احمد يعقوب
&
&
&
&
الجماهير الفلسطينية والعربية تعيش صدمة حقيقية اثر اعتقال صدام حسين، فالشعوب العربية ومنها العراقي قد نصبت منه بطلا قوميا، ووضعت عليه وزر طموحاتها، وامانيها في التحرر والاستقلال والوحدة والاشتراكية. وهذه شعارات تتطابق مع مطالب الغالبية الساحقة من جماهير الأمة العربية. . وبخاصة بعد وفاة جمال عبد الناصر، وتدمير بيروت عاصمة الثورة العربية. .
لم تكن الجماهير مخطئة في ذلك، فهي في أمس الحاجة الى من يخرجها من واقعها الماساوي المريرعلى الصعيد الوطني والقومي. . فالجماهير التي تشبه جمهو ر لعبة ملاكمة أو كرة قدم تطالب البطل بأن يذهب بالبطولة الى أقصى درجاتها، لهذا من حقها ان تصاب بالدهشة والحيرة والاحباط، اثر منظر المهانة الذي أخرج به صدام على جماهيره مستسلما، ويمتثل لطبيب امريكي، يفتش في رأسه وأسنانه، ويأمره ان يضغط اسفل فكيه، كي يأخذ منه اللعاب لفحص حامض د. ن. ايه.
!! DNA
أ ما ملابسات هذا الاستسلام المريع فليست واضحة بعد، وفرضية ان يكون قد خدر يمكن اخذها بالحسبان وهناك من يتكلم عن صفقة ما. . لكن القضية الأهم هي الوشاية الأكيدة عن مخبئه الذي رأيناه في التلفزيون، والذي يستحيل اكتشافه بمحض الصدفة، انما بوشاية. وهذه يجب ان تكون قد صدرت عن احدهم، أي المقربين جدا جدا جدا جدا. . وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا، لكنناسنحاول بهدوء وموضوعية ان نناقش حقيقة صدام حسين. . وهل كان بطلا قوميا فعلا؟ وبخاصة أنني عشت في العراق لأكثر من ثلاثة عشرة سنة منخرطا بالوسط الثقافي والاعلامي العراقي. .
وللحديث عن صدام حسين سأنحي جانبا كل ما يوحي بمقولة "سقطت البقرة وكثرت السكاكين "، وكذلك نظريا ت المؤامرة والمعلومات التي صدرت مؤخرا عن علاقة صدام برمسفيلد منذ بداية الستينات عندما كان صدام منفيا في القاهرة!! وسننحي جانبا ما ينسب الى جمال عبد الناصر والمخابرات المصرية انه " اذا أضعت صدام في القاهر ة فستجده في االسفارة البريطانية أو الامريكية".
وانا لا اريد ان استند الى هذه المعلومات لأنني لا أريد ان أوغل بالشعور بالمهانة، وبأن الحكام العرب ليسوا اكثر من دمى صنعتها ورتبتها أجهزة الاستخبارات الغربية. . فأريد أن احتفظ بشيء من الطيبة الشعبية وربما بالسذاجة؟؟
لهذا سأفترض ان صدام حسين كا ن مواطنا عراقيا صالحا. . جاء من عائلة فقيرة كما هو معروف. . ولقد وقع في طفولته تحت تأثيرات كبيرة وحاسمة لأراء خاله الذي تولى تربيته بعد وفاة والده، ومن نصائح خالهالمعروفة ووصاياه لصدام ان لايتسامح مع ثلاث : الشيوعية والفرس واليهود. .
وسنفترض ان صدام قد عمل بنصائح وتوجيهات قومية- دينية صادرة عن خاله الضابط القومي المتزمت، فرسم حياته السياسية وفق هذه الوصايا الثلاث، لأن مسار فعله السياسي لا حقا، ومن موقع رئيس جمهورية انصب بهذه الاتجاهات الثلاثة. .
وسنفترض انه التحق بصفوف حزب البعث الذي سحر غالبية شعوب بلاد الشام والعراق بأطروحاته في الوحدة والحرية والاشتراكية وقضية فلسطين . . وهو يتباهى بأنه تصدى للأفكار اليسارية التي حاول الجناح السوري طرحها في المؤتمر القومي لحزب البعث في 1961، فاحتسب نفسه علىالجناح اليميني للحزب. . وسأفترض انه تحت تأثير الأفكار القومية البعثية و رغبته في محاربة الشيوعية قام صدام بمحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم الذي تحالف مع الشيوعيين العراقيين، وبهذا يكون صدام قد وضع قدمه في عالم السياسة في العراق مبتدأ ذلك بمحاوربة الشيوعيين ولو عبر محاولة قتل شخصية وان فشلت. .
وسأفترض أن صدام كان مخلصا في انتمائه الى التراث العربي والاسلامي و من زاوية المنظور والرؤية التي فتحها له خاله " خير الله طلفاح ". .
