أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&
&
الحلقة الثانية
&
أنا لست نادماً على عملي بالسياسة
* نستطيع القول إنه ابتداء من هذه الواقعة بدأت الانخراط في العمل في المجال السياسي. فهل أنت نادم على عملك بالسياسة. بمعنى أنه لو عاد بك التاريخ إلى هذه الفترة هل كنت تختار العمل السياسي أم تتركه ؟
- أنا لست نادماً على العمل بالسياسة، وهذه هي صورتي وأنا بالسجن (وأشار على صورة له معلقة أمام مكتبه وهو شاب بملابس السجن).

كتبت رواية "السكن في الأدوار العليا" في رأسي وأنا بالسجن
*&كم مرة دخلت السجن ؟
- أول مرة دخلت السجن كانت في عام 1948 عقب الأحداث التي ذكرتها،وخرجت في أوائل الخمسين مع حكومة الوفد، ودخلت بعد ذلك قبل حريق القاهرة، ودفع أبى رشوة لحافظ عفيفي لكي أخرج وأؤدي امتحان التوجيهية " الثانوية العامة "، وكان أبى يريد أن يدفع أي مبلغ حتى أحصل على الثانوية العامة وبعدها يرسلني للخارج، فخرجت في أواخر يونيو، وذاكرت في تحد غريب جداً ونجحت بأعجوبة، لأنني مسكت المرة الأولي في يناير 1948و كان عمري 14 عام، ونجحت في الثانوية العامة، ودخلت كلية الحقوق، ونقلت نشاطي السياسي إلى القاهرة، وقعدت سنة واحدة من 1952 نجحت من أولى وانتقلت إلى السنة الثانية و 53 و 54 ديسمبر و قبض على لأنني عملت بانتظام وأصبحت زعيماً و أصبحت مسؤولاً عن جامعة عين شمس، وكان أسمها وقتها "جامعة إبراهيم باشا الكبير" وكنت مسئول طلابها، وكنت في هيئة المكتب القيادية الخاصة برابطة الطلاب الشيوعيين، يعني أصبحت معلماً كبيراً.وبرغم المراقبة التي كانت مفروضة علىّ بعد خروجي من السجن استطعت كسرها، فالرفاق إتمسكوا ويتعين أن نواصل المسيرة، هذه الواقعة يمكن أن نقرأها في الرواية التي كتبتها في السجن و اسمها "السكن في الأدوار العليا".
قبض على مرة أخرى، وذهبنا إلى المحكمة العسكرية العليا برئاسة الفريق هلال عبد الله هلال، وأخذت حكم بخمس سنوات أخرى سجن وانتهوا الخمس سنوات وأفرجوا عنى، بمعنى أنهم قلعوني البدلة الزرقاء وألبسوني بدلة بيضاء. وكان ذلك في الواحات وهذه صورتي وأنا بالسجن في هذا الوقت (يشير د. رفعت بأصبعه علي صورة له وهو شاب في السجن معلقة علي الحائط أمام مكتبه)، حيث صورونا من جديد لأنهم أحسوا أن أشكالنا قد تغيرت فقرروا تغيير ملفاتنا، فسرقت هذه الصورة وأضعها أمامي الآن لأتذكر الأيام الخوالي. خرجت في إبريل 1964،خرجت وسني 32 سنة طالب في العام الثاني من كلية الحقوق، وعندي عقدة أن كل زملائي تخرجوا وأصبحوا وكلاء نيابة، فأكملت دراستي وعملت بأخبار اليوم وواصلت حتى أخذت الدكتوراه.

