أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر&
&
&
* وهل أثر ذلك على اللغة العربية؟
- بلا شك. فنظرتنا للغة العربية وتقديسنا لها باعتبارها لغة القرآن أثر على عدم تقدم اللغة العربية فاللغة لا يمكن أن تتطور من غير تحرر فكرى.
&
* وكيف نطورها إذن؟
- طبعا هذا سؤال يجب توجيهه للمتخصصين. لكني أتصور أن علينا أولاً أن نتحرر من نظرتنا لها على أنها لغة مقدسة. هذه نقطة مهمة جداً. ثانياً أن نتقبل تطورها مع تطور الواقع. فكل قاعدة لغوية ليس لها استعمال في الوقت الحاضر يجب حذفها بجرأة شديدة، لأنه ليس لها وظيفة. فقواعد اللغة وضعت لتنظيم صياغة اللغة، وإثقال مثل هذه الصياغة بالقيود يحد من مرونة اللغة وطواعيتها للواقع الحديث. كذلك هي تحد من موهبة الشعراء، لذلك لجئوا إلى التفعيلة الحرة للهروب من بحور الخليل الجامدة.وأود هنا أن أشير إلى أن مثل تلك الشروط وإن كانت ضرورية إلا أنها ليست كافية. إذ قد يتطلب ا لأمر تحديث تفكيرنا ذاته.
&
* لكن ما السبيل إلى الحداثة في رأيك؟
- علينا أن ندرك أن الحداثة ليست مجرد فكر بل هي فكر يعكس واقعاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، هذا الواقع السياسي الاجتماعي لدينا، لم يتغير بما فيه الكفاية لقبول الحداثة، فالتغبير يأتي بالتدريج وكل درجة لها فكرها المصاحب لها. فمع التطور الرأسمالي بدأ يظهر الفرد وقيمته كفرد مستقل بذاته ومساوي للآخرين، فالعملية ليست بسيطة وتتطلب أجيالاً بل وقروناً، ومفهوم الفرد بمعناه الحديث لم يولد إلا مع التطور الرأسمالي وفلسفة وفكر التنوير. لكن هذا التطور لم يحدث حتى الآن، بصورة تلقائية، في مجتمعاتنا العربية، وما حدث لنا هو غزو واقتحام تكنولوجي/ ثقافي أوروبي ونحن في حالة غير مهيأة له، فنحن في مرحلة ما قبل ثقافة الحداثة، فماذا نعمل؟ لم يكن أمامنا سوى أن نغير واقعنا إرادياً أي نخطط للتحديث وننجز ما خططنا له. فالفكر دائماً تعبير عن احتياج اجتماعي، واستجابة لواقع اجتماعي.وهذا هو سبب أزمتنا الآن: أننا لسنا جاهزين لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً لاستيعاب الحداثة لذلك شعرنا بالضياع وأصبح علينا أن نأخذ الأمر بصورة معاكسة، أي نأخذ الحداثة كفكرة كأسلوب في الحياة ونفرضها على أنفسنا فنحن لم نصنع ولم نشارك في صنع التكنولوجيا التي نستخدمها في الحياة اليومية، لأن العقلية المنتجة للتكنولوجيا غير موجودة، والتكوين الاجتماعي المرتبطة بإنتاج التكنولوجيا غير موجود، وهذه مشكلة كبرى.
لقد كان علينا أن ندخل الحداثة إلى عقليتنا اللاحديثة بالتعليم. لكن تعليمنا يعلم الأجيال الصاعدة قيم العصور الوسطي المعادية للحداثة أي للعقل وحقوق المواطنة والمرأة والمواطن غير المسلم.
إذن تخلفنا يعود إلى عدم تطورنا الاجتماعي والاقتصادى، فنجد مثلاً السياسة الأبوية لازالت سائدة في المجتمعات العربية متمثلة في شيخ القبيلة والعلاقة الأبوية البطريركية في الحكم، فنحن في وضع بدائي قبل حداثي، مجتمع الراعي والرعية، أو الراعي والقطيع، مجتمع الأب المتحكم في كل شئ، الذي تحبه وتكرهه في نفس الوقت. مما أسس نظام الحكم الشمولي، فالحاكم يتصرف وكأنه إله أو مالك للمجتمع بأسره.
&
*&من أجل ذلك كان السادات يقول " أولادي، جيشي، شعبي وكان يقول "أنا رئيس العيله المصرية "؟
بالضبط فهذه هي أخلاق القرية، الناشئة من التركيبة الأبوية في المجتمع، وداخل نظام الحكم السياسي، مما أدى إلى البيروقراطية ( بمعناها الدارج ) فداخل كل هيئة حيث يخضع كل موظف إلى رئيسه ورئيسه إلى رئيسه حتى نصل لرأس السلطة أما المؤسسة التي تعمل كطائرة بدون طيار فلا وجود لها.
