حوار أجراه وليد الخشاب
&
&

* &فيما يخص دخول الإسلاميين في حزب سياسي، ألا تخشى أن يحدث لنا كما حدث في إيران وفي أفغانستان؟ مع وصول سلطة دينية إلى الحكم ألا يؤثر ذلك على حريات كثيرة؟
-&أتفق معك، لكن لنري الفرق بين تجربة أفغانستان وتجربة إيران. لم تأت طالبان الحكم بأدوات ديمقراطية، وإنما بالقوة بمساعدة الولايات المتحدة بعد خروج السوفيت، وبعد حروب أهلية عديدة. ساعدت الولايات المتحدة طالبان للوصول للحكم بالقوة والنظام القائم في أفغانستان الآن تابع للولايات المتحدة نحن هنا نتكلم على أنظمة مفروضة بقوي خارجية ولا على أنظمة جاءت إلى السلطة دون وجود إجماع شعبي عليها. نقارن هذا بالثورة الإيرانية ثورة شعبية بغض النظر عن رأيي أو رأيك فيها، استطاعت من خلال مفاهيم دينية وبتوظيف مفاهيم دينية وبثورة في اللاهوت الديني الشيعي، أن تحقق ثورة تتخلص من أعتى الأنظمة الديكتاتورية والفاشية في المنطقة، نظام الشاه،أقامت نظام حكم ثيوقراطي هذا صحيح واضطهدت كل القوي التي شاركت في الثورة ودخلت في حروب لن نتكلم عن من فرض على إيران هذه الحرب، ولكن ألم تبدأ إيران في الخروج من النفق هذا؟ من خلال تجربتها كنظام إسلامي وليس من خلال تجربة أخري. خاتمي ينتمي إلى الملالي وليس من خارج المؤسسة إذن هناك إمكانية داخل ما يسمي بالنظام الإسلامي بأن يقوم نظام ليبرالي.

* هل لذلك علاقة بالفرق بين التراث السني والتراث الشيعي؟
-&الآن، هناك إعادة صياغة للاهوت الشيعي الذي وضعه الإمام الخميني بهدف إقامة الثورة.ماذا فعل الخميني؟ استبدل بالتقية وانتظار ظهور المهدي المنتظر الذي يصنع الشيعة كلها في منطقة عدم الفعل والانتظار، ما يسمي بولاية الفقيه. ومن خلال ولاية الفقيه، حرك اللاهوت الشيعي من حالة عدم الفعل والانتظار إلى الفعل. أقام ولاية الفقيه كنظرية لاهوتية ليتحداها الفكر الشيعي مرة أخرى كي يقيم جمهورية لا تخضع لسلطة عليا، بعد أن أصبحت إيران مصنفة في محور الشر عند الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التصنيف يعطي قوة للتقليدين ضد الليبراليين داخل إيران، ويعوق عملية التقدم داخل إيران. إذن هناك ثورة داخل اللاهوت الشيعي، لكن ما الفرق بين السنة والشيعة؟ السنة أيضاً تحتاج إلى ثورة لاهوتية ولكي تحدث هذه الثورة داخل الفكر السني أنت محتاج إلى الحرية. الحرية كانت متاحة للحوزة بحكم أن الشاه لم يكن يمثل سلطة على الحوزة وكان لها نوع من الاستقلال، تتمتع بميزانيتها وببنيتها الداخلية ولكن لا تتدخل السلطة السياسية في آليات التنظيم والتعليم والمقررات إلخ، إذا نظرنا للأزهر كمؤسسة ، سنجد أن الحكومة تلعب طول الوقت مع الأزهر، والأزهر يلعب مع الحكومة وتاريخ مصر كله هو تاريخ الصراع بين السلطة والسياسة والأزهر عندما تكون السلطة السياسية قوية تستطيع أن تحكم الأزهر، وعندما تكون ضعيفة فإن الأزهر هو الذي يحكم، لكن في النهاية لا يوجد استقلال.