لم أستطع تسجيل رسالة الدكتوراه بسبب عبد الناصر
*&ما هو موضوع رسالة الدكتوراه ؟
- بدأت أسجل الدكتوراه بعد أن أخذت الحقوق، وأخذت دبلوم قانون دولي عام، وأخذت دبلوم اقتصاد وبعديين قررت أن أعمل رسالة دكتوراه بعنوان " الآثار المقيدة للحرية في دستور 23 وما تلاه من دساتير" طبعاً في ظل حكم عبد الناصر لم يستطيع أحد أن يسجل لى رسالة الدكتوراه، ولففت عليهم واحداً واحداً، فكان الرفض منهم جميعاً، حتى إن أحدهم قال لي : أنت أهبل أم مجنون، وبالمصادفة كنت بدأت أنشط عبر الأستاذ خالد محيى الدين في حركة السلام، فالتقيت بمستشرق كبير وهو بروفسير من أشهر المستشرقين وطلب منى عمل الدكتوراه عندهم، وبدأت أدرس ووجدتني داخل في تاريخ الحركة الشيوعية، فالآثار المقيدة للحرية كلها كانت في ذلك الوقت منصبة على الشيوعية، فتعمقت أكثر في تاريخ الشيوعية، فقال لي المستشرق: اعمل رسالة تاريخ عن تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر، قلت له لكن أنا قانون، قال : لا ضرر. هنا مسموح بعمل دكتوراه في المجال الذي تريد، وعملت دكتوراه في العلوم وأثبت أنه لا توجه ماركسية واحدة بل هناك ماركسيات عدة، وأن كل بلد له ماركسيته الخاصة، فأخذت دكتوراه العلوم ومكثت 14 عام في الدراسة مع هذا المستشرق، وكان كل عام يطلب منى دراسة ولابد أن تكون دراسة منشورة فيقول مثلاً : عاوز دراسة عن الحركة السياسية في مصر فعملت كتابين :"سعد زغلول بين اليمين واليسار"، "مصطفى النحاس السياسي الزعيم والمناضل"، عاوز دراسة عن الإخوان المسلمين، عملت"حسن البنا متى وكيف ولماذا؟" وهكذا إلى أن انتهيت عملت دفاع. دفاع عن ماذا؟ عن حقي في أن أسجل الدكتوراه، وقبلوني أنا كشخص يصلح للرسالة ورفضوا الرسالة، هذه الدكتوراه عملتها بالعند في الجامعة المصرية لأنها رفضت أن تشغلني كمدرس، فعملتها عنداً فيهم، فكنت أنا الوحيد في مصر الذي أخذ بروفسيرشيب ليس بالترقية من الجامعة بل أخذتها عبر رسالة نادرة في علم التاريخ التي هي رسالة دكتوراه العلوم في علم التاريخ.

الحكام العرب انسحبوا من قضية فلسطين بعد سقوط بغداد
*&ما هو دور المثقفين العرب بعد انهيار المشروع القوى والإسلامي بسقوط بغداد؟
- لا يوجد شيء اسمه مثقفون مصريون وعرب، فكل واحد يتوقف على موقفه السياسي والاجتماعي والفكري والمذهبي، فهناك حدثان كبيران هما: غزو أمريكا للعراق، والصراع بين أبو عمار وأبو مازن (الحوار تم قبل أن يستقيل أبو مازن من رئاسة الوزارة)حيث الحكام العرب وَجفون مما حدث في العراق، فوجدوا الحجة في أن ينسحبوا من القضية الفلسطينية التي ظلوا طوال عمرهم يقولون أنها قضيتهم المركزية،ويقولون أن الفلسطينيون يتشاجرون الآن على فتات السلطة ماذا نفعل لهم، ولم يبق سوى مصر، لأن القضية الفلسطينية تمثل عمقاً أمنياً لها.