وان كان صدام قد أخرج للعراقيين شجرة نسبه العائلي التي قال فيها:" إن أصوله تعود الى علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، فإننا نسأل هل تاثر صدام بالامام علي الزاهد المنادي باحقاق الحق والعدالة والمعرفة؟؟ والذي حارب تكنيز الذهب والفضة حتى أنه حرمّ تسخير الدواب من غير أجر وقد أكلت حبال البئر من يدي زوجته فاطمة وهي تنشل الماء يوميا!! أم انه تشبه صدام- بمعاوية بن ابي سفيان وابنه يزيد في حكم العراق والدولة الأمويةوسنفترض انه تشبه بالخليفة عمر بن الخطاب الذي أطلق عليه تسمية " المستبد العادل"!! وسأفترض ان صدام كان مولعا بخالد بن الوليد وكيف استبسل في حروب الردة والقضاء على المعارضة الأولى في الدولة الاسلامية البكر!! مع ان التاريخ يذكر ان الرسول محمد ص لم يقمع الذين ابتدؤا ردتهم ابان حياة الرسول. .
وسنفترض ان صدام حسين قد قرأ تجربة الحجاج في توحيد الدولة الأموية التي قام من خلالها بقصف مكة بالمنجنيق وتقطيع رؤس خصومه من آل الزبير والخوارج وغيرهم. . ( كان تلفزيون قطر قد قدم الحجاج في مسلسل رمضاني ذكرنا جميعا بالتاريخ الدموي للحجاج، لكنه قدمه كسيف بني أمية صانع الانتصارات والفتوحات الاسلامية في الشرق والغرب. من الصين الى الاندلس ). .
وسنفترض أنه تشبه بصلاح الدين الأيوبي الذي ولد في نفس المدينة التي ولد صدام في أحد قراها. . وباطلالة سريعة على تاريخ صلاح الدين الأيوبي الذي انطبع في وجدان العرب والمسلمين كبطل وأسطورة تاريخية نجد ان صلاح الدين عندما وصل الى سدة الحكم في الدولة الآيوبية فان أول اجراء قام به هو توحيد المذهب الديني في عموم أمصار الدولة وبتحويل مذهب المصريين في ليلة وضحاها من احدى فرق الشيعة الى المذهب السلفي السني فنقل لذلك ألوف رجال الدين السنة من بلاد الشام ونصبهم في مصر كدعاة وعلماء وفقهاء يوحدون المذهب بقوة السيف ولذلك قام بقتل الفقيه العالم السهرورد. .
وسأفترض ان صدام قد درس محمد علي باشا!! التي قيل الكثير وكتب الكثير مدحاً لها، وبحيث أن الماركسيين مثلاًاعتبروها تجربة اشتراكية رائدة، وأن الليبراليين اعتبروها نموذجاً للنهضة المطلوبة، بل إن أحد الباحثين اعتبرها "أول محاولة في التاريخ الحديث لإعادة تكوين الدولة العربية في المشرق والمغرب"؛ وإلى درجة أن أحد العلماء العرب، قد طالب مؤخراً بالاحتفال في عام 2005بمرور مئتي سنة على بدء مشروع النهضة أو بدء حكم محمد علي. تخلص من المماليك ألد أعدائه بموت بعضهم وفرار البعض الآخر، ثم أباد بقيتهم في مذبحة القلعة. . فأثبت بذلك أنه كان واعياً لدرس ماكيافيلي القائل بأن " على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم"، بدون قراءة ماكيافيلي. . إذ قال محمد علي لوزيره الذي كان يترجم له كتاب الأمير" بمعدل عشر صفحات في اليوم، بعد اليوم الثالث: "إني أرى بوضوح أنه ليس لدى ماكيافيلي ما يمكنني أن أتعلمه منه، فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف فلا داعي للاستمرار في ترجمته". و استعان محمد علي بالأجانب، وبخاصة الفرنسيين، في تنظيم الجيش والبحرية والري والتعليم. حارب الوهابيين ثم فتح السودان. لبى نداء السلطان محمود حين استنجد به لإخماد ثورةاليونانيين في المورة، وأحرز الجيش المصري انتصارات باهرة. لكن فرنسا وإنجلترا وروسيا حرمته من جني ثمار جهوده. غضب عليه السلطان محمود لعدم تقديمه له أية معاونة في الحرب الروسية التركية، فأخذ محمد علي يستعد لمقاتلة سيده، أعد جيشاً حسن التدريب بقيادة ابنه إبراهيم وسار من نصر إلى نصر، حتى وصل إلى كوتاهية وأخيرا تسلم الأسطول العثماني فصارت أبواب استانبول مفتوحة أمام إبراهيم. فجزعت إنكلترا وروسياوبعد مداولات ومناورات، اضطر إبراهيم إلى الجلاء عن جميع فتوحاته. وبمقتضىمعاهدة لندن 1841م)، لم يبق لمحمد علي سوى حكم مصر له ولذريته من بعده.