&
* ولكن الجماعات الإسلامية تكفر كل شئ يأتينا من الغرب، رغم أنهم يستخدمون آخر ما توصل إليه من علم من تكنولوجيا،المحمول،التليفزيون،الطائرات...إلخ فما تعليقك علي ذلك؟
- أطرف رد سمعته كان من الشيخ الشعراوي حيث قال إن الله سخر لنا "الكفار" ليوفروا لنا هذه المتعة لكن لاحظ كلمة "سخر لنا" أي أننا أسيادهم وهم مسخرون عندنا، وهم متخلفون عنا، أقصد متخلفون روحياً. كل هذه تبريرات أو هروب من أسباب تخلفنا، كنوع من التبرير للوضع المزري الذي نحن فيه.
وهنا أفرق بين ثلاثة أشياء : الإسلام السياسي ويمثله إسلام الإخوان المسلمين الحاليين الطامحين إلى السلطة السياسية، وإسلام اجتماعي بمعنى خروج الدين عن نطاق المسجد إلى المجتمع العريض و تمثله الجمعيات الشرعية السنية، و هناك إسلام سياسي انقلابي راديكالي يمثله سيد قطب، و هو إسلام يكفر المجتمع والحاكم ويدعو"العصبة المؤمنة" لتقوم بانقلاب وتستولي على الحكم، و تمثله حاليا جماعات العنف الديني ، وهى جماعات تميل إلى تغيير المجتمع بالعنف وأتباعهم غالباً من ذوى التعليم المتوسط وغالباً ما يسكنون بين الريف والمدينة، وهم أصلاً من سكان الريف ونزحوا إلى المدينة للبحث عن عمل، فيصطدمون بواقع يرفضهم تماماً فيناصبونه العداء، فالمجتمع لا يتقبلهم بل يهمشهم ويقصيهم فينقلبون عليه ويكفروه.
&
* لكن هناك من أعضاء هذه الجماعات أفراد من الطبقة الوسطي لم يرفضهم المجتمع حتى يرفضوه ويكفرونه. ألا يعود رفضهم للمجتمع إلى التعصب والتعليم الديني التكفيري الذي سمم وعيهم؟
- قطعاً. الطيف الاجتماعي الذي يشكل هذه الجماعات معقد. وللتعليم والإعلام الديني دور لا شك فيه في تطرفهم وعنفهم. من هنا أهمية الاهتمام بالتعليم الديني والاجتهاد والتأويل والقراءة التاريخية. ومن المهم جداً أن نعرف أن القرآن قابل لتأويلات عديدة ومتناقضة، لذلك قال الإمام على أن القرآن حمال أوجه". فهم يأخذون صيغة معينة من القرآن ويوظفونها لخدمة أهدافهم، و وفقا لمنطق الجماعات المغلقة يشعرون أنهم أقلية فيتكاتفون ويتحدون فيتزوجون داخل الجماعة في حياة منغلقة خاصة بهم، مثل هذه الجماعات تفكر في حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم بعد أن كفروا المجتمع ،فهذا لا يمثل انحرافاً فكرياً. لأن لهم منطقهم الداخلي فهم يريدون إعادة العيش في الماضي. هم يتصورون أنفسهم جماعة كجماعة الرسول، والمجتمع جاهل مثل عصر الجاهلية أيام الرسول، وواجبهم هو نشر الدعوة من جديد، وهم يتحملون العذاب والاضطهاد كما تحمل الرسول ورفاقه، وهناك رموز لذلك مثل إطلاق اللحية والجلباب والسروال كل هذه الرموز مطلوبة للعيش في الماضي الجميل المتخيل، هو وهم كبير ونوع من الرومانسية، حيث يتحول هذا الماضي إلي عصر ذهبي ومثالي. هنا منطق ما،أنا أري أنه متماسك، فإذا كان هذا المجتمع مجتمعاً جاهلاً،ولم يتقبلهم ولم يتقبل فكرة الحاكمية لله، هم أبناء الله المخلصون وهم الفرقة الناجية، لذلك أصبح الجهاد فرض عين ضد الحكام الكفار وضد الغرب.
