مهيب البرغوثي

&

&
وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش الثاني يوم السبت الماضي 13/12/2003 قانون المسئولية السورية أو ما يعرف إعلاميا بقانون محاسبة سوريا.
هذا القانون دعا سوريا إلى تنفيذ سلسلة مطالب أمريكية مثل الانسحاب من لبنان، والتوقف عن دعم الأعمال المعادية لإسرائيل وأمريكا، ومنع تسلل عناصر معادية من سوريا إلى العراق وتهريب أسلحة، ومنع إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية وأسلحة دمار شامل وصواريخ بعيدة المدى، ومنع إيواء المنظمات الإرهابية المعادية لأمريكا وإسرائيل.
أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين صادقوا على هذا القرار في الحادي عشر من الشهر الماضي طالبوا الرئيس الأمريكي بتنفيذ بندين على الأقل من البنود العقابية التي نص عليها هذا القرار وفرضها على سوريا كنواحي عقابية إذا لم تلتزم بالمطالب سالفة الذكر، هذه البنود العقابية اشتملت على عدد كبير من الوسائل العقابية كان أهمها: منع رجال أعمال أمريكيين من الاستثمار في سوريا، وتقييد حرية حركة الدبلوماسيين السوريين العاملين في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدم تصدير سلع أمريكية إلى سوريا باستثناء الدواء والغذاء، ومنع الطيران السوري من التحليق فوق الأجواء الأمريكية، وخفض مستوى العلاقات بين البلدين، وتجميد أموال سورية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
العاصمة السورية ومن خلال بيان لوكالة أنبائها " ناسا " اعتبرت أن اللوبي الصهيوني ومن سمتهم بأصدقاء إسرائيل في الكونجرس الأمريكي هم الذين وقفوا وراء هذا القرار الجائر والظالم بحق سوريا.
أما في تل أبيب فقد تزامن هذا الأمر مع نشر وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات لمصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى لم يتم ذكر اسمه أو منصبه، هذه التصريحات أفادت بأن إسرائيل يمكنها العمل عسكريا ضد سوريا على ضوء سير الأمور في اتجاهات معينة وليس على ضوء نتائج ممكنة فقط، هذا المصدر العسكري الإسرائيلي رفيع المستوى أضاف أيضا في تصريحاته أن الجهاز العسكري الإسرائيلي يفحص هذا الموضوع. هذا الأمر يعني أن إسرائيل بإمكانها أن تتخذ قرارا بشن هجمات عسكرية ضد سوريا في أي وقت تشاء بناء على معطيات وتحليلات الجهاز العسكري الإسرائيلي حتى وان لم تكن سوريا مبادرة بشن هجمات عسكرية ضد إسرائيل، مما يجعل فوهة بركان الحرب ساخنة وقابلة للانفجار في أي وقت وبدون الحاجة إلى مقدمات.
في ضوء هذه المعلومات يتسائل المرء ألا يحمل هذا القرار الأمريكي إعلان حرب " لربما مؤجلة " ضد سوريا تقودها إسرائيل وتدعمها وتساندها الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تجاور سوريا من ناحية حدودها مع العراق؟، إذ أن الإمعان في ماهية المطالب الأمريكية لسوريا ومدى حجم العقوبات المحددة والتي يمكن أن تطبق ضد سوريا إذا لم تلتزم وتنفذ المطالب الأمريكية يؤكد أن هذا القرار ليس قرارا لمحاسبة سوريا فقط، إنما هو قرار لشن الحرب عليها، خاصة إذا ما قرأنا أن موضوع أسلحة الدمار الشامل هو أحد المطالب الأمريكية، هذا المطلب الذي أصبح وفقا لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية كافيا لشن الحرب على أية دولة.
ثم لماذا صدق الرئيس الأمريكي على القرار في هذا الوقت بالذات، هذا الوقت الذي يشهد اتفاقا أمريكيا إيرانيا مبطنا " كما يبدو في الأفق" إذ أن تسارع وتيرة قبول إيران على التوقيع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية خلال الأيام القليلة القادمة كما أعلن وزير خارجيتها، إضافة إلى إصدار مجلس الحكم العراقي قراره بتسليم عناصر منظمة مجاهدي خلق إلى إيران قد يمثل مؤشرا كبيرا على حدوث هذه الصفقة بين الطرفين الأمريكي والإيراني، فإذا ما كان هذا الأمر صحيحا فهل يعني تزامن توقيع الرئيس الأمريكي على هذا القرار في هذا الوقت رسالة حادة اللهجة إلى سوريا مفادها أن الأمور قد سويت مع حليفك الاستراتيجي إيران وبالتالي فانك في طريقك للبقاء وحيدة في المركب المواجه للوجود الأمريكي في العراق، لذا فان على سوريا الانصياع للقرارات الأمريكية والدخول في صفقة مع الإدارة الحالية، هذه الصفقة قد تساهم في إدخال المنطقة في طور جديد خاضع تماما للإدارة الأمريكية.
هل هذا إعلان حرب على سوريا؟ وبالتالي على السوريين اتخاذ قرارا عاجلا بقبول هدنة مع الأمريكيين، أو قبول دعوة الحرب وما سيترتب عليها من نتائج قد تعيد سيناريو احتلال العراق الذي لم ينته بعد من جديد؟!.