دلال ابوغزالة من دبي: يبدو أن القائمين على قطاع الاتصالات في منطقة الخليج تنفسوا الصعداء بعد فشل جولة منظمة التجارة العالمية في كانكون في ايلول (سبتمبر) الماضي. فقد ازيل عن كاهلهم، مؤقتا على الاقل، عبء ضغط الدول العظمى لفتح هذا القطاع "بالكامل" امام الشركات الاجنبية، سواء من قبل الدول الاعضاء في هذه المنظمة او في اطار الاتحاد الاوروبي.
ومع الاخذ في الاعتبار ان بعض دول الخليج اختارت تخصيص هذا القطاع "طواعية"، خصوصا تلك التي لم تنضم بعد الى منظمة التجارة العالمية مثل المملكة العربية السعودية، ولكن ما زال مشروع خصصة هذا القطاع يعد في رأي بعض الفعاليات الاقتصادية بطيئا، وما زال الاحتكار هو السائد في معظم دول المنطقة .
وتتردد معظم حكومات المنطقة في فتح هذا القطاع الحيوي للشركات الاجنبية على خلفية جدواه الاقتصادية في دول يتمتع معظمها بسيولة نقدية وافرة وأن الاتصالات بقرة حلوب تدر على الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي عوائد سنوية قدرها الخبراء باكثر من 13 مليار دولار امريكي.
واذا كان موضوع تخصيص هذا القطاع يثير جدلا ، فان تخوف البعض من سلبيات فتحه بالكامل امام الشركات الاجنبية في ضوء ضغوط الدول العظمى& يثير جدلا اكبر. اذ يشير الرافضون لموضوع تحرير هذا القطاع، مثل رجل الاعمال الاماراتي عبد الغفار حسين الى مساهمة هذا القطاع الكبيرة في ميزانية دول المنطقة دون استثناء.
&اذ يحصد قطاع الاتصالات في المملكة العربية السعودية عوائد سنوية تزيد عن خمسة مليارات دولار ، وتبلغ الارباح السنوية لشركة الاتصالات السعودية نحو 2,5 مليار دولار. فيما تصل العوائد السنوية لمؤسسة الامارات للاتصالات "اتصالات الى 2,2 مليار دولار وارباحها الصافية تتعدى المليار دولار. وتبلغ عوائد شركة الاتصالات القطرية "كيوتل" السنوية& نحومليار دولار وارباحها السنوية تصل الى 300 مليون دولار. وتصل العوائد السنوية لشركة الاتصالات البحرينية "بتلكو" الى 1,7 مليار دولار.
&وفيما يتعلق بالقيمة السوقية لشركات الاتصالات في المنطقة، فان القيمة السوقية لشركة الامارات للاتصالات "اتصالات" وهي المزود الوحيد لخدمة الاتصالات في الامارات السوقية تبلغ نحو 10 مليارات دولار، والقيمة& السوقية لشركة "كيوتل" القطرية تبلغ اكثر من 3.18 مليار دولار. أما شركة الاتصالات الكويتية وهي المزودة لخدمات الجوال تبلغ قيمتها السوقية نحو 4.64 مليار دولار، وتبلغ القيمة السوقية لشركة الاتصالات المتنقلة (الكويتية) اكثر من 3 مليارات دولار، فيما تبلغ القمية السوقية لشركة الاتصالات البحرينية «بتلكو» نحو 1.55 مليار دولار.
ومن هنا جاء تردد& دول الخليج في فتح هذا القطاع بالكامل امام الشركات الاجنبية وتلكؤها في& موضوع التخصيص، ومطالبة بعض الفعاليات الاقتصادية بصرف النظر عنها ومراعاة الخصوصية التي تتمتع بها دول المنطقة عن سائر الدول النامية ، ولكن يرى المؤيدون لتحرير قطاع الاتصالات في المنطقة ان الامر لم يعد خيارا، بل "خطوة اجبارية"& في اطار التزام جميع دول الخليج مع منظمة التجارة العالمية، ما عدا السعودية التي تواجه ضغوطا هي الاخرى من قبل الدول العظمى& لفتح هذا القطاع في اطار مفاوضاتها للانضمام& الى هذه المنظمة الدولية.

