عبده عايش من صنعاء: قبل أن تهم بالدخول الي "مؤسسة العفيف الثقافية" التي تتخذ من أحد أحياء صنعاء الراقية مقرا لها، خاصة وأنها تتربع علي جزء من منزل مؤسسها ورئيسها الوزير اليمني الأسبق أحمد جابر عفيف، تلفت نظرك ملصقات علي البوابة الخارجية والداخلية كتب عليها "ممنوع القات والتدخين وحمل السلاح" ولذلك لا يجرؤ أحد من "موالعة" القات و"مدمني السجائر وهواة امتشاق السلاح أن يدلف الي المؤسسة الثقافية إطلاقا، بالرغم من أنها لا تستخدم حراسا امنيين لمنع مثل هكذا أشخاص غير مرغوب فيهم.
"إيلاف" زارت المؤسسة اليمنية، فوجدت انها فرضت علي زائريها الدائمين والطارئين القبول بشروطها السابقة، وجعلت من نفسها مكانا يجمع شتات المثقفين، وهواة الادب والشعر والمعرفة، ولكن شرط تخليهم عن عادة مضغ القات وتدخين السجائر ماداموا بداخلها علي الأقل. ويبدو أن هدف القائمين عليها، خاصة مؤسسها ورئيسها أحمد جابر عفيف، يرغبون في تحقيق جانب سلوكي ينبذ العادات السيئة، ويقبل علي الثقافة والمعرفة بفكر صاف وسلوك حضاري، وثمة سمة أخري تميز العمل في المؤسسة، فالزائرون من الباحثين والشعراء والادباء يستفيدون من مكتبتها الثرية بأمهات الكتب ومختلف الاصدارات، وتراهم منكبون علي الكتب حول طاولة واحدة مستطيلة الشكل، بينما الهدوء يلف المكان وكأن الطير علي رؤوسهم.
"إيلاف" التقت برئيس المؤسسة وأحد أبرز رواد العمل الثقافي في اليمن الاستاذ احمد جابر عفيف، وكان حينها يراجع البرنامج الثقافي للمؤسسة المقرر البدء بتنفيذه العام المقبل، العفيف قال إن برنامج مؤسسته سيكون استثنائيا ونوعيا بحيث يشكل إسهاماً فعليا في الحراك الثقافي المرتقب أن تنفذه المؤسسات الرسمية والاهلية علي مدي اسابيع واشهر العام المقبل وذلك بمناسبة إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية.
واعتبر أن العام 2004 عاماً استثنائياً في اليمن " تصير فيه صنعاء عاصمة للثقافة العربية، وفيه تشخص الأنظار الثقافية من كل انحاء العالم نحو المدينة المكللة بعبق التاريخ والاساطير، ترقب اشراقتها إذ تشع إبداعا ومنجزات ثقافية تتناسب ومكانة عاصمة اليمن التاريخية وأحلام أبناءها في النهوض وكسر حالة الركود علي كافة الأصعدة ".
وأشار العفيف الي ان برنامج مؤسسته سيكون ذا طبيعة نوعية يسلط فيه الاضوااء علي الشأن الثقافي والسياسي والاجتماعي في اليمن، وسيشارك في فعالياته عشرات الاكاديميين والاختصاصيين من اليمن والوطن العربي.
علي صعيد ذي صلة اطلعت " إيلاف " علي برنامج المؤسسة التفصيلي، فظهر أنه معد بطريقة منظمة ومجدول حسب الايام والاشهر، وهو أسلوب يشبه رائد المؤسسة أحمد العفيف في طريقة حياته الخاصة،حيث الدقة والنظام ديدنه واسلوب عمله، فكما عرفنا منه فان من عادته النوم مبكرا والاستيقاظ فجرا، ويوميا يكون في مكتبه في السابعة صباحا، وغداءه عقب صلاة الظهر مباشرة، ثم يأخذ قيلولة و في الرابعة عصرا يعود الي المؤسسة، ويخرج منها الي بيته في السابعة مساء، وهكذا هو برنامجه اليومي الذي اعتاده طوال أكثر من 80 عاما من عمره المديد سواء كان في منصبه الرسمي أو في عمله الثقافي الخاص به.&
البرنامج الثقافي لمؤسسة العفيف موزع علي أشهر العام المقبل بمعدل ثلاث إلي أربع فعاليات كل شهر، وسوف تتصدر ندوة " المناضلان الزبيري والنعمان والقواسم المشتركة بينهما " شهر فبراير، بينما سيشهد مارس ندوة " المجتمع المدني في اليمن نشأته وواقعه " وفي أوائل أبريل سيقام معرض تشكيلي للفنان السوري شفيق أشتي، وفي نفس الشهر ستقام " فعاليات من الادب والفكر السعودي ".
وحددت المؤسسة شهر مايو لاقامة حفل توزيع ومنح جائزة العفيف الثقافية لعام 2004، فيما سيشارك نخبة من الموسيقيين المثقفين خلال يونيو في إقامة ندوة " الموسيقي اليمنية وآفاق تطورها " وفي شهر اغسطس ستقوم وزيرة حقوق الانسان أمة العليم السوسوة بالمشاركة في حلقة نقاشية عن " الحريات العامة وحقوق الانسان في اليمن "، وستعقد خلال شهري أكتوبر وديسمبر ندوتان عن " التراث الشعبي اليمني وأزمة الجمع والتوثيق والدراسة " والثانية حول " مستقبل الثقافة اليمنية " بالاضافة الي محاضرة بعنوان " روجيه جارودي.. الرؤية والتغيير ".
والبرنامج حافل بأمسيات شعرية وقصصية ومحاضرات متخصصة وأمسيات فنية وغنائية مختلفة وحفلات تكريم لعدد من كبار المبدعين والباحثين اليمنيين، وحلقات نقاش متعددة واحدة منها ستكون في مايو يشارك فيها الناقد العراقي الدكتور حاتم الصكر تحمل عنوان " واقع قصيدة النثر وآفاق كتابتها ".
لا يقتصر نشاط مؤسسة العفيف علي الفعاليات الثقافية والفنية فقط، ولأن مؤسسها يعتبر من أشد مناهضي زراعة القات ومضغه، قام أيضا بتأسيس جمعية "يمن بلا قات" ويصدر عنها صحيفة شهرية وملصقات للتوعية كما تنظم محاضرات وندوات تكشف حقيقة الاثار الخطيرة لشجرة القات علي واقع الزراعة و أضرا مضغ القات علي صحة الانسان صحيا وماديا.
وكما ان العفيف شغوف بنشر الثقافة، فانه في ذات الوقت يأمل أن يري اليمن" بدون شجرة القات الخبيثة " على حد تعبيره، ويعتقد كثيرون ان اهم عمل لمؤسسة العفيف الثقافية وهي أول مؤسسة أهلية موقوفة لنشر الثقافة وتبني ابداعات الشباب، كان اصدار " الموسوعة اليمنية " الذي تصدر انتاجها البحثي قبل عقد من الزمان، وخرج أخيرا في طبعة جديدة منقحة ومزيدة في اربعة مجلدات، ويقول بعضهم " لو لم يكن لمؤسسة العفيف سوي اصدار الموسوعة اليمنية لكفاها ذلك فخرا ".