فلقد نهض محمد علي بمصر نهضة كبيرة. . أعلى مقامها بين الدول، وأدخل بها إصلاحات كثيرة في جميع نواحي الحياة. ومن أهم أعماله، إنشاؤه للكثير من المدارس العليا، وإرسال البعثات العلمية، وتشييد القناطر الخيرية وحفره كثيراً من الترع الرئيسية والفرعية، وتحسينه ميناء الاسكندرية، وفتحه السودان، ونشر الأمن في البلاد. ولكن يؤخذ على محمد علي: حكمه الاوتقراطي، وانتزاعه جميع الأراضي من المصريين كي تصبح البلاد ضيعة شاسعة يمتلكها، وإرهاقه الشعب بالضرائب الفادحة، وموت الكثيرين من الشبان في حروبه المتعددة في السودان، وسورية وبلاد العرب، والمورة وآسيا الصغرى. .
لقد كان محمد علي أمياً، و مصاباً بجنون العظمة، وكان ماكيافيلياً أكثر من ماكيافيلي نفسه، وكان ألباني الأصل، تركي الجنسية وفرنسي الهوى؟!؟. . .
وسأفترض أيضا أن صدام درس هذه التجربة وكذلك تجربة جمال عبد الناصر وغيرها من التجارب كتجربة هتلر وستالين ووديغول و تيتووتشاوسيسكو. . مع ان هتلر انتحر وتشاوسيسكو بدة في محاكمته متماسكا قويا حتلى لحظة اعدامه وبينما قال أبو علي اياد :" نموت واقفين ولن نركع "!!وقال تشي غيفارا للجندي الذي اعتقله: " اطلق أيها الجبان "!!، فلقد صرح الجندي الأمريكي الذي اعتقل صدام ان الأخير قال له:" لا تطلق!! أنا صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية وعندي استعداد للتفاوض". .
وكي أخرج من دائرة الافتراضات، فانني أجزم أن صدام حسين قد قدم نفسه كزعيم قومي وعمل من أجل ذلك بعد وفاة جمال عبد الناصر وما يعنيه ذلك من غياب للزعيم القومي على الساحة العربية والدولية .
وان كان صدام قد نجح في كسب الشارع العربي لكنه خسر الشارع العراقي وماذا تفعل اذا خسرت شعبك وربحت العالم؟ وهنا تكم المأساة!!ولو كان صدام قد ربح الشعب العراقي لكان اليوم في موقع آخر وبهيئة أخرى غير التي ظهر فيها على الفضائيات. .
فالعراق يعتبر فسيفساء بالغة التعقيد من حيث نسيجه التعددي في الديانات والمذاهب والأعراق والملل والنحل ويمكن اعتباره نموذجا مصغرا عن الوطن العربي الكبير. . ولو استطاع صدام فعلا حكمه للشعب العراقي لكان نجح في ان يكزن زعيما قوميا لكنه خسر نفسه وشعبه وبلده العظيم. .
نعم فالعراق عظيم بشعبه ومنجزاته التاريخية منذ ما قبل التاريخ الى يومنا هذا. وماالخصوصية التي اتصف بها الشعب العراقي على مر العصور بانه متمرد واسماه الحجاج بـ"النفاق" وصدام بـ"الغوغاء"!!، إلا لأن الشعب العراقي يمتلك فلسفة ورأيا فيما يخص شؤون حياته ويطالب أي حاكم ان يأخذ ذلك بعين الاعتبار فهم صعاب المراس ولا يساقون كالخراف لأنهم خلقوا الحكمة والقانون والجيوش والأدب والفنون منذ كلكامش وحمورابي ولهذا دفعوا حياتهم غالية ورخيصة على مذابح احترام كلمة الشعب التي لا يسمعهما الحاكم العربي ومنهم صدام حسين. .
ففي نهاية الحرب العراقية الايرانية سادت النكتة الشعبية السوداء حول تللك الحرب المأساوية.
وهنا نذكر واحدة منها بطلها جندي عراقي يعود الى أهله يحمل سعفين من النخيل ويضع حذاءه العسكري على عنقه، فيسأله أهله ما هذا فيجيب : هذه سعفة نخل تبجيلا وتخليدا للذي صنع القادسية الاولى، وهذه سعفة نخل ثانية تبجيلا وتكريما للذي صنع القادسية الثانية فسالوه : وماذا عن البسطال (الحذاء العسكري) فأجاب :لأقطّعه على رأس من يفكر بقادسية ثالثة!! وهذا ما حدث فعلا فلقد ذهب الشعب العراقي مع صدام حسين الى أبعد الحدود وخاض الحرب العراقية الايرانية بشراسة وببسالة تكللت بنصر العراق الساحق لكنهم عندما بدأت الحرب مع الكويت وهم لم يداوو جراح حرب السنوات الثمانية رفعوا صوتهم وقالوا رأيهم وتمردوا على صدام حسين وسياسته التي لم تأخذ جرح الشعب بعين الاعتبار. مع انهم خاضوا الحرب1991 طيلة 54 يوم. وتحدوا ايام الجوع والحرمان لأكثر من 10 سنوات وهم اصحاب الخير والنعم وعندما يقال في اللهجة الفلسطينية :"لا تتبغدد!!"، فهذا يعني لا تسلك سلوك البغداديين في الكبرياء والأنفة، ولقد تحملوا القمع والاستبداد والعقاب الجماعي، ورغم ذلك خاضوا الحرب الأخيرة في 2003، ولم يستسلموا حتى سقوط النظام. .