&
*&لكن الإسلام السياسي يعتبر انشقاقاً على الأزهر؟
-&طبعاً باعتباره قد أصبح مؤسسة تمتلكها الدولة.
&
* الثورة السنية التي حدثت في الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي في مصر مثلاً هل لها علاقة بالفرق بين التراث السني والتراث الشيعي باعتبار الشيعة حزب أقلية مضطهد والسنة مع السلطة؟
-&لم تكن ثورة في اللاهوت، ولم تكن ثورة فكرية. كانت تمرداً سياسياً لكنه يعتمد على آليات تفسير هي نفسها آليات السلطة القائمة. لكن لا أستطيع أن أخلص إلى نتائج عامة وإن كان هذا التفسير غير مستبعد، ففي النهاية تاريخ اللاهوت الشيعي وتاريخ اللاهوت السني مليء أيضاً بالمتغيرات. نجد مثلاً في تاريخ اللاهوت السني فكرة طبيعة القرآن والخلاف القائم بين المعتزلة وبين خصوم المعتزلة حول طبيعة القرآن.
&
*مع ذلك، هذا مثال واضح على آليات القمع السنية. عندما وصل المعتزلة للحكم قاموا بتعذيب خصومهم منكري خلق القرآن؟
-&طبعاً، هنا قدرة السلطة السياسية حتى على إعادة توظيف الفكر سياسياً سواء كان معها أو ضدها وحتى الآن تستخدم السلطة هذا: إذا احتاجت لبعض الليبرالية سمحت ببعض الليبرالية لكن في اللحظة نفسها .. لدينا مثال صارخ على ذلك هو موقف السلطة المصرية الثقافية والسياسية من رواية "وليمة لأعشاب البحر" (لحيدر حيدر) وهو موقف يبدو ليبرالياً ولكن في حالة الروايات الثلاث بعد ذلك تمت المصادرة. ما الذي يجعل السلطة التي كانت تدافع عن حرية الإبداع تتحول لتقمع حرية الإبداع؟ هناك متغيرات سياسية ضيقة جداً وهي وصول بعض الإسلاميين للبرلمان أدت لذلك ولا أعتقد أن هذا سر. إنما تظل إمكانية لإحداث ثورة في الفكر وفي اللاهوت السني وهذه الإمكانية مرتهنة بمناخ من الحريات الفكرية والأكاديمية. لقد التقيت في سوريا مؤخراً بالسيد محمد حسن الأمير، وهو أحد القيادات الشيعية في لبنان، وكانت مفاجأة أن يتحدث الرجل عن الحقيقة باعتبارها ليست في النص وإنما في الحياة، خارج النص. أظن أن للرجل نظرية متكاملة جديرة بالإعجاب والثناء لأنها تأتي من رجل شيعي. هناك إرهاصات من داخل تراث الفكر السني نفسه وليست بالضرورة مستوردة بالمعني الذي يقوله الإسلاميون أحياناً، بإحداث ثورة في الفكر اللاهوتي. لا يمكن إحداث تجديد في الفكر الديني إلا بإحداث ثورة لاهوتية بدون تغيير في اللاهوت، تاريخ الكنيسة يقول ذلك، ومشكلة اليهودية أنه لم تحدث ثورة لاهوتية وبالتالي هي مسجونة في العصور الأولي. مشكلة المسيحية أنها أحدثت ثورات لاهوتية، مارتن لوثر والثورة البروتستانتية مثلاً&- بعد ذلك تحولت إلى أصولية&- قامت عليها ثورة ثانية إلخ، يتجدد الفكر الديني بهذه الحيوية في اللاهوت عندما تنظر كيف يدرس اللاهوت في الجامعات في العالم السني ستري أنه يدرس باعتباره قواعد إيمانية وليس باعتباره فكراً ليس هناك تأسيس معرفي لدي طالب اللاهوت: كيف تكونت هذه الفكرة أو انتقلت من مجال الإيمان إلى مجال الفكر ثم إلى مجال العقائد. الانتقال من الإيمان إلى الفكر إلى العقيدة كتطور تاريخي في تاريخ الأديان أمر غير معروف إطلاقاً بالنسبة للمتخصصين، وأساتذة الفكر اللاهوتي في الأزهر مثلاً يظنون أن العقيدة أنزلت هكذا في القرآن.