&
* أيمن الظواهري و بن لادن أعلنوا الحرب على اليهود والصليبين وكفروهم فما هو الموقف من الآخر المغاير؟
- أولاً هذا جهل بعلوم العصر، ثقافتهم دينية بحتة ويعيشون في إطار ضيق جداً ناظرين للعالم من داخل ثقب إبرة، قسموا العالم إلى دار حرب ودار سلام، وتوهموا أن الآخر كافر يتآمر عليهم فيجب أن يردوا عليه بالقوة والعنف موظفين كل ما يملكون من أموال لإيذاء هذا الآخر.
&
* مفهوم العلمانية شابه كثير من الخلط حتى أنه أصبح يساوى كافر أو مرتد، فما هي رؤيتك لهذا المفهوم؟
- التعريف الشائع للعلمانية هو فصل الدين عن الدولة،وهذا جزء من العلمانية السياسية،أما العلمانية بمعناها العميق والشامل فهي موقف من عملية المعرفة ففي أي موضوع من موضوعات الواقع، اجتماعيا كان أم سياسيا أم اقتصاديا أم ثقافيا : كيف أفكر فيه؟ هل أفكر فيه بمرجعية دينية أم بمرجعية معرفية مصدرها الواقع؟
&
* هم يقولون "ما فرطنا في الكتاب من شئ"؟
& - نعم. ما فرطنا في الكتاب من شيء في أمور العقائدوالعبادات الخاصة بالدين. السؤال الذي أسأله لهم: هل الدين يتحكم في أمور الدنيا؟ هل يتبنون هذه النظرة الواحدية للدين التي تجعل من الله الأب الحامي لأولاده والذي يصّرف أمورهم بالنيابة عنهم بالكامل؟ إجابتي الشخصية على ذلك هي أن المسألة لا ينظر لها هكذا، فمن غير المعقول أن يقول لنا الدين ما الذي يجب عمله في المعمل في تجربة معينة أوفي الواقع الملموس في ظاهرة معنية، فالدين لا يقول لنا كيف نواجهها، وكذلك الحال بالنسبة للقصيدة الشعرية أوالمقطوعة الموسيقية، وهكذا.فمسألة الواقع تفرض علينا رؤية معينة ومعطيات معينة هي التي علينا ، شئنا أم أبينا، أن نتعامل معها.. فالعلمانية هنا تعنى أخذ معطيات وقوانين الواقع كما هي، نفكر في الاقتصاد بمنطق الاقتصاد، والاجتماع بمنطق الاجتماع والسياسة بمنطق السياسة، فأنت هنا تطبق العلمانية وتنفى السلطة الدينية. إذن العلمانية لا تنافى الدين ولكن تنافى تدخل السلطة الدينية فيما هو خارج نطاق الدين، فالعلمانية ضد السلطة الدينية وضد التسلط الديني، وليست ضد الدين نفسه كعقيدة وعبادة متاح للجميع، أن تعتقد كما تشاء،بل بالعكس فالعلمانية مفروض أنها مرتبطة برؤية تتيح للأفراد ممارسة حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وترفض منطق الوصاية من أية سلطة. و الدولة العلمانية هي التي يتمتع فيها جميع المواطنين بحق المواطنة ويتساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الجنسية..
&
* إذن كون الدولة ترفع شعار دين معين فهي تعادي جزء من شعبها، وكما نعرف أن معظم إن لم يكن كل الدول العربية بها أكثر من دين، بل وحتى داخل الدين الواحد هناك أكثر من مذهب؟
- الحل لجميع هذه المشاكل هو التفرقة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، والفصل بينهما. كما قال السيد المسيح: أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر وكما قال نبينا :أنتم اعلم بأمور دنياكم.