وهذا ما لا يدركه بعض المحللين والمراقبين الذين يكيلون الاتهامات الى الشعب العراقي بانه لم يلتف حول قائده أو القائد العربي القومي أو أنه ارتمى باحضان أمريكا!!. في حين ان الشعب العراقي بشخصيته الجمعية التاريخية لا يتحمل قيادة أخرى ليست عراقية!!
ان صدام حسين والقيادة العراقية السابقة مطالبين بتقديم حساب للشعب العراقي وللأمة العربية عن سياساتهم الداخلية والخارجية طيلة اكثر من ثلاثين عاما. فان مصارحة الشعوب العربية ومناقشتها في السراء والضراء ليست من تقاليد وقيم النظام السياسي العربي برمته والعراقي بشكل خاص!!
كان على صدام ان يتحاور مع شعبه ويستمع له ويأخذ برؤيته لأمور الحياة والسياسة. . لا أن يفعل ذلك الان تحت تأثير القوة الامريكية. . وهنا لابد من القول :
ان امريكا ليست القوة المهيئة دوليا لتكون قاضيا ومحاميا وشرطيا دوليا نزيها، فاذا كان بوش قد صرح في 17/12/2003، "ان صدام حسين كانت لديه غرف للتعذيب ولاغتصاب النساء وكان يعذب معارضيه ويقتلهم ". فهل هذا لا يفعله شارون وكل من تناوب على الحكم في اسرئيل؟، أم لا تفعل ذلك معظم الأنظمة العربية البائسة التي ابتلتنا بها أجهزة الاستخبارات الغربية وبالمقدمة منها الامريكية؟؟!! فامريكا ليس من حقها ان تحاكم صدام حسين الا اذا كانت تعتبره احد رعاياها!! وبخاصة ان صحيفة نيويورك تايمزقد ذكرت في 13 آب 1990، اثناء احتلال العراق للكويت بـ"ان العراق بلغ ذروته في القوة بموافقة امريكا وبمساعدته، ويشمل هذا تجارة مزدهرة في الحبوب مع المزارعين الآمريكيين، والتعاون مع الاستخبارات في الولايات المتحدة، وبيع النفط من المصافي الأمريكية الأمر الذي ساعد على تمويل قوة العراق العسكرية، واخفا تصوت البيت الابيض في انتقاد انتهاكاته لحقوق الانسان وارتكابه الفظائع في الحرب ". ومنذ 1982 أصبح العراق واحدا من اكبرالمشترين للرز الأمريكي، " حتى انه اشترى ما قيمته زهاء خمسة بلايين ونصف البليون دولار من الحاصلات الزراعية واللحوم بقروض مضمونة من الحكومة واعانات زراعية وبمبالغ نقدية منه ". وتسلم العراق مبلغ 270 مليون دولار عل ىشكل ائتمنات مضمونة من الحكومة لشراء سلع امريكية اخرى رغم تخلفه عن دفع الديون وتبين ارقام البيانات لسنة 1987 أن أكثر من 40 بالمائة من غذاء العراق كان قد استورد من الولايات المتحدة كما تسلم العراق في سنة 1989 ضمانات قروض بمبلغ مليار دولار ولم تتسلم دولة اكثر من ذلك الا المكسيك ويقول تشارلز غلاس :" ان الولايات المتحدة اصبحت السوق الرئيسية للنفط العراقي :" في وقت أخذت منظمة بيزنيس فورم المريكية العراقية التي يتصدرها رجال اعمال امريكيون بارزون ودبلوماسيون سابقين تمتدح اعمال صدام حسين وسيره نحو الديمقراطية". ولم تحرك حكومتا ريغان وبوش (الاب) ساكنا حين ابتاع العراق طائرات مروحية امريكية وحولها الى الاستخدام العسكري فنكث بذلك وعوده وحين استعمل الغازات السامة ضد القوات الايرانية وضد مواطنيه الاكراد وهجر نصف مليون كردي واشوري بالقوة وغير ذلك من الفظائع " ( انظر نعوم تشومسكي الولايات المتحدة والديمقراطية اعاقة الديمقراطية ص 224- 225، ). .
كل هذا بالطبع لأن صدام كان يخدم سياستها الاستراتيجية ضد الاتحاد السوفياتي وضد ايران تماما، وهذا ما تفعله اليوم مع مجاهدي افغانستان الذين تربوا وترعرعوا على ايدي السي أي ايه لمحاربة الاتحاد السوفياتي في افغانستان واليوم تطاردهم باعتبارهم ارهاب. .
ان أي محاكمة لصدام حسين يجب ان تكون من قبل الشعب العراقي وكل الديمقراطيين والثوريين العرب، بوصفها محاكمة للوجه الدموي في التاريخ العربي والاسلامي، ومحاكمة لثقافة الاستبداد والالغاء والاقصاء، ويجب ان تكون محاكمة للنظام الرسمي العربي الذي هو نسخة مكررة ممجوجة عن صدام حسين، هذا النظام الذي ارست دعائمه امريكا وبريطانياوفرنسا واسرائيل. الذين يجب اجلاسهم في القفص المجاور لصدام. .