&
* هناك أمثلة متطرفة في تاريخ الشيعة كالإسماعيلية ثم القرامطة مثلاً نفت تماماً مركزية النص على الرغم من كونها فرقاً إسلامية. هل أحد آفاق تجديد اللاهوت الإسلامي هو البحث في اتجاهات شيعية بدلاً من الاتجاهات السنية، لأن تجربة الخوارج مثلاً لم تنتج تجديداً لاهوتياً وإنما أنتجت ثورة سياسية راديكالية؟ لقد كتبت فيما كتبت أن الخوارج مثلوا الفرقة الأكثر ديمقراطية؟
-&في نشأتهم على الأقل، ولكن في تطورهم اللاحق عندما أصبحوا ينقسمون في كل قضية خلافية فرعية وبالتالي ينشئ صاحب القضية الفرعية فرقة جديدة ويدخلون في حروب ضد بعضهم البعض،حدث هذا الانشطار داخل الخوارج كما حدث الانشطار داخل الجماعات الإسلامية بعد الإخوان المسلمين. على ماذا تقوم هذه الانشطارات؟ تقوم لأنه لا توجد فرقة واحدة تجدد من مبدأ اللاهوت، وإنما كل تجديد يدور حول النص نفسه، كيف نفهم هذا النص وماذا يقول لنا .. ليست هناك قاعدة لكيفية قراءة هذا النص وبالتالي يعطي هذا نتائج تبدو ظاهرياً حيوية ولكنها حيوية عدمية لأن النص من الممكن أن يقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه. تجدد الفكر السني من خلال مرجعية شيعية يعني أننا نستعين بالتراث مرة أخري، كأننا نطرح إجابات عن أسئلة في تراث معين ولكن هذه المرة في التراث الشيعي بدلاً من التراث السني. الباحث ينظر لتراث الإسلام باعتباره واحداً والتفرقة بين سنة وشيعة هي تفرقة سياسية وعقيدية وليست تفرقة في تاريخ الفكر. هناك داخل كل من السنة والشيعة اتجاهات إنما دعنا نضع يدنا على أمر ما من الناحية التاريخية: ما الذي جعل الفكر الشيعي مختلفاً عن الفكر السني؟ من الناحية التاريخية، اعتمد الفكر السني كله على سلطة النص نفسه باعتبار النص مرجعية مطلقة يقوم العلماء فيها بدور الشرح والتفسير فقط. الفكر الشيعي اعتمد على مرجعية أخرى إلى جانب النص هي مرجعية الإمام. الإمام في النهاية بشر وعلى مستوى الفكر الشيعي يقال أن الأمام قد ورث العلم النبوي الذي لم يقله النبي محمد في القرن السابع. في النهاية النبي محمد كان يخاطب القرن السابع وكشف من علمه ما يناسب القرن السابع. كل إمام جديد يرث العلم ولكن ليس مطلوباً منه أن يكشف من العلم إلا ما يناسب الناس في عصره. يعطينا هذا مفهوماً هاماً جداً في الفكر الشيعي هو مفهوم ارتباط الإمام بزمانه بمعني أنه يكشف المعرفة المرتهنة بزمانه فيدخل عنصر الزمن في عملية التفسير والتأويل. وبعد ما تطور الفكر الشيعي لم يعد الإمام فرداً واحداً وإنما أصبح الإمام يفوض بشراً آخرين وبالتالي تعددت المرجعيات.إدخال العنصر الإنساني في بعده التاريخي كوجه آخر للنص، ومن هنا فكلمة تأويل عند الشيعة ليس لها أية دلالة سلبية. من داخل الفكر الشيعي لا يجوز لأحد خارج المرجعية أن يكون له رأي، لذلك علينا أن كون حذرين ولا نعتبر ذلك ديمقراطية فكرية وإنما هو خلق سلطة موازية لسلطة النص. وهذه السلطة هي التي تفك شفرة النص، هي التي تنزل النص عن الزمان والمكان وعلى الناس أن يفهموا النص طبقاً لهذه المرجعية الفكرية. لقد أعطي ذلك مساحة ما من الحرية لكنها ليست حرية كاملة وهذا ما جعل الجمهورية الإيرانية جمهورية ديمقراطية ولكن تحت سلطة الفقيه.
