في الوقت الذي كان العقيد معمر القذافي يعلن من طرابلس قراره بالتخلص من برامج أسلحة الدمار الشامل كان الأمير سعود الفيصل يعلن في ندوة بمهرجان الجنادرية في المملكة العربية السعودية، أن الإصلاح الداخلي وتطوير المشاركة السياسية هما المنطلقان الأساسيان لتجاوز الأزمة الهيكلية التي تتعرض لها الدول العربية.
وعلى الرغم من الاختلاف الشاسع بين السياستين الليبية والسعودية إلا أن كلتيهما تشهد في السنوات الأخيرة مبادرات متعددة من أجل التكيف مع المستجدات العالمية؛ مهما كان الاختلاف حول مضمونها إلا أنها تؤكد أن كلاً من الراديكاليين والمعتدلين في العالم العربي يمرون بظروف مشتركة وباتوا مؤمنين بأهمية التغيير.
فمنذ مدة تشهد السياسة الليبية تذبذباً بين التوجهات الإفريقية والعربية؛ بين الدعوة الى اتحاد إفريقي والدعوة إلى الوحدة العربية الشاملة، بين التهديدات بالانسحاب من الجامعة العربية لأنها غير فاعلة والدعوة إلى إدخال اسرائيل فيها وإقامة دولة إسراطين .
ومنذ مدة أيضا تشهد السياسة السعودية قدرا من التغيير، تمثل في مبادرة الأمير عبد الله للأرض مقابل التطبيع في قمة بيروت (مارس 2002)، ومشروعه لإصلاح الوضع العربي في قمة القاهرة (فبراير 2003)، ووثيقته حول الإصلاح التعليمي في قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت (ديسمبر 2003).
والإشكالية الفكرية التي تكتسب زخماً كبيراً في الوطن العربي في أوقات الأزمات تدور حول أولوية الإصلاح في الداخل أو الصراع مع الخارج؛ فبينما يرى البعض أن الوضع الداخلي هو سر الهزيمة العربية، ومن ثم يدعون الى الانفتاح السياسي وتوسيع المشاركة والديمقراطية أولاً، فإن البعض الآخر يحمل الغرب وأمريكا و إسرائيل كل المصائب والكوارث التي حلت بالأمة وأدت لتأخرها وتراجعها.
لا شك في أن الوضع العربي بحاجة لتغيير حقيقي، ولكن من أين تكون البداية؟ وكيف يتحقق الانسجام بين توجهات الإصلاح مع الخارج وفي الداخل حتى لا يكون أحدهما على حساب الآخر، وحتى ينسجم كلاهما مع تطورات الصراع الذي لم يحل بعد والذي تشكلت وفقه الملامح السياسية والثقافية للمنطقة في العقود الماضية؟
ما عرضه وزير الخارجية السعودي يعكس فهماً للطبائع العربية في ضوء ما تحدث عنه بشأن الطبيعة الخلدونية للشخصية العربية التي تجعلها أبعد الأمم عن سياسة الملك. لذلك فإن رؤية الفيصل للإصلاح ربما تكون هي الرؤية الحيوية. ففضلا عن أن إصلاح الداخل بالديمقراطية سوف يحصن المجتمعات، فإنه أيضا هو السبيل للأمن القومي، خاصة بعدما أصبحت التجربة العراقية أقوى الذرائع لجلب الاحتلال.
وما بين توجه القذافي ورؤية الفيصل اختلافات كثيرة، بحجم الاختلافات بين الخبرتين الراديكالية والمحافظة في التعامل مع النظام الدولي خلال العقود الماضية. ومن المهم أن يستفيد العرب من الخبرتين كلتيهما، وأن تأخذ إحداهما من الأخرى لا أن تكرر المسار نفسه.
الخليج
التعليقات