لم تكن الجماهير مخطئة في ذلك، فهي في أمس الحاجة الى من يخرجها من واقعها الماساوي المريرعلى الصعيد الوطني والقومي. . فالجماهير التي تشبه جمهو ر لعبة ملاكمة أو كرة قدم تطالب البطل بأن يذهب بالبطولة الى أقصى درجاتها، لهذا من حقها ان تصاب بالدهشة والحيرة والاحباط، اثر منظر المهانة الذي أخرج به صدام على جماهيره مستسلما، ويمتثل لطبيب امريكي، يفتش في رأسه وأسنانه، ويأمره ان يضغط اسفل فكيه، كي يأخذ منه اللعاب لفحص حامض د. ن. ايه.
!! DNA
أ ما ملابسات هذا الاستسلام المريع فليست واضحة بعد، وفرضية ان يكون قد خدر يمكن اخذها بالحسبان وهناك من يتكلم عن صفقة ما. . لكن القضية الأهم هي الوشاية الأكيدة عن مخبئه الذي رأيناه في التلفزيون، والذي يستحيل اكتشافه بمحض الصدفة، انما بوشاية. وهذه يجب ان تكون قد صدرت عن احدهم، أي المقربين جدا جدا جدا جدا. . وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا، لكنناسنحاول بهدوء وموضوعية ان نناقش حقيقة صدام حسين. . وهل كان بطلا قوميا فعلا؟ وبخاصة أنني عشت في العراق لأكثر من ثلاثة عشرة سنة منخرطا بالوسط الثقافي والاعلامي العراقي. .
وللحديث عن صدام حسين سأنحي جانبا كل ما يوحي بمقولة "سقطت البقرة وكثرت السكاكين "، وكذلك نظريا ت المؤامرة والمعلومات التي صدرت مؤخرا عن علاقة صدام برمسفيلد منذ بداية الستينات عندما كان صدام منفيا في القاهرة!! وسننحي جانبا ما ينسب الى جمال عبد الناصر والمخابرات المصرية انه " اذا أضعت صدام في القاهر ة فستجده في االسفارة البريطانية أو الامريكية".
وانا لا اريد ان استند الى هذه المعلومات لأنني لا أريد ان أوغل بالشعور بالمهانة، وبأن الحكام العرب ليسوا اكثر من دمى صنعتها ورتبتها أجهزة الاستخبارات الغربية. . فأريد أن احتفظ بشيء من الطيبة الشعبية وربما بالسذاجة؟؟
لهذا سأفترض ان صدام حسين كا ن مواطنا عراقيا صالحا. . جاء من عائلة فقيرة كما هو معروف. . ولقد وقع في طفولته تحت تأثيرات كبيرة وحاسمة لأراء خاله الذي تولى تربيته بعد وفاة والده، ومن نصائح خالهالمعروفة ووصاياه لصدام ان لايتسامح مع ثلاث : الشيوعية والفرس واليهود. .
وسنفترض ان صدام قد عمل بنصائح وتوجيهات قومية- دينية صادرة عن خاله الضابط القومي المتزمت، فرسم حياته السياسية وفق هذه الوصايا الثلاث، لأن مسار فعله السياسي لا حقا، ومن موقع رئيس جمهورية انصب بهذه الاتجاهات الثلاثة. .
وسنفترض انه التحق بصفوف حزب البعث الذي سحر غالبية شعوب بلاد الشام والعراق بأطروحاته في الوحدة والحرية والاشتراكية وقضية فلسطين . . وهو يتباهى بأنه تصدى للأفكار اليسارية التي حاول الجناح السوري طرحها في المؤتمر القومي لحزب البعث في 1961، فاحتسب نفسه علىالجناح اليميني للحزب. . وسأفترض انه تحت تأثير الأفكار القومية البعثية و رغبته في محاربة الشيوعية قام صدام بمحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم الذي تحالف مع الشيوعيين العراقيين، وبهذا يكون صدام قد وضع قدمه في عالم السياسة في العراق مبتدأ ذلك بمحاوربة الشيوعيين ولو عبر محاولة قتل شخصية وان فشلت. .
وسأفترض أن صدام كان مخلصا في انتمائه الى التراث العربي والاسلامي و من زاوية المنظور والرؤية التي فتحها له خاله " خير الله طلفاح ". .
