حيان نيوف


أصبحنا نسمع الكثير ونقرأ أكثر في الإعلام العربي الرسمي عن الشراكة مع الإتحاد الأوربي. وكما هو معروف بأن هذه الشراكة تبنى أساسا على قواعد تجارية صناعية وزراعية، فيما يتم وضع ملفات مثل البيئة والحقوق المدنية والصحافة على المقاعد الخلفية لقطار الشراكة هذا إن حصلت على بطاقة صعود إلى قطار الشراكة أصلا. وأثناء عملية بحثي في أرشيف الصحافة العربية الرسمية عن واقع شراكة الدول العربية مع أوربة، سألت نفسي: لما لا تكون هناك شراكة على صعيد الصحافة والإعلام وتطوير الشبكة الإعلامية العربية؟
بكل تأكيد، ومع كل تجرد صحفي مهني وموضوعي، فإن واقع الإعلام العربي، وباعتراف العرب الرسميين أنفسهم، لا يشير أبدا إلى أنه يرجع إلى بلدان كانت سباقة في النشر والترجمة والإبداع على صعيد العالم. من الصحافة المطبوعة حتى القنوات التلفازية الفضائية والأرضية والبث الإذاعي، يمكن القول أن الإعلام العربي ليس بالمستوى المطلوب لدول تريد شراكة أو "شاركت" الإتحاد الأوربي.
الصحافة العربية لا تزال تؤمن بأهداف "المؤسسة الناشرة" وسياسات الأحزاب المالكة للصحف أكثر مما تؤمن بفكرة الوصول إلى القارئ العربي. ولهذا نرى، وأيضا بكل موضوعية، أنه يمكن أن يستحوذ خبر عن راقصة على اهتمام معظم الصحافة العربية، فتنشر لها كل صورها؛ فيما يصعب علينا العثور على تقرير مكتمل أو خبر مطوّل عن شارع عربي غزاه الفقر أو ظاهرة تسول "الطفولة العربية" وكيف أصبح الطفل يجر العربات ويبيع الدخّان المهرّب، أو حتى عن ظاهرة ( تشرّد) شرائح عريضة من المثقفين والمفكرين العرب في شوارع غربية بحثا عن عمل عادي بسيط هذا إن قبلت هذه البلدان الغربية منحهم إقامة دائمة. وكثيرا ما نسمع أن صحيفة عربية طردت أحد الصحفيين العاملين فيها لأنه خرج عن قواعد "المؤسسة الناشرة" أو لأنه أفرط بالتعبير عن رأيه (الإفراط بالتعبير عن الرأي في العالم العربي يطابق في خطورته الإفراط في تناول حبوب منع الحمل). وهنا أطرح سؤالا : لما لا يسأل المفاوضون من الجانب الأوربي شركاءهم العرب عن حالة الإعلام ؟.. لما لا يطالب الأوربيون بشراكة إعلامية، بحيث يطوّرون إعلامنا العربي ويقيمون شبكات تدعم نشر الرأي والرأي الآخر فيه، كما يطلبون الشراكة التجارية؟ وهل أصبح فتح أسواق البطاطا والخيار والطماطم هدفا أكثر حضارية من "فتح الإعلام والصحافة"؟...
وأما حال القنوات التلفازية فليس بأفضل من حال الصحافة العربية المطبوعة. وبين فينة وأخرى، نسمع عن ما يسمى "اختراقات إيديولوجية" لبعض الفضائيات العربية الجديدة التي تسعى لنشر ثقافة حوارية. مشكلتنا كبيرة مع الإعلام العربي: ما إن تتحقق نهضة في وسيلة إعلامية ما حتى يتم اختراقها ماليا أو سياسيا أو إيديولوجيا، فتخرب النهضة، ويضيع الحابل بالنابل، ويصبح رئيس التحرير من جماعة ما، والإدارة تدعم فكرة مسيّسة ما، والمذيع ينحاز للعاطفة على حساب الدقة... الخ. ونرى كيف يتم تكرار بعض الضيوف بشكل ممل حتى تعود ومل المشاهد العربي من خطاباتهم. وهنا نسأل : لما لا يهتم الشريك الأوربي بمسألة استقلالية الإعلام العربي وتوسيع المشاركة أمام ضيوف جدد وأفكار جديدة ؟ وكيف يرتضي الشريك الأوربي "المتمدّن والديمقراطي" أن يفاوض ويشارك "على العميانة" في كل القضايا التجارية مع بلدان إذا باعت كيلو بطاطا تقول وسائل إعلامها أنها باعت ثلاثة كيلوات من الفجل أو نصف كيلو من الثوم؟! وقد أخبرني طالب دكتوراه في جامعة غربية بارزة أنه كان ينوي تحضير رسالة دكتوراه هي الأولى من نوعها عن فضائية عربية، وعندما عرف العاملون فيها ماطلوا في مساعدته، وقال لي يومها: "أحسست أنهم خائفون من أن أعود لأنافسهم على منصب في هذه القناة". ولكن هذا لا ينفي أن بعض الفضائيات العربية مثل "الجزيرة" "أبو ظبي" و "العربية" أنتجت حالة إعلامية متميزة عن بقية الإعلام العربي، وأعطت فرصة معقولة وأحيانا ممتازة للمشاركة والرأي والرأي الآخر.
وفي ظل هذه التعاسة التي يمر بها الإعلام العربي نسأل : متى يصعد هذا الإعلام إلى قطار الشراكة العربية الأوربية ؟ أوليس الإعلام ركيزة مهمة لدعم العلاقات التجارية ؟ وكيف يمكن لهذه الشراكة أن تستمر طويلا في ظل إعلام يدهن الأكاذيب والتسطيح الفكري ويكتب على الدهان اللامع "حقيقة"؟ من مصلحة الجانب العربي أن يطوّر إعلامه دون تدخل من أحد لأن الإعلام الصريح والصحيح هو الذي يحرس العلاقات التجارية مع أوربة... أم أن العرب قبلوا نصائح الأوربيين في مجال التجارة والصناعة "وتقشير الموز" ويرفضون، حتى الآن، نصيحة واحدة حول البيئة أو الحقوق المدنية وتطوير الصحافة لتصبح أكثر شفافية واستقلالية؟.
&