الشيخ الغزالي هاجم شعار "الدين لله والوطن للجميع"
&* ذكرت في كتاب " الإرهاب إسلام أم تأسلم " أن الجماعات الإسلامية تعتبر الأقباط هم الحائط المائل في مصر، يضربونه كلما ضغطت عليهم السلطة، وهم يعدون الأقباط رهائن لديها " فما هي جذور الفتنة الطائفية التي تهب علينا رياحها من آن لآخر؟
- هذه الفكرة قديمة جداً وربما كانت موجود منذ بدايات جماعة الإخوان المسلمين، عندما تحدثوا عن حملات التبشير والتنفير، والحقيقة تكشف الأمر عن أنه كانت توجد حملات تبشير فعلاً، لكن لم تكن موجهه للمسلمين، وإنما كانت موجه للأرثوكس ليتحولوا إلى بروتستانت أوكاثوليك، لكن على أي حال المرحوم الشيخ الغزالي له أحد الكتب يهاجم فيه فكرة الوحدة الوطنية ويهاجم فيه شعار " الدين له والوطن للجميع " وقال إن ثورة 1919 قامت على أساس خاطئ هو شعار " الدين لله والوطن للجميع" وظهر في مجلة "الدعوة " ربما في آخر عدد من أعدادها سنة 1981 حيث نشرت فتوى لمفتى جماعة الإخوان المسلمين عندما سئل عن ما حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام؟ فأفتى بأن الكنائس على ثلاثة أنواع : البلاد التي فتحت صلحاً وهذه تبق فيها الكنائس والبيع ولكن لا يجوز إصلاحها أو ترميمها أي تبقى على حالها، والبلاد التي فتحت عنوه فلا يجوز وجود كنائس أو بيع فيها، أما البلاد التي استحدثها المسلمون مثل المعادي والعاشر من رمضان وهليوبلس والعباسية وكل البلدان التي أستحدثها المسلمون فلا يجوز بناء الكنائس فيها.
&
الجماعات الإسلامية استحلت أموال المسيحيين باعتبارهم كفره
* هذا شن للحرب على إخواننا ومواطنينا الأقباط واضطهاد ديني مرفوض سواء من المجتمع الدولي أو من مواثيق حقوق الإنسان. فهذه فتوى إرهابية مرفوضة جملة وتفصيلا؟
-&نعم أتفق معك، فالأقباط مواطنون لهم كل حقوق المواطنة وليسوا رعايا،فإذا قام أحد الأشخاص وحرق كنسية تكون هذه الفتوى هي الموجه الأساسي له، لكن الجماعات الإسلامية ركبت هذه الفكرة تركيباً أكثر خطأ وإجراماً عندما أعلنت استحلال أموال المسيحيين باعتبارهم كفره، وبما أن أغلب تجار الذهب كانوا من المسيحيين فركزوا أعمالهم ضد تجار الذهب. وكان ظاهره أنه كلما ضغطت الحكومة على سد منابع التمويل الخارجي لهذه الجماعة "الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" كانت تزيد في المقابل عملية الهجوم على محلات الذهب المملوكة للأقباط والاستيلاء على الذهب فيها وكانت هناك فتوى بإباحة ذلك.

&* أي أن الفتوى هي أساس الإرهاب !
- الموقف الفكري هو الأساسي في العمل الإرهابي، فالإرهاب يبدأ فكراً.

* سمعت النداء الذي وجهه د. سليم نجيب رئيس الهيئة القبطية الكندية، أكثر من مرة بشأن اختطاف الفتيات المسيحيات القصر والزواج بهن بعد إجبارهن على الإسلام. فمن الذي يقوم بهذه الأفعال وماذا يريد من وراء ذلك؟
- د. سليم نجيب رئيس الهيئة القبطية الكندية هو رئيس منظمات اجتماعية، وتمثل المنظمات الأكثر نشاطاً لكن لا تمثل الجمهور العادي من المسيحيين المغتربين في الخارج، هذا الكلام به شيء من الصحة لكن الجزء الأكبر منه مبالغ فيه، عادة أنت تخسر القضية عندما تبالغ، مثلاً في قضية الكشح يموت اثنين، يعلنون قتل مئتان، عندما تبحث تجد أنه مات اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو عشرين، فتفقد مصداقيتك أمام الجمهور.