وان كان صدام قد أخرج للعراقيين شجرة نسبه العائلي التي قال فيها:" إن أصوله تعود الى علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، فإننا نسأل هل تاثر صدام بالامام علي الزاهد المنادي باحقاق الحق والعدالة والمعرفة؟؟ والذي حارب تكنيز الذهب والفضة حتى أنه حرمّ تسخير الدواب من غير أجر وقد أكلت حبال البئر من يدي زوجته فاطمة وهي تنشل الماء يوميا!! أم انه تشبه صدام- بمعاوية بن ابي سفيان وابنه يزيد في حكم العراق والدولة الأمويةوسنفترض انه تشبه بالخليفة عمر بن الخطاب الذي أطلق عليه تسمية " المستبد العادل"!! وسأفترض ان صدام كان مولعا بخالد بن الوليد وكيف استبسل في حروب الردة والقضاء على المعارضة الأولى في الدولة الاسلامية البكر!! مع ان التاريخ يذكر ان الرسول محمد ص لم يقمع الذين ابتدؤا ردتهم ابان حياة الرسول. .
وسنفترض ان صدام حسين قد قرأ تجربة الحجاج في توحيد الدولة الأموية التي قام من خلالها بقصف مكة بالمنجنيق وتقطيع رؤس خصومه من آل الزبير والخوارج وغيرهم. . ( كان تلفزيون قطر قد قدم الحجاج في مسلسل رمضاني ذكرنا جميعا بالتاريخ الدموي للحجاج، لكنه قدمه كسيف بني أمية صانع الانتصارات والفتوحات الاسلامية في الشرق والغرب. من الصين الى الاندلس ). .
وسنفترض أنه تشبه بصلاح الدين الأيوبي الذي ولد في نفس المدينة التي ولد صدام في أحد قراها. . وباطلالة سريعة على تاريخ صلاح الدين الأيوبي الذي انطبع في وجدان العرب والمسلمين كبطل وأسطورة تاريخية نجد ان صلاح الدين عندما وصل الى سدة الحكم في الدولة الآيوبية فان أول اجراء قام به هو توحيد المذهب الديني في عموم أمصار الدولة وبتحويل مذهب المصريين في ليلة وضحاها من احدى فرق الشيعة الى المذهب السلفي السني فنقل لذلك ألوف رجال الدين السنة من بلاد الشام ونصبهم في مصر كدعاة وعلماء وفقهاء يوحدون المذهب بقوة السيف ولذلك قام بقتل الفقيه العالم السهرورد. .
وسأفترض ان صدام قد درس محمد علي باشا!! التي قيل الكثير وكتب الكثير مدحاً لها، وبحيث أن الماركسيين مثلاًاعتبروها تجربة اشتراكية رائدة، وأن الليبراليين اعتبروها نموذجاً للنهضة المطلوبة، بل إن أحد الباحثين اعتبرها "أول محاولة في التاريخ الحديث لإعادة تكوين الدولة العربية في المشرق والمغرب"؛ وإلى درجة أن أحد العلماء العرب، قد طالب مؤخراً بالاحتفال في عام 2005بمرور مئتي سنة على بدء مشروع النهضة أو بدء حكم محمد علي. تخلص من المماليك ألد أعدائه بموت بعضهم وفرار البعض الآخر، ثم أباد بقيتهم في مذبحة القلعة. . فأثبت بذلك أنه كان واعياً لدرس ماكيافيلي القائل بأن " على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم"، بدون قراءة ماكيافيلي. . إذ قال محمد علي لوزيره الذي كان يترجم له كتاب الأمير" بمعدل عشر صفحات في اليوم، بعد اليوم الثالث: "إني أرى بوضوح أنه ليس لدى ماكيافيلي ما يمكنني أن أتعلمه منه، فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف فلا داعي للاستمرار في ترجمته". و استعان محمد علي بالأجانب، وبخاصة الفرنسيين، في تنظيم الجيش والبحرية والري والتعليم. حارب الوهابيين ثم فتح السودان. لبى نداء السلطان محمود حين استنجد به لإخماد ثورةاليونانيين في المورة، وأحرز الجيش المصري انتصارات باهرة. لكن فرنسا وإنجلترا وروسيا حرمته من جني ثمار جهوده. غضب عليه السلطان محمود لعدم تقديمه له أية معاونة في الحرب الروسية التركية، فأخذ محمد علي يستعد لمقاتلة سيده، أعد جيشاً حسن التدريب بقيادة ابنه إبراهيم وسار من نصر إلى نصر، حتى وصل إلى كوتاهية وأخيرا تسلم الأسطول العثماني فصارت أبواب استانبول مفتوحة أمام إبراهيم. فجزعت إنكلترا وروسياوبعد مداولات ومناورات، اضطر إبراهيم إلى الجلاء عن جميع فتوحاته. وبمقتضىمعاهدة لندن 1841م)، لم يبق لمحمد علي سوى حكم مصر له ولذريته من بعده.
فلقد نهض محمد علي بمصر نهضة كبيرة. . أعلى مقامها بين الدول، وأدخل بها إصلاحات كثيرة في جميع نواحي الحياة. ومن أهم أعماله، إنشاؤه للكثير من المدارس العليا، وإرسال البعثات العلمية، وتشييد القناطر الخيرية وحفره كثيراً من الترع الرئيسية والفرعية، وتحسينه ميناء الاسكندرية، وفتحه السودان، ونشر الأمن في البلاد. ولكن يؤخذ على محمد علي: حكمه الاوتقراطي، وانتزاعه جميع الأراضي من المصريين كي تصبح البلاد ضيعة شاسعة يمتلكها، وإرهاقه الشعب بالضرائب الفادحة، وموت الكثيرين من الشبان في حروبه المتعددة في السودان، وسورية وبلاد العرب، والمورة وآسيا الصغرى. .