وبرغم المفاوضات العسيرة التي تواجهها السعودية مع منظمة التجارة العالمية والاتحاد الاوروبي، فانها لم تتخذ اي خطوة حتى الان بفتح هذا القطاع للاجانب، وانما اكتفت ببيع 30 في المائة من حصتها& في شركة الاتصالات السعودية الى السعوديين والخليجيين& الافراد في اطار سوق الاسهم، وذلك في اطار خططها الرامية الى زيادة مشاركة المواطنين السعوديين في الاصول المنتجة ومواصلة تحقيق زيادة عادلة في دخل المواطنين.
وتخطط المملكة الى تحرير قطاع الاتصالات "تدريجيا" على مدى السنوات الست المقبلة حيث تفتح المنافسة في قطاع الهاتف النقال في الربع الأخير من عام 2004 والهاتف الثابت مع حلول عام 2008 . ويأتي طرح اسهم شركة الاتصالات السعودية للبيع وفق قانون جديد للاتصالات تم اقراره في وقت سابق من هذا العام في اطار مساع لاعطاء دفعة لبرنامج الخصخصة الذي طال توقفه بهدف خفض الدين الداخلي الذي يبلغ 168 مليار دولار.
والسعودية اكبر سوق اتصالات في الخليج ويضم خمسة ملايين مشترك في التليفون المحمول. وتخطط المملكة لاجراء مزاد لبيع ترخيص تليفون محمول في منتصف 2004 مما ينهي احتكار شركة الاتصالات السعودية للسوق. وينمو قطاع الاتصالات في المملكة بنسبة 30% سنويا.
أعلنت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية الاسبوع الماضي فتح قطاع الهاتف المحمول أمام شركات القطاع الخاص ابتداء من العام المقبل للاستفادة من سوق يقدر حجمه بنحو خمسة ملايين مشتركا محصورا بشركة الاتصالات السعودية.
&اما مؤسسة الامارات للاتصالات "اتصالات"، التي تحتكر سوق الاتصالات في الامارات وتمتلك الحكومة الاتحادية 60 في المائة منها، فانه من غيرالواضح، حتى الان، ان الامارات تود الرضوخ لضغوط منظمة التجارة العالمية للسماح لاية شركة اجنبية مشاركتها في السوق المحلية، علما ان الحكومة تتردد حتى الان في تقديم اي تنازلات بشأن هذا القطاع الى المنظمة الدولية، رغم انها وقعت على الاتفاقية عام 1997.
ويشير من يدعون إلى المنافسة إلى الخسائر الجسيمة التي يعانيها الاقتصاد بسبب الاحتكار, وهم يذهبون إلى القول ان الاقتصاد سوف يجني فوائد اعظم اذا كانت السوق مفتوحة. ويشعر هؤلاء المحللون ان الفرص المهدرة بسبب احتكار (اتصالات) تمنع البلاد من المنافسة بصورة ناجحة في السوق العالمية, وهم يعربون عن شعورهم بأن تأثير رفاه الاحتكار هو تأثير سلبي.
غير ان القضايا المطروحة هنا تتسم في المقام الاول بأنها شديدة التعقيد فمن ناحية هناك من يبرر وجود (اتصالات) كشركة محتكرة, ومن ناحية اخرى فإن فوائد السوق المفتوحة هي الاغلب, والمشكلة بالنسبة للجمهور وصانعي القرار هي الاتفاق على معيار موحد لقياس تكلفة وعائد المنافسة ومقارنتها باحتكار (اتصالات) للسوق وهذا هو السبب في ان اعتماد هذا المعيار يبدو مهمة اكثر تحدياً
وهناك موضوع اكثر اثارة للنقاش اليوم وهو ما إذا كان احتكار (اتصالات) ينبغي ان يستمر وهذه القضية ذات اهمية لان الفرص والمخاطر كبيرة. فكل من القطاعين العام والخاص هما حملة اسهم (اتصالات), وتحصل الحكومة على القسط الاكبر من الفائدة لانها تحصد جزءا من الرسوم السيادية والارباح.