&
* في النهاية مركزية النص تقابلها مركزية الفقيه؟
-&تاريخياً خلق هذا حيوية ما، لكنها وصلت الآن إلى نقطة الاختناق.
&
* أنا أدعي أنه في الإسلام السياسي بشكل عام هناك نوع من "تشييع الإسلام" مثلاً حزب الله في لبنان يلعب دوراً قوياً إلى درجة أن المسيحيين يتعاطفون معه ويعطونه أصواتهم أحياناً بسبب موقفه من إسرائيل. بشكل عام أصبحت هناك ممارسات مثل"التقية" عند جماعات الإسلام السياسي السني، مثلاً طريقة الملبس والحياة. هل تلاحظ هذه الظاهرة؟ وهل يمثل ذلك نوعاً من الانفتاح في الإسلام أم يمثل نوعاً من الراديكالية؟ أقصد أن تشييع الإسلام السياسي السني مرتبط بممارسات جهادية عنيفة، فما رأيك؟
-&هناك أمران يجب التمييز بينهما. بعد انتصار ثورة الخميني في إيران اكتسب مفهوم الدولة الدينية عند السنة عمقاً وأملاً في إمكانية تحقيقه. مفهوم الدولة الدينية مفهوم شيعي أصلاً، لا يوجد في الفكر السني. نشأ هذا المفهوم في الفكر الإسلامي الحديث بعد إلغاء الخلافة سنة 1924 ولم يكن له وجود قبل ذلك، فعلينا أن نتصور تسرب عناصر شيعية ووهابية في الإخوان المسلمين رغم تناقض الفكرين الشيعي والوهابي. لكن داخل أيديولوجية الجماعات الإسلامية المصرية تضافرت عناصر شيعية مع مفهوم الدولة ومفهوم سلطة الأمير وعناصر وهابية كتحصيل حاصل. هذه تشكيلة معقدة لا نستطيع أن نفسرها فقط بالتأثيرات الشيعية أو الوهابية، نتيجة لتأثيرات المنطقة المختلفة مثل تأثير السعودية ومنطقة الخليج بشكل عام تأثيراً مالياً، وتأثير الفكر الشيعي تأثيراً أيديولوجياً. ولكن ليست هناك في فكر الجماعات الإسلامية المتأثرة بالفكر الشيعي أية نظرية&- أو أية جرثومة&- لفكرة حرية المجتهد، التي هي أصلاً جزء من بناء الفكر الشيعي. الدافع الأساسي دافع سياسي وبالتالي فكل العناصر التي تمثل قيادات ليست عناصر على معرفة بتاريخ الفكر الديني ولا الفروق الفلسفية والكلامية والعقيدة. هم يقرؤون كتباً متأخرة مثل ابن تيمية وابن القيم وبعض مؤلفات الفكر الوهابي ويخلطون بينها وبين بعض المصادر السياسية الشيعية. أحياناً تتعارض وتضاد هذه المصادر. نحن لا نتكلم هنا عن جماعات ذات بنية فكرية قوية وإنما هي جماعات متشتتة، فإذا نشأت جماعة على رأي ما فلا تتوقع هنا أي بناء أيديولوجي ولا بناء لفكر لاهوتي. كل الجماعات الإسلامية مبنية على فكرة اللاهوتي الحنبلي وهو الفكر الذي شرحه ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب. إنما ما أتكلم عنه هو الثورة في عالم اللاهوت. نحن بحاجة لثورة في الفكر اللاهوتي وهذه الثورة تقوم على فهم تاريخ الفكر اللاهوتي بشكل جيد ثم طرح الأسئلة الأساسية المعلقة في هذا الفكر اللاهوتي وأهمها هو سؤال القرآن _ النص الديني.