لقد كان محمد علي أمياً، و مصاباً بجنون العظمة، وكان ماكيافيلياً أكثر من ماكيافيلي نفسه، وكان ألباني الأصل، تركي الجنسية وفرنسي الهوى؟!؟. . .
وسأفترض أيضا أن صدام درس هذه التجربة وكذلك تجربة جمال عبد الناصر وغيرها من التجارب كتجربة هتلر وستالين ووديغول و تيتووتشاوسيسكو. . مع ان هتلر انتحر وتشاوسيسكو بدة في محاكمته متماسكا قويا حتلى لحظة اعدامه وبينما قال أبو علي اياد :" نموت واقفين ولن نركع "!!وقال تشي غيفارا للجندي الذي اعتقله: " اطلق أيها الجبان "!!، فلقد صرح الجندي الأمريكي الذي اعتقل صدام ان الأخير قال له:" لا تطلق!! أنا صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية وعندي استعداد للتفاوض". .
وكي أخرج من دائرة الافتراضات، فانني أجزم أن صدام حسين قد قدم نفسه كزعيم قومي وعمل من أجل ذلك بعد وفاة جمال عبد الناصر وما يعنيه ذلك من غياب للزعيم القومي على الساحة العربية والدولية .
وان كان صدام قد نجح في كسب الشارع العربي لكنه خسر الشارع العراقي وماذا تفعل اذا خسرت شعبك وربحت العالم؟ وهنا تكم المأساة!!ولو كان صدام قد ربح الشعب العراقي لكان اليوم في موقع آخر وبهيئة أخرى غير التي ظهر فيها على الفضائيات. .
فالعراق يعتبر فسيفساء بالغة التعقيد من حيث نسيجه التعددي في الديانات والمذاهب والأعراق والملل والنحل ويمكن اعتباره نموذجا مصغرا عن الوطن العربي الكبير. . ولو استطاع صدام فعلا حكمه للشعب العراقي لكان نجح في ان يكزن زعيما قوميا لكنه خسر نفسه وشعبه وبلده العظيم. .
نعم فالعراق عظيم بشعبه ومنجزاته التاريخية منذ ما قبل التاريخ الى يومنا هذا. وماالخصوصية التي اتصف بها الشعب العراقي على مر العصور بانه متمرد واسماه الحجاج بـ"النفاق" وصدام بـ"الغوغاء"!!، إلا لأن الشعب العراقي يمتلك فلسفة ورأيا فيما يخص شؤون حياته ويطالب أي حاكم ان يأخذ ذلك بعين الاعتبار فهم صعاب المراس ولا يساقون كالخراف لأنهم خلقوا الحكمة والقانون والجيوش والأدب والفنون منذ كلكامش وحمورابي ولهذا دفعوا حياتهم غالية ورخيصة على مذابح احترام كلمة الشعب التي لا يسمعهما الحاكم العربي ومنهم صدام حسين. .
ففي نهاية الحرب العراقية الايرانية سادت النكتة الشعبية السوداء حول تللك الحرب المأساوية.
وهنا نذكر واحدة منها بطلها جندي عراقي يعود الى أهله يحمل سعفين من النخيل ويضع حذاءه العسكري على عنقه، فيسأله أهله ما هذا فيجيب : هذه سعفة نخل تبجيلا وتخليدا للذي صنع القادسية الاولى، وهذه سعفة نخل ثانية تبجيلا وتكريما للذي صنع القادسية الثانية فسالوه : وماذا عن البسطال (الحذاء العسكري) فأجاب :لأقطّعه على رأس من يفكر بقادسية ثالثة!! وهذا ما حدث فعلا فلقد ذهب الشعب العراقي مع صدام حسين الى أبعد الحدود وخاض الحرب العراقية الايرانية بشراسة وببسالة تكللت بنصر العراق الساحق لكنهم عندما بدأت الحرب مع الكويت وهم لم يداوو جراح حرب السنوات الثمانية رفعوا صوتهم وقالوا رأيهم وتمردوا على صدام حسين وسياسته التي لم تأخذ جرح الشعب بعين الاعتبار. مع انهم خاضوا الحرب1991 طيلة 54 يوم. وتحدوا ايام الجوع والحرمان لأكثر من 10 سنوات وهم اصحاب الخير والنعم وعندما يقال في اللهجة الفلسطينية :"لا تتبغدد!!"، فهذا يعني لا تسلك سلوك البغداديين في الكبرياء والأنفة، ولقد تحملوا القمع والاستبداد والعقاب الجماعي، ورغم ذلك خاضوا الحرب الأخيرة في 2003، ولم يستسلموا حتى سقوط النظام. .
