أجرى الحوار: محمد الساعي :
في الوقت الذي تتسابق فيه التطورات فيما يتعلق بثورة الاتصالات والتكنولوجيا لتخدم في دورها الأول المجتمع الإنساني والاحتياجات البشرية في زمن أصبح لجزيء الثانية ثمنه وأهميته، حتى باتت مقولة ان العالم قرية صغيرة شيئا من التراث!! بعد ان جعلت هذه التطورات العالم اصغر من ذلك بكثير، في هذا الوقت، نجد أن هذه الوسائل تخدم وفي خط مواز أفرادا وجماعات أو حتى دولا تصر على استغلال الحد الآخر لها وهو الحد السلبي، ويزداد الخطر إذا ما تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي الذي هو العماد الأول في قوة أي دولة -إلى جانب مواردها البشرية- وقبل قوتها العسكرية. فكثير من الدول التي أصبحت تمتلك إمبراطوريات اقتصادية قوية لم تكن في الأساس تمتلك أسلحة تستطيع بها مواجهة دويلة عسكرية!، وهنا تبرز خطورة محاولات التأثير أو الإضرار بأي اقتصاد لأي هدف وذلك من خلال أنواع متطورة من الجرائم الاقتصادية ظهرت بثوب حديث ومتطور هو الآخر ليلحق آثارا أكثر خطرا وسلبية على أي اقتصاد يتغلغل فيه ولا ينصرف عنه الا بعد ان يترك نفاياته بين أحشائه. ومن اجل ذلك، وفي سعيها الحثيث والمتميز في قطع أشواط سباقة من الانفتاح الاقتصادي، أوجدت حكومة البحرين جهازا امنيا خاصا لمكافحة هذا النوع من الجرائم تحت اسم (إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية) تتبع ادارة التحقيقات والمباحث الجنائية في وزارة الداخلية
ما مدى الحاجة لمثل هذه الإدارة؟ وما دورها في حماية الاقتصاد البحريني، وما هي الصلاحيات والمسئوليات المناطة بها؟ ما طبيعة الجرائم التي تتعامل معها وما مدى خطورة هذه الجرائم على اقتصادنا الوطني في هذه الفترة بالذات؟ من داخل هذه الإدارة، وبين مكاتبها، حاورنا مديرها المقدم عادل خليفة الفاضل للوقوف على هذه التساؤلات واستشفاف الدور الهام الذي يلعبه هذا الجهاز الإداري. حماية الاستثمار البحرين كما قدّم الفاضل لحديثه أصبحت مركزا ماليا مهما في منطقة الشرق الأوسط، وهذا المركز الذي وصلت إليه المملكة تطلب جهدا كبيرا على مدى سنوات من التخطيط الاستراتيجي، وإضافة إلى ذلك فإن للقيادة السياسية في البحرين جهود وتوجهات لتحويل البحرين ليس فقط إلى مركز مصرفي إقليمي في الشرق الأوسط، وإنما تتجه لأهداف استيراتيجية بعيدة المدى تثمر في جعل البحرين مركزا ماليا دوليا هاما على غرار المراكز العالمية مثل هونج كونج وسنغافورة وغيرها. وقد تطلب استقطاب المؤسسات المالية للبحرين في الفترة السابقة إيجاد وخلق بيئة استثمارية وتوفير تشريعات متطورة تضمن الحماية للمستثمرين والاستثمار، وقد قطعت المملكة في هذا الأمر شوطا كبيرا، إلى جانب الطرح الاستراتيجي الهادف والهام والمتمثل في مرفأ البحرين المالي الذي من المؤمل أن يستقطب المزيد والمزيد من المؤسسات المالية الباحثة عن بيئة وفرص استثمارية مناسبة، وبالتالي ينعكس هذا الاستقطاب وهذه البيئة على النشاط المالي في البحرين وبالتالي على الاقتصاد بصورة عامة. ومواكبة مع هذا الوضع - أضاف المقدم الفاضل - وفي إطار توجيهات القيادة الحكيمة وسعادة وزير الداخلية، تم إنشاء إدارة متخصصة في وزارة الداخلية لمكافحة الجرائم الاقتصادية. وهنا يجب التنويه إلى ان وجود مثل هذه الإدارة الهامة لا يعني بالضرورة أننا نعاني من الجرائم الاقتصادية في البحرين، لكن الوزارة ارتأت أن تكون هناك أجهزة متخصصة قادرة على التعامل مع أي جريمة مستقبلية في هذا القطاع الهام والحيوي، ووجود هذا الجهاز يوفر نوعا من الحماية والضمان للاستثمارات وللاقتصاد. ونحن كإدارة عهدت إليها هذه المسئولية، وبالوقت ذاته نعمل قريبين من مختلف الأجهزة والوزارات المعنية والمشرفة على القطاع المصرفي والمالي في المملكة، بل ان علاقتنا حتى مع القطاع الخاص المتمثل بالمصارف والمؤسسات المالية علاقة شراكة، فكل مؤسسة منها تحرص على ان يكون هناك أنظمة وأجهزة وإجراءات داخلية لحماية استثماراتها، وبالتالي أصبح التعاون بين القطاعات الحكومية وهذه المؤسسات نوعا من الشراكة في تبادل وتنسيق المعلومات وإبلاغ السلطات في حال الشك في أي عمليات احتيال أو ما شابه، ودورنا هنا يتركز في القيام بالاستدلالات وجمع المعلومات والتعاون مع النيابة العامة في حال وجود أي أدلة حول جريمة اقتصادية ومن ثم تقديمها للقضاء.
الغسل هو الأخطر * وما هو مفهوم الجريمة الاقتصادية الحديثة في أطار عملكم وتخصصكم؟، وما هي أنواعها والمخاطر التي من الممكن ان تلحقها في اقتصادنا؟ ** الجريمة الاقتصادية -أجاب المقدم عادل الفاضل- هي كل اعتداء على مصلحة مالية يحميها القانون، وهنا نجد ان هناك أشكالا كثيرا ومتعددة من هذه الاعتداءات، لكن وفي ظل ما يسمى بثورة المعلومات وسهولة الاتصالات أصبحت هذه الوسائل جزءا أساسيا من المعاملات التجارية والمصرفية، وتطورت معها أساليب هذه الجرائم وظهرت بأشكال متطورة حديثة منها مثلا النصب عبر الانترنت، فكثير من الشركات الكبرى مثلا أصبحت تسّوق منتجاتها المختلفة عبر الانترنت أو ما عرف بالتجارة الالكترونية، لذلك نجد الكثير من المواقع تعرض بضائع وسلعا تعرض للبيع في الشبكة الدولية، الا أن أشخاصا أو جهات تقوم باستغلال هذه التجارة الالكترونية بوسائل عدة لتحقق أرباحا غير قانونية، إضافة إلى استخدام البطاقات الالكترونية أو اختراق حسابات الغير، ومهما اختلفت أشكال هذه الجرائم فإنها تبقى بشكل عام خطرة ومن المهم مواجهتها. ومن أشكال هذه الجرائم أيضا ما عرف بغسل الأموال، وهو الشكل الأخطر خاصة مع ارتباطها بشكل كبير بالإرهاب الذي بات يتصدر اهتمامات العالم بعد أن أصبح المجتمع الدولي مصمما على محاربة الجريمة، فالأموال التي تحصل عليها العصابات الدولية بوسائل غير مشروعة تكون في الغالب أموالا طائلة تقدر بالملايين أو المليارات، وهنا ارتأى المجتمع الدولي