وفي الوقت الذي تحتكر فيه شركة "اتصالات" السوق بالامارات وتحتكر شركة الاتصالات السعودية سوق المملكة وتحتكر شركة "بتلكو" المملوكة بالكامل الى الحكومة السوق البحرينية،فانه يوجد في الكويت ثلاث شركات للاتصالات، وهي شركة الاتصالات الكويتية "المملوكة بالكامل الى الحكومة وشركتين للهواتف المتحركة المدرجة اسهمهما بالكامل في اسواق الاسهم.
وفي عام 1992 اصدرت الحكومة الكويتية قرارا بنقل خــدمة الاتصالات إلي القطاع الخاص، وقامت ببيع جزء من اسهمها في شركة الاتصالات واعلنت في عام 2002 عن تأسيس شركة فاست للاتصالات، لتكون أول شركةٍ مملوكةٍ بالكامل لمجموعةٍ من المساهمين الكويتيين وتعمل في قطاع الاتصالات الإلكترونية والإنترنت محلياً وعالمياً وبترخيص من وزارة الاتصالات في الكويت، بالاضافة الى شركة الاتصالات المتنقلة.
وفي حين اسهم شركة ""كيوتيل" القطرية مدرجة بالكامل في اسواق الاسهم في كل من قطر وابوظي والحرين، فان الحكومة البحرينية تمتلك 39% من بتلكو وكيبل اند وايرلس البريطانية 20% والباقي يملكه مستثمرون بحرينيون.
وعلى رغم اتهامات بعض المناصرين لفتح اسواق الاتصالات للمنافسة في البحرين شركة بتلكو" بانها كانت تعرقل عملية فتح سوق الاتصالات في البحرين، ولكن قامت حكومة البحرين بمنح شركة ام تي سي فودافون البحرين لتقديم خدمات الهاتف النقال لتنهي بذلك سيطرة بتلكو على هذا القطاع لفترة طويلة والشركة الجديدة مملوكة بنسبة 60 في المائة لشركة الاتصالات الكويتية.
يري الاقتصاديون أن إتباع سياسة التخصيص في البحرين وفي منطقة الخليج عموما يحتاج الى وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى، قبل الشروع في تخصيص اي قطاع، فالتخطيط المسبق لهذه لبرنامج التخصيص& في مراحلها الاولى يحل الكثير من المشاكل والعراقيل التي تقف في وجهها ويشيرون الى اهمية وجود قوانين تنظم سياسة الخصخصة وتضبطها.
وفي المقابل يجادل& الرافضون لمسار التخصيص في منطقة الخليج& بانها تؤدي الى زيادة حجم البطالة وزيادة الاسعار ويحد من الخدمات الاجتماعية، ويتخوف هؤلاء من ان تستفيد فئة قليلة من افراد المجتمع وهم كبار المستثمرين من الخصخصة فيما تحرم منها شريحة عريضة من الشعب، فضلا عن امكانية توجه الحكومات المحلية الى فرض الضرائب لتعويض فقدانها العوائد التي تحصل عليها من ارباح هذه الشركات.
&ويتخوف هؤلاء ايضا من احتمالات رحيل جزء من رؤوس الاموال الوطنية الى الخارج في حال بيع ممتلكات القطاع العام الى شركات او مستثمرين اجانب، لذلك تتجه معظم دول المنطقة الى بيع حصصها الى مستثمرين محليين وخليجيين وحسب.