المطالبون بالاصلاحات السياسية في المملكة العربية السعودية لا يختلفون كثيرا عن زملائهم وابناء عمومتهم، أو بالاحرى نتاج الثقافة والموروث الصحراوي الواحد في الكويت. القوى الوطنية الديموقراطية في البلدين تطالب الحكم بالاصلاح وتسعى الى تطوير، وفي الواقع تغيير، البناء الفوقي او الجانب السياسي منه بالذات. اما القاعدة، الجموع والثقافة التي بني عليها كل شيء، فلا احد هنا ولا احد هناك معني بها. ربما نعذر القوى الوطنية السعودية لحداثة تجربتها او لعدم خبرتها ومعاصرتها المباشرة لـ «المشاركة الشعبية» او نمط النظام الديموقراطي - الانتخابي الذي تدعو اليه.. لكن لا عذر للقوى الوطنية الديموقراطية في الكويت التي خبرت واكتوت طوال اربعين عاما ونيف بالممارسات الانتخابية المشوهة والمشاركات الشعبية المحدودة في السلطة.
قوانا الوطنية الديموقراطية لا تزال، وبعد هذا النضال الطويل والخبرة العريقة، معنية بإصلاح النظام الانتخابي والعمل على تقييد سلطة الحكم وتوسيع حصتها من القرار السياسي. لكنها ليست معنية باصلاح النظام الديموقراطي او تحقيق الخطوات الضرورية لتدعيمه. وفي الحقيقة، فإن الكثير من التعديات التي أخلت بالمبادئ الديموقراطية وعطلت الكثير من المواد الدستورية لم تثر انتباه او اهتمام القوى الوطنية الديموقراطية في الكويت، لان هذه التعديات كانت موجهة إلى مبادئ النظام العام وإلى الحقوق السياسية والديموقراطية فيه وإلى حريات الناس الاجتماعية بالاساس، لهذا فإنها مرت دون اعتراض وتمر وربما يحتفل بانجازها سنويا دون اشكال او تذمر ولو رمزياً. اما التعديات التي اعتبرت انحيازا لصالح السلطة، او تعزيزا لسلطات الحكومة على حساب سلطات مجلس الامة فانها قلبت الدنيا ولم تعدلها بعد. كلنا يذكر ازمات المادة 71 من الدستور وموقف القوى «النيابية» الصلب ضد المراسيم بقوانين التي حاولت الحكومة تمريرها باعتبارها إخلالا بمبادئ الحكم الديموقراطي وتعارضا ومبدأ فصل السلطات فيه. اما انتهاك مبادئ العدالة والاخلال بحريات المواطنين وحقوقهم الاجتماعية والسياسية فان ذلك لم يكن شأن احد. بل ان بعض القوى «الوطنية» استخدم بصفاقة ما بعدها صفاقة المادة 71 لاسقاط مرسوم المساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية!.
تعديل الدوائر الانتخابية واصلاح النظام الانتخابي ضرورة، ولا جدال هنا على الاطلاق، لكن ليست هذه هي ساحة المعركة الحقيقية.. هل الحكومة فعلا كما يعتقد الكثيرون هي التي تقيد الحريات وتصادر الحقوق السياسية للناس. هل يعاني الناس - بل الحركة الوطنية الديموقراطية بالذات - هذه الايام من السلطة السياسية ام من سلطات اجتماعية اخرى؟.. من الذي يتفرد بالحكم ومن الذي يفرض ميوله واتجاهاته قسرا على الناس..؟ لننظر في امر من اعتقل او سجن من كتاب الرأي ومن الباحثين، سنجد ان السلطة لم تكن طرفا في سجن او تهام احد. لننظر الى القضايا العديدة التي رفعت بهدف الحد من حرية الناس السياسية او الاجتماعية سنجد ان الحكومة لم ترفع قضية واحدة منها باستثناء الطعن في الذات الاميرية وانتهت ببراءة المتهمين. من هو المطالب بتقليص سلطاته؟ ومن هو المطالب بالتنازل من عليائه؟ ومن هو المطالب بالكف عن التدخل القسري في خصوصيات الناس؟.. هل تجرؤ القوى الوطنية على تحديد الطرف المناوئ للحريات والمتناقض الاساسي وتطوير النظام الديموقراطي؟!.
التعليقات