حيان نيوف من دمشق: بعد الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر، طرح الأمريكيون سؤالا واحدا: لماذا يكرهوننا؟. فكان جواب البيت الأبيض أن الإرهابيين يكرهون الولايات المتحدة لما هي عليه: فهم يكرهون الموسيقى والحرية والتقدم والنساء والمسيحيين واليهود وكل المسلمين الذين لا يؤمنون بمبادئهم المتشددة. ولكن الكاتب والمنشق الأمريكي نعوم تشومسكي قال بأن هذه الكراهية بسبب بوش ورفاقه وما فعلوه !. نعم هذا ما قاله تشومسكي بشكل صريح في كتابه الذي حقق مبيعات ممتازة في الولايات المتحدة وحول العالم وهو كتاب "السيطرة أو البقاء: سعي أمريكا للسيطرة العالمية"& Hegemony or Survival: America's Quest for Global Dominance .
يرى تشومسكي بأن تدخل بوش في شؤون الدول مبني أصلا على عرف أمريكي وهو "التدخل في شؤون البلدان الأخرى تحت يافطة الحرية ومواجهة الإرهاب" بينما المبتغى هو مجموعة من المصالح في هذه البلدان التي أرادت أن تثير الولايات المتحدة ولا تخضع لكل طلباتها.
يجد الكاتب إدارة بوش جديدة في شيئين فقط، وهما أنها أكثر وضوحا في إعلان أهدافها ودوافعها وكذلك نضالها من أجل منافع أكثر. وبرأيه أن العالم انقسم إلى قسمين: القسم الأول هو المقموع والمضطهَد والقسم الآخر هو القسم المضطهِد ممثلا بأمريكا وأعوانها حول العالم. وهنا يقول تشومسكي ما لم يقله أمريكي آخر عندما يعتبر أن الولايات المتحدة هي دولة الإرهاب الكبرى في العالم ويشبّه قصف أمريكا لصربيا ليلا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويعتبر أن تدخل الولايات المتحدة في دول مثل تيمور ومناطق كوسوفو إنما الغاية منه هو تعزيز القوة الأمريكية بعيدا عن مجلس الأمن.
لكن تشومسكي يذهب بعيدا في معلومات غير موثقة تصل به إلى حد اتهام كلينتون بأنه استخدم عناصر من حزب الله في مساعدة القوات الأمريكية في البوسنة، وهذا يضعنا أمام مصداقية هجوم تشومكسي على البيت الأبيض حيث أن المعلومات التي يذكرها بدأت تحمل طابع الغلو والتشدد بنظر الكثيرين من الصحفيين الأمريكيين. وينتقد بشدة في كتابه هذا نفاق دونالد رامسفيلد وكولن باول عندما ناشدوا صدام استخدام الغاز في 1988 لكي يتم تبرير حربهم اليوم.
ولغة نعوم تشومسكي هي لغة سهلة واضحة ولكنها لاذعة جدا في انتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويتساءل كيف تريد الولايات المتحدة الابتعاد عن توقيع اتفاقيات دولية متعلقة بحقوق الإنسان بحجة أنها تضر بسيادتها بينما تشن حروبا على أنظمة ودول بحجة أنها لا توقع اتفاقيات دولية؟! وفي نفس الوقت ترفض الولايات المتحدة النظر في الطلبات الأجنبية حول معتقلي معسكر غوانتنامو Guantanamo kennels المحرومين من لقاء الأهل أو تعيين محامين لهم.
وهكذا يتابع نعوم تشومسكي نقده وتحليله لكل هذه السياسات للولايات المتحدة، معلنا أن سيبقى شوكة في خاصرتها. وهنا لا يمكننا أن نتهم تشومكسي بأنه عميل ويقبض من الأنظمة الشمولية حول العالم لأن موقفه معروف من هذه الأنظمة وكثيرا ما يشن حملات عليها لما تقوم به من كم الأفواه. ولكن أليس تشومسكي بعيدا عن الصواب عندما يذهب عن تفكيره أن هناك في الحكومة الأمريكية من يفكّر بتلك التكاليف التي دفعتها وستدفعها الولايات المتحدة جراء تحالفها مع أنظمة قمعية حول العالم؟. ولكن مهما تم انتقاد الولايات المتحدة هل سيكون بإمكاننا القول بأننا المباحث الفيدرالية الأمريكية ستعتقل نعوم تشومكسي وتحاكمه أمام محكمة الإرهاب أو الأمن القومي بتهمة الإساءة إلى أمن الولايات المتحدة أو التحالف مع قوى أجنبية أو رغبته بدخول البيت الأبيض على متن دبابة كوبية؟! أعتقد أن ذلك من المستحيل أن يحدث وهذا مازال يميز الولايات المتحدة عن غيرها في السياسات الداخلية وتعاملها مع المنشقين عن أنظمتها السياسية.
التعليقات