&
في يوم الاثنين الموافق 11 مايو 1970م عقد مجلس الأمن الدولي بهيئة الأمم المتحدة اجتماعا لإقرار تقرير الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة (السيد فيتوريو ونسبير فيساري)، وخاصة النص الذي يقول: (إن أغلبية شعب البحرين الساحقة ترغب في الحصول على اعتراف بهويتهم في دولة عربية مستقلة ذات سيادة وحرة في تقرير علاقاتها بالدول الأخرى).
وبهذا التقرير التأريخي أسدل الستار حول الجدل بشأن هوية البحرين وسيادتها بين المملكة المتحدة وإيران، حيث أكدت الدولتان مسبقا أنهما على استعداد لقبول النتائج التي سيتوصل إليها السكرتير العام للأمم المتحدة بعد التصديق عليها من قبل مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة، كما ورد ذلك في رسالة الممثل الدائم للمملكة المتحدة بتاريخ 20 مارس .1970 ولم تكن مهمة السيد فيساري سهلة أو محدودة بل كانت مهمة حساسة ودقيقة، لكونها تتعلق بهوية وطن ورغبة شعب يتوق إلى الحرية والاستقلال. فهي مهمة تحدد نتائجها مستقبل البحرين والمنطقة العربية والخليج العربي، وذلك في وسط الصراع الدائر آنذاك بين المملكة المتحدة وإيران اللتين تطالبان بأحقية كل منهما بوجوبية وشرعية السيادة على جزر البحرين، وذلك لتحقيق مآربهما ومصالحهما في البحرين والخليج العربي. وكان إيجاد الحل النهائي لهذا الصراع بين هاتين الدولتين هو الأمل الذي يتمناه الجميع دولا وشعوبا من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ولخلق جو من الهدوء والطمأنينة في جغرافية المنطقة، وهذا ما كانت تدعو إليه مبادىء ونصوص ميثاق الأمم المتحدة. وكان توجه السيد فيساري إلى البحرين في 30 مارس 1970م والمكوث فيها مدة ثلاثة أسابيع تقريبا مع لجنته، لم تكن للنزهة بقدر ما كانت رحلة شاقة للبحث عن المعلومات، والقيام بالتحقيقات والاستقصاء عن الحقيقة ولإجراء المشاورات مع أهل البحرين، أفرادا وقيادات، أصحاب مهن وجمعيات، نوادي ثقافية ورياضية ومؤسسات، شيوخ دين ومرجعيات، رجالا ونساء وأصحاب مصالح وامتيازات. بتعبير آخر ان اللجنة أجرت استفتاء شعبيا حول هوية وسيادة البحرين، في السر والعلن، في مكاتب اللجنة وفي ساحات البحرين، شارك فيه جميع الشعب البحريني وكانت النتيجة تختلف كليا عن مساحة الخلاف ونوعيته بين المملكة المتحدة وإيران، حول أحقية كل منهما في السيادة على جزر البحرين وممارسة دورهما الاستعماري، حيث كانت إيران تنظر إلى أن البحرين على أنها جزء لا يتجزأ من إيران، واعتبارها الإقليم الرابع عشر، وانها لا تعترف بالسلطات الحاكمة ولا بالحماية البريطانية لجزر البحرين آنذاك. وكانت البحرين قبل عام 1970م (قبل الاستقلال) قد قبلت عضوا مشاركا في منظمات هيئة الأمم المتحدة التربوية والعلمية والثقافية في 26/10/1966، وفي منظمتي اليونسكو والأغذية والزراعة (الفاو) في نوفمبر 1967، وفي منظمة الصحة العالمية في 8 مايو .1968 لقد كانت مهمة اللجنة جليلة في أهدافها ونتائجها، فقد أنهت مطالبة إيران وإلى الأبد بالبحرين، وساهمت في بلوغ الاستقرار والطمأنينة لأبناء المنطقة، وعجلت بإقامة علاقة ودية بين إيران والأقطار العربية الخليجية كما أن هذه المهمة وضعت حدا نهائيا للخلاف الطويل بين إيران والمملكة المتحدة حول هوية وسيادة جزر البحرين، فقد هب أهل البحرين جميعا في المحرق وبني جمرة وجو وعسكر وسترة وكرزكان وسترة وفي كل مدن وقرى البحرين ليقولوا جميعا للسيد فيساري ولجنته وبلسان عربي مبين: نعم للسيادة والاستقلال، ونحن شعب عربي مسلم، وبحريننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية المجيدة. وبذلك فقد أكد أهل البحرين بجميع فئاتهم للجنة التي بحثت معهم مستقبل وطنهم وأجيالهم ذاتيتهم العربية وعروبة وطنهم، وهي عنوان الشخصية الوطنية العربية البحرينية "الأصيلة" كجزء لا يتجزأ من أصالة الأمة العربية، ومترجمة ما يتحلى به شعب البحرين من الوعي الوطني والقومي الرافض لسيادة الأجنبي والتبعية له، والرافض لطمس هويته. ولم تنتبه اللجنة إلى آراء تلك الفئة المستعربة التي طالبت بإقامة علاقة خاصة مع إيران، وبحذف كلمة (العرب) من اسم البحرين وبعدم إعطاء البحرين صفة الدولة ذات السيادة. وكان الرأي الصائب والسليم أن الأغلبية العظمى من أبناء الشعب البحريني رغبت في الحصول على الاعتراف بشخصيتهم العربية في دولة عربية مستقلة ذات سيادة كاملة، وكان لها ذلك في الرابع عشر من أغسطس 1971م وبذلك تمت المهمة الجليلة، وبلغ الهدف مقصده، وهذا النجاح كان وليد دقة الاستقصاء والتشاور، وعدالة استخلاصاته. إنه حقا كان قرارا تاريخيا يتفق مع العدل وحق الشعوب في تقرير المصير، وهذه النتيجة تحققت بفضل التزام هيئة الأمم المتحدة بمبادئها وبنصوص مواثيقها، التي تؤكد جدوى الحل السلمي للنزاعات القائمة بين أعضائها من الدول، وهو ما تفتقده اليوم هذه الهيئة، بعد أن سيطر قانون القوة على قوة القانون، حيث تحل مشاكل العالم بقرار فردي مهيمن متسلط، ومن مكاتب المعتدي والمتسبب في حدوث الاعتداء، بدلا من حلها في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي حل به الظلام بعد مغادرة مبادىء ومواثيق الأمم المتحدة من ذلك المكتب وقاعات الاجتماعات. وكل عام والشعب البحريني والأمة العربية بخير وألف خير.