميرات الفضائيات العربية والاجنبية.
الاطفال الفلسطينون في الداخل ضحية للارهاب الاسرائيلي الذي يهدم امام اعينهم بيوتهم ويقتل احبتهم مدمرا فيهم روح الطفولة واحلامها غير مبق في نفوسهم سوى الاحقاد والكره الذي سيحصد نتائجه في قابل الايام. اما بقية الاطفال الذين يشتركون مع اقرانهم في الداخل الفلسطيني بحماسهم لامتلاك العاب الاسلحة وتقليد الكبار بما يتم تداوله من قصص اغلبها يشيد بن لادن وصدام حسين بكونهما اشرف من عليها في امة العرب واطلاق اسميهما على المأكولات اللذيذة ومايتم تداوله يوميا من مبيعات، فنتيجة هذه التربية سترتد على المكان الذي يقطنه هذا الطفل وساكنيه. اذ سيخرج بعد سنوات جيل تربى على عقائد الكره الذي يساهم الاعلام في تفشيه بين المجتمع.
هذا الهواء الموبوء جعل احد الصحفيين الهولنديين يكتب في بداية شهر رمضان المنصرم وهو يرى اقبال المصريين على شراء البلح الذي اطلق عليه تاجر تمور مريض اسم " بلح بن لادن" بأن :العرب يقدسون بن لادن بدلالة اصرارهم في بداية افطارهم بعد صوم ساعات طويلة بأن يكون اسمه هو اول مايدخل افواهم".(جريدة مترو الهولندية عدد 5 نوفمبر). وفي هذا الهواء الموبوء ايضا غاب منظر الطفل الذي يرى في معلمه في المدرسة والحياة مثالا يقتدى به بل بتنا نسمع اخبارا عن اطفال يصفعون معلميهم في المدرسة واخرين لاتخلوا حقائبهم المدرسية من علب الدخان والالات الجارحة.
حين تسأل عن سبب اختيار هذا الطفل لهديته التي هي بندقية حربية مع مخزن للطلقات البلاستيكية يوجهه لاقرانه فيجرح بعضهم سيجيبك محمود من مخيم اليرموك " لكي اقتل الاسرائيليين" وسيتمنى يعرب " ليت مسدسي هذا يكون حقيقيا". وسيصل العجب الى ذروته حين تقرأ على غلاف دفتر احد التلاميذ اسمه وقد كتبه مضافا ً الى عبارة" الشهيد البطل" وهو مايزال يدرس الابتدائية في مكان بعيد جغرافيا عن الحرب والقتل!
اذا كان اطفال الانتفاضة الاولى هم قادة هذه الانتفاضة وقد كانت الاولى بالحجر واقرب للسلمية( وبجنبهم جيل تربى على مايتابعه من احداث في الاقطار العربية) فأي غد ينتظر اطفال انتفاضة الاقصى( ومعهم مجايليهم العرب ايضا) التي تسلحت بكل مايحث على القتل من الاحزمة الناسفة وليس انتهاء بالمسدس؟
هل تكفي ادانة الاحتلال الاسرائلي ومجرم الحرب شارون ومن يتحالف معه ونترك مأساة الاكثرية من اطفالنا تمر راكضة منذ سنوات تعبر غفلتنا لتكبر بعد حين ولات حين مناص؟
&
&
شاعر وناقد عراقي يعيش في هولندا