لم يحدث أنه قد تم هدم كنيسة العبور كما سمعنا
&وأحياناً تجد كلاماً عن هدم كنيسة العبور، وكتب وأرسل لي د. سليم نجيب نسخ بالفاكس لهذه الأحداث فأنا لجأت إلى الأنبا مرقس مطران شبرا الخيمة التابعة له مدينة العبور، فقال إن لواء البوليس فلان الفلاني ذهب وهدم وزاد في الموضوع، واكتشفنا إن لواء البوليس فلان الفلاني ليس لواء بوليس وأنه رئيس الحي، وثبت بعد ذلك أن هناك ترخيص لبناء الكنيسة وحتى يتم بناء الكنيسة أخذوا الإذن ببناء كشك خشبي للصلاة به، أو بناء خشبي فاقترح أحدهم تطوير الكشك وتحوله إلى مبنى ويصبحوا كنيستين، فذهب رئيس الحي ليتفاهم معهم وأزالوها وعادت كما كانت. وعندما اتصلت بالأنبا مرقص لم يشك من أحد وهو أحد المتشددين من رجال الكنسية. وقال إنه لا توجد مشاكل وتمت التسوية. وتحدث أحياناً أن تستدرج فتاة قاصر، إما لأنها تحب إنساناً مسلماً و يعبث بها فتخاف أن ترجع لأهلها،والقانون لا يسمح لها أن تغير دينها.

لا توجد مؤامرة ضد الفتيات المسيحيات في مصر
* لكن سؤالي بالضبط هو: هل ما يحدث هو أحداث فردية أم هي مؤامرة كما فهمت من نداء د. سليم نجيب؟ وإن كانت مؤامرة من الذي يقف ورائها؟
- منذ عدة سنوات، حدثت حادثة من هذا القبيل، وكنت أنا طرفاً فيها في المنيا، هذا الكلام كان منذ عشر سنوات، الحكاية أن بنت في الإعدادي،أخوها في الجماعات الإسلامية استدرجت صديقتها المسيحية إلى بيتها ليذاكرا معاً، وهناك قام هو بالاعتداء عليها بمساعدة أمه وأخته باعتبار أنها سبى، وبعد ذلك أصبحت مشكلة، البنت خائفة من الرجوع لأهلها، لكن سويت المشكلة لكن هذه الأحداث فردية ونادرة جداً وليست هناك مؤامرة وتخطيط لذلك. ومثل هذه الحوادث تحدث في كل مكان في العالم، حيث نسمع عن حوادث اغتصاب حتى في أمريكا وأوربا من اغتصاب بنت أو ولد، حتى إن رجال الكنسية ثبت إنهم اغتصبوا مئات من الأولاد خارج مصر.

حوادث الاغتصاب حالات فردية وتحدث في العالم أجمع
&فلا نستطيع أن نعمم هذا الموضوع. في الفترة الأخيرة كان الأب المسيحي يقدم بلاغاً إلى الشرطة، فيطلب منه أن يلجأ إلى أمن الدولة لأن هذه تعليمات، حيثما تكون هناك شكوى مع أحد المسيحيين تذهب لأمن الدولة نظراً لحساسيتها، فيتهيأ للبعض أنهم لا يعطوه اهتماماً. لكن أنا أعتقد أن البابا أيضاً مهتم بهذا الموضوع، وإن كانت تحدث حالات من ذلك فهي حالات فردية، وحتى وإن كانت حالات فردية فهي غير مقبولة. لكن يحدث أن تقول الفتاه إن لم تكن قاصرة لا أريد العودة لأهلي، ماذا نفعل ؟ ! في مرة أتاني أب وذكر أن السائق المسلم خطف ابنته، وهو يريد أن تعود ابنته وهو رجل غنى، اتصلت بمباحث أمن الدولة، واتضح أنه اختطفها فعلاً لكن بطريقة مبتكرة، أنه علمها الشم، وليس لذلك أي علاقة بالدين، وارتبط بها وطمع فيها وفى فلوس أبيها وبدأت المساومات للسائق ليعيد البنت لأبيها، لكن مثل هذه الأحداث أحداث فردية ولا يمكن اعتبارها ظاهرة عامة لأن هذه الظاهرة خطره ومخيفة حتى ولو كانت حالة فردية.

لا شك في ما قاله د. رفعت السعيد الذي أعتبره أحد أكبر محام عن أخوتنا ومواطنينا الأقباط. لكن احتراماً لوجه النظر الأخرى أطلب من د. سليم نجيب والأستاذ مجدي خليل بأن يمارسا حقهما في التعليق والرد بعد صدور هذا الحديث حتى تكون الصورة واضحة أمام قراء "إيلاف".
&