&
*&سؤال أخير: هل مسألة تجديد الفكر اللاهوتي أو إعادة النظر في قضية القرآن تحمل في طياتها خطراً ما، حيث نجد أنفسنا إزاء نوع من المحافظة أو النظام القمعي الذي يتولد من خلال قراءة النص القرآني باعتبار أن بذور هذه المحافظة وهذا التسلط موجودة في القرآن؟
-&أنا لن أتكلم عن القرآن، رغم أن ما تقوله الآن هو خطر قائم، لماذا؟ لأننا لا نملك نظرية واضحة حول ماهية القرآن حتى الآن. القرآن كلام الله، صحيح، ولكن ماذا نعني بكلام الله؟ ماذا نعني بكلمة وحي؟ بالتأكيد لدينا إجابات عن كل هذا، لكنها إجابات ساكنة خامدة بالضرورة لكنها تتضمن عناصر تثوير بداخلها. أنا أتكلم هنا عن الأسئلة الجوهرية التي لم يجب عنها منذ توقف النقاش في القرن التاسع أيام المأمون حول خلق القرآن وقدم القرآن وحدوث القرآن إلخ، أصبح مفهوم القرآن، بوصفه كلام الله الأزلي القديم المتعبد بتلاوته، جزءاً من العقيدة. لكن ما هو مفهوم الوحي؟ هذا ما حاولت الإجابة عليه في كتابي"مفهوم النص" وفي كتابات أخري لاحقة. يجب أن نحلل مفهوم الوحي ليس من خلال ما يقوله القرآن وحسب ولكن من خلال تحليلنا نحن لظاهرة الوحي كما كتب عنها في كل الأدبيات بما فيها الأدب الإسلامي. إذا وضعنا هذا في صيغة فجة كما نقدمها لطلبة الصف الأول الجامعي سنقول: نحن نعرف كل شيء من خلال محمد عليه السلام الذي قال إنه تلقي الوحي وإن الوحي يقول كذا وكذا. هل رأينا الله؟ هل حضرنا لحظة الوحي؟ هل لدينا شاهد على ذلك؟ الإجابة بالنفي. إذن كل ما وصلنا هو شهادة إنسان، ونحن صدقناه. ولكن هل من الممكن أن نقول إن ما نطق به هذا الإنسان هو بالضبط ما نطق به الله سبحانه وتعالي؟ بحيث يصبح كل حرف من هذا الكلام لا يجوز المساس به؟ لنعتبرها رواية، فمحمد روي لنا ما يصدق أن الله أوحي إليه. نحن هنا ندخل في مشاكل كثيرة حول مفهوم الوحي ومفهوم اللغة ومفاهيم أخرى كثيرة تبدو مستقرة وواضحة رغم أنها ليست مستقرة وليست واضحة. الأمر الثاني: هل هذا السؤال&- سؤال الوحي&- يمثل خطراً على الإيمان؟ سنقول للرجل المسلم إذا كان هذا السؤال خطراً على إيمانك فإيمانك ضعيف وعليك أن تعالجه. لأن الإيمان القوي لا يهرب من الأسئلة حتى وإن كانت صعبة. اكتشف أنا هنا أن القرآن هو كلام الله المتجسد في التاريخ ومعني هذا أننا إزاء جدلية الأزلي والتاريخي لقد نزل الله من سمائه ليتحدث في التاريخ، هل يمكن أن نقول إن كلمة الله سبحانه وتعالي خالية من تأثير التاريخ إذا صح أن أستخدم هذا التعبير؟ إذا أضفنا إلى ذلك حقيقة معروفة وهي إن القرآن لم ينزل نصاً واحداً وإنما نصوصاً ظلت تنزل على مدار ثلاث وعشرين عاماً. لو قلنا إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي مرة أسبوعياً سيكون لدينا نصوصاً بعدد 52 نصاً مضاعفة في 23 سنة النصوص لم ترتب كتابة حسب نزولها وإنما أعيد ترتيبها وفق منطق آخر لم نكتشفه حتى الآن، إذن مفهوم الوحي نفسه غامض، ما هو الإنساني وما هو الإلهي؟ هل يوجد الإلهي إلا من خلال الإنساني كوسيط؟ وكيف تحولت هذه النصوص إلى نص واحد وهذا يرجعنا لتاريخ القرآن؟ وكيف كتب النص بدون نقاط أي بدون إعجام وبدون حركات وبالتالي ظل معتمداً على الشفاهية لمدة مائة سنة على الأقل ومازال حتى الآن يعتمد على الرواية الشفاهية. أضيفت حروف الاعجام والنقط على الباء والتاء والثاء والراء والحاء والخاء والياء ثم قسم إلى آيات إلخ. ماذا حدث لهذا النص منذ لحظة نزوله الأولي في ترتيبه التاريخي حتى ترتيبه الآن الذي هو غير تاريخي. كل هذا الأسئلة ترتبط بعدم وجود دراسات حول تاريخ القرآن فيما عدا دراسات المستشرقين ولا توجد دراسات في تاريخ اللاهوت سوي تلك التي قام بها المستشرقون، ولا في المفاهيم الأساسية لتكوين علم اللاهوت الإسلامي سوي التي قام بها المستشرقون. توجد شجاعة عند الشيعة في مناقشة هذه القضايا أكثر مما نجد عندنا بحكم أن الحوزة أو المؤسسة الدينية كانت تتمتع بدرجة من الاستقلال عن المؤسسة السياسية حتى هذه اللحظة.
&
*&إذن ليست هناك خطورة من أن يمثل النص مصدراً للتسلط لأن هناك دائماً الجهد البشري الذي يعدل النص؟
- بالضبط. ستكتشف أن هذا النص في النهاية صناعة بشرية، ربما تكون الفكرة الجوهرية (مثلاً فكرة الوحي) هي الباعث الداخلي أو الإلهام الإلهي. لكن تعبيراته كلها تعبيرات إنسانية والتعبيرات الإنسانية تتضمن التاريخ وفي التاريخ هناك تمييز بين النصوص المختلفة والمنزلة، فهي ليست نصاً واحداً. إلى آخر تلك الظواهر التي لا يسمح بدراستها في العالم الإسلامي، وعليك أن تهاجر وتعيش في المنفي لتكتب عنها، وتكتب عنها بالإنجليزية وليس بالعربية. نعود ثانية لقضية الحريات وهي قضية لا تتجزأ، تشمل السياسة والثقافة والأدب، هي حرية المواطن وحرية الإنسان وحرية المرأة وحرية الطفل بمعناها السياسي والاقتصادي والثقافي. لا نستطيع الدفاع عن حرية التعبير والحريات الأكاديمية ونحن نعجز عن الدفاع عن حرية الإنسان العادي، فحريته هي التي ستصنع حريتي. حريتي الأكاديمية مسألة تهم المثقفين لكن لحرية المواطن البسيط والدفاع عنها أولوية تفوق أولوية حرية الفكر وحرية الرواية إلخ، لا أقول إني أتخلي عن الدفاع عن حرية الفكر ولكن من يحمي الفكر هم مستهلكو الفكر فضلاً عن المفكرين أنفسهم. أنت تعرف أن الأدباء حين يكتبون قصصاً وروايات هم الذين يقرؤونها. الحريات على مستوي البنية الثقافية والبنية الفوقية والسياسية والأحزاب إلخ هي حرية المجتمع وحرية الطفل في الأسرة وحرية المرأة في تعاملها مع زوجها، تلك هي قضيتنا الأساسية وبدونها لن يحدث أي تطور، ناهيك عن تجديد الفكر الديني وتجديد علم اللاهوت وإعادة طرح الأسئلة التي في النهاية لا تمثل خطراً لا علي الدين ولا على العقيدة.&&&
&
&