وهذا ما لا يدركه بعض المحللين والمراقبين الذين يكيلون الاتهامات الى الشعب العراقي بانه لم يلتف حول قائده أو القائد العربي القومي أو أنه ارتمى باحضان أمريكا!!. في حين ان الشعب العراقي بشخصيته الجمعية التاريخية لا يتحمل قيادة أخرى ليست عراقية!!
ان صدام حسين والقيادة العراقية السابقة مطالبين بتقديم حساب للشعب العراقي وللأمة العربية عن سياساتهم الداخلية والخارجية طيلة اكثر من ثلاثين عاما. فان مصارحة الشعوب العربية ومناقشتها في السراء والضراء ليست من تقاليد وقيم النظام السياسي العربي برمته والعراقي بشكل خاص!!
كان على صدام ان يتحاور مع شعبه ويستمع له ويأخذ برؤيته لأمور الحياة والسياسة. . لا أن يفعل ذلك الان تحت تأثير القوة الامريكية. . وهنا لابد من القول :
ان امريكا ليست القوة المهيئة دوليا لتكون قاضيا ومحاميا وشرطيا دوليا نزيها، فاذا كان بوش قد صرح في 17/12/2003، "ان صدام حسين كانت لديه غرف للتعذيب ولاغتصاب النساء وكان يعذب معارضيه ويقتلهم ". فهل هذا لا يفعله شارون وكل من تناوب على الحكم في اسرئيل؟، أم لا تفعل ذلك معظم الأنظمة العربية البائسة التي ابتلتنا بها أجهزة الاستخبارات الغربية وبالمقدمة منها الامريكية؟؟!! فامريكا ليس من حقها ان تحاكم صدام حسين الا اذا كانت تعتبره احد رعاياها!! وبخاصة ان صحيفة نيويورك تايمزقد ذكرت في 13 آب 1990، اثناء احتلال العراق للكويت بـ"ان العراق بلغ ذروته في القوة بموافقة امريكا وبمساعدته، ويشمل هذا تجارة مزدهرة في الحبوب مع المزارعين الآمريكيين، والتعاون مع الاستخبارات في الولايات المتحدة، وبيع النفط من المصافي الأمريكية الأمر الذي ساعد على تمويل قوة العراق العسكرية، واخفا تصوت البيت الابيض في انتقاد انتهاكاته لحقوق الانسان وارتكابه الفظائع في الحرب ". ومنذ 1982 أصبح العراق واحدا من اكبرالمشترين للرز الأمريكي، " حتى انه اشترى ما قيمته زهاء خمسة بلايين ونصف البليون دولار من الحاصلات الزراعية واللحوم بقروض مضمونة من الحكومة واعانات زراعية وبمبالغ نقدية منه ". وتسلم العراق مبلغ 270 مليون دولار عل ىشكل ائتمنات مضمونة من الحكومة لشراء سلع امريكية اخرى رغم تخلفه عن دفع الديون وتبين ارقام البيانات لسنة 1987 أن أكثر من 40 بالمائة من غذاء العراق كان قد استورد من الولايات المتحدة كما تسلم العراق في سنة 1989 ضمانات قروض بمبلغ مليار دولار ولم تتسلم دولة اكثر من ذلك الا المكسيك ويقول تشارلز غلاس :" ان الولايات المتحدة اصبحت السوق الرئيسية للنفط العراقي :" في وقت أخذت منظمة بيزنيس فورم المريكية العراقية التي يتصدرها رجال اعمال امريكيون بارزون ودبلوماسيون سابقين تمتدح اعمال صدام حسين وسيره نحو الديمقراطية". ولم تحرك حكومتا ريغان وبوش (الاب) ساكنا حين ابتاع العراق طائرات مروحية امريكية وحولها الى الاستخدام العسكري فنكث بذلك وعوده وحين استعمل الغازات السامة ضد القوات الايرانية وضد مواطنيه الاكراد وهجر نصف مليون كردي واشوري بالقوة وغير ذلك من الفظائع " ( انظر نعوم تشومسكي الولايات المتحدة والديمقراطية اعاقة الديمقراطية ص 224- 225، ). .
كل هذا بالطبع لأن صدام كان يخدم سياستها الاستراتيجية ضد الاتحاد السوفياتي وضد ايران تماما، وهذا ما تفعله اليوم مع مجاهدي افغانستان الذين تربوا وترعرعوا على ايدي السي أي ايه لمحاربة الاتحاد السوفياتي في افغانستان واليوم تطاردهم باعتبارهم ارهاب. .
ان أي محاكمة لصدام حسين يجب ان تكون من قبل الشعب العراقي وكل الديمقراطيين والثوريين العرب، بوصفها محاكمة للوجه الدموي في التاريخ العربي والاسلامي، ومحاكمة لثقافة الاستبداد والالغاء والاقصاء، ويجب ان تكون محاكمة للنظام الرسمي العربي الذي هو نسخة مكررة ممجوجة عن صدام حسين، هذا النظام الذي ارست دعائمه امريكا وبريطانياوفرنسا واسرائيل. الذين يجب اجلاسهم في القفص المجاور لصدام. .
التعليقات