أخيرا.. هاتف الرئيس الاميركي جورج بوش الرئيس السوداني عمر البشير لأول مرة منذ دخوله البيت الابيض واعتلائه سدة الرئاسة قبل ثلاثة اعوام، ووجه له الدعوة لتوقيع اتفاق السلام النهائي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق في العاصمة الاميركية واشنطن.
وعلي الرغم من تأخر المهاتفة -التي جرت مساء الاثنين الماضي وامتدت لنصف الساعة - إلا انها كانت غير مستبعدة منذ ان وضعت الادارة الاميركية يدها علي ملف السلام السوداني ونجاحها في حمل طرفي المفاوضات (الحكومة والحركة) علي ابداء المرونة اللازمة وحرصا اكيدا علي وضع حد للحرب الاهلية بنهاية العام الجاري او علي اسوأ الفروض في مطلع العام المقبل الذي تفصلنا عنه ايام معدودات.
وواقع الأمر ان مهاتفة بوش للبشير بدلا من وزير خارجيته كولن باول الذي درج علي مهاتفة الثاني في الآونة الاخيرة وفي فترات متباعدة، تحمل حزمة من الدلالات والمؤشرات لا تخطئها العين المتابعة لمسيرة العلاقات بين الخرطوم وواشنطن التي شابها التوتر منذ انفراد الاسلاميين بالسلطة في السودان واجهاضهم لآخر التجارب الديمقراطية في يونيو 1989م.
وأول دلالات المهاتفة انها تعني انتهاء حقبة التوتر في العلاقات بين البلدين التي امتدت لأكثر من عشر سنوات وتحديدا في عهد ادارة بيل كلينتون التي عمدت في عام 1993 الي ادراج السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب قبل ان تفرض عليه عقوبات اقتصادية وترسل صواريخها لمحو مصنع الشفاء للادوية في اغسطس ،1998 وظل التوتر قائما رغم رحيل كلينتون عن البيت الابيض ليحل مكانه بوش الذي واصل سياسة سلفه تجاه السودان في باديء الامر قبل ان يقتنع بدعم جهود السلام ويعين مبعوثا خاصا لهذه المهمة.
وثاني الدلالات ان المهاتفة بمثابة دليل جديد ومؤشر قوي لقرب توقيع اتفاق السلام النهائي ووضع حد لأطول الحروب الاهلية في القارة الافريقية، فقد دعا بوش البشير لتوقيع الاتفاق في واشنطن حتي لا يفوتها شرف استضافة الحدث الكبير وأكد دعمه اللا محدود لمسيرة السلام، ولا شك ان الدعوة مقبولة خاصة وان التوقيع في العاصمة الاميركية يختلف عن التوقيع في اية عاصمة اخري ولو كانت الخرطوم، بافتراض ان الولايات المتحدة ستعمل علي توفير اسباب النجاح للاتفاق وحمايته من الانهيار حتي لا تظهر بمظهر العاجز عن الحفاظ علي انجاز ساهمت في صنعه.
وثالث دلالات المهاتفة انها تمهد الطريق لتطبيع كامل للعلاقات من خلال ترفيع التمثيل الدبلوماسي وحذف السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة وهذا ما اكده الرئيسان بتأكيد حرصهما علي تطبيع العلاقات بما يخدم مصالح البلدين.
ورابع الدلالات ان المهاتفة جعلت الخطوط مفتوحة بين العاصمتين (دون وسيط) بعد ان استوعبت الخرطوم الدرس وفهمت قواعد اللعبة واصبحت اكثر واقعية في سياستها الخارجية التي جرت عليها في سنواتها الاولي عداء الاشقاء والاصدقاء وادخلتها في عزلة دولية كلفها الخروج منها كثيرا.
وخامس الدلالات ان المهاتفة ستعقبها مصافحة بين بوش والبشير في قلب واشنطن وفي حفل يشهده العالم أجمع، وحينها تصبح الطرق سالكة بين العاصمتين بعد ان ظلت واشنطن لعدة سنوات منطقة محرمة لا يحق لأي مسؤول سوداني وان خف وزنه دخولها دعك من لقاء احد المسؤولين الاميركيين.
وان كانت واشنطن ستصبح حفية بالسودانيين، فان الخرطوم مرشحة لأن تغدو محطة وقبلة يقصدها الاميركيون، واعني المستثمرين خاصة وان البلاد تذخر بثروات هائلة وواعدة ومن بينها البترول الذي كان لشركة شيفرون السبق في التنقيب عنه قبل ان تجبرها الحرب علي الرحيل في ثمانينيات القرن الماضي.
كاتب سوداني
التعليقات