&
* "الديمقراطية" يعادونها لأنها آتية من الغرب، وهم يعادون كل ما يأتي من الغرب، عملاً بقول ابن تميمة "مخالفة الكفار مقصد من مقاصد الشريعة" فهل تصلح الديمقراطية للدول العربية والإسلامية؟
- معاداة الإنسان لكل ما هو آت من الغرب أو الشرق حالة نفسية وليست موقفا عقلانيا. ا لديمقراطية حتى الآن هي أنجح النظم عملياً، فالديمقراطية أساساً هي مشاركة المجتمع وأفراده في صنع القرار السياسى، وصناعة القرار من البرلمان والمؤسسات المختصة الأخرى لا تتعارض مع روح الإسلامإذا نظرنا إليها من منظور المصلحة العامة للأمة. أما إذا أخذت بمنطق أن الله هو الذي يشرع وأن الحاكمية لله، فهذا منظور سياسي يتخفي وراء الديني سعيا وراء الاستيلاء على السلطة التي حينما استولوا عليها بل كما حدث في إيران، وأفغانستان مثلاً، وجدناهم يطبقون أنظمة تسلطية بالكامل، وإن كان قد أتيح لها في إيران أن تتطور علمانيا علي يد من يسمون بالإصلاحيين فتتخذ منحي ديموقراطيا تقل فيه المفردات الدينية. أما الشورى فقد توصلوا إلى أنها غير ملزمة للحاكم، وحتى لو كاتت ملزمة فهي لا تعني، مؤسسيا أكثر من مجرد وجود هيئة استشارية للحاكم. ولذلك لابد من بناء تكوين مؤسسي داخل المجتمع نفسه، بحيث تكون له آليات تستطيع إيقاف الحاكم إن أخطأ، وهذه الآليات هي المجتمع المدني بمؤسساته المتنوعة. فالفكرة هنا هي أنه لا وجود للآليات الاجتماعية السياسية المحققة والمجسدة للديمقراطية في غياب آليات صنع القرار والسلطات المضادة التي يراقب بعضها بعضاً التي هي أساس الديمقراطية، فبدون ذلك لا يبقي إلا "قوموني" بسيوفكم الذي كان وبالاً على المسلمين الذين كانوا لا يخرجون من فتنة إلا ليقعوا في فتنة أخرى أدهى وأمر. صنع القرار عملية ليست سهلة، عملية لابد أن توجد في شكل مؤسسات، بدون ذلك لا يمكن أن نتكلم عن الديمقراطية، فجوهر الديمقراطية هو المشاركة في صنع القرار على كل المستويات، فأن أشارك في صنع القرار الذي يحدد حركتي، هو أساس الديمقراطية.
إذن يجب علينا كمجتمعات عربية كخطوة أولى للديمقراطية أن نبني مؤسسات المجتمع المدني، التي تحد من سلطان الحاكم وتوقفه إن أخطأ، لكن هل الديمقراطية تصلح للمجتمعات العربية الإسلامية باعتبارها صناعة غربية،أقول مستغرباً العلم صناعة غربية فلماذا أخذناه منهم؟ فالمنشأ الجغرافي والمكاني لظاهرة ما لا يغير من طبيعتها، فهذا خطأ فكرى إذا نظرت للأمور بهذه النظرة. هم لا يكفرون ما يأتي من الغرب فقط بل يكفرون الغرب نفسه كواقع، وهم يكفرونه كآخر مغاير، آخر متقدم رغم أنهم خضعوا لإرادته العملية، فالتكنولوجيا ونظام الدولة الحديثة غربي، لكن لابد من الأخذ به. فالديمقراطية أفضل نظام عرفه التاريخ، وهو صالح للدولة العربية، لكن لابد من إرساء قواعد المجتمع المدني كخطوة أولى للديمقراطية لابد من تحديث التعليم والدستور والاقتصاد و الثقافة.
&
* أمريكا طلبت من الدولة العربية تغيير مناهج التعليم،وخاصة التعليم الديني الذي يحث على كراهية الآخر. فهل من مصلحتنا تغيير هذه المناهج أم نرفض تغييرها لأنها دعوى أمريكية وغربية أيضاً؟
- أولاً فكرة تغيير التعليم بصفة عامة فكره لابد منها، لأن نظام تعليمنا بهذه الصورة عقيم، لأنه تعليم تلقيني يخرج لنا حفظة وليس مبدعين إطلاقاً، ويظهر ذلك بشكل أكبر في التعليم الديني الذي تتحكم فيه أكثر الفئات الاجتماعية تخلفاً وعداءً للعلم والحداثة والمرأة وغير المسلم. فأي تعليم هذا الذي يعلمنا أن التفكير ممنوع والتكفير واجب ديني على كل مسلم ومسلمة؟ تعليم يطلب منك أن، تحفظ القرآن فقط دون فهم أو استيعاب لتصبح كمثل الحمار يحمل أسفارا، ولا نسأل أمتنا ما الذي تحتاجه وما هي مشاكلنا من الأساس. فيجب فعلاً تغيير مناهج التعليم بصفة عامة والتعليم الديني بصفة خاصة، لأن الدنيوي مبني على الفهم لا الحفظ حتى نخرج للمجتمع أناساً مبدعين، يفيدون أنفسهم ومجتمعهم بل يجب عدم تدريس مادة التربية الدينية أصلاً في المدرسة، لأن تدريس الدين في المدرسة يعلم التلاميذ رؤية معينة عن الدين وعن الأديان الأخرى بينما المفروض أن تقف المدرسة على الحياد، ولا تنحاز لدين ضد آخر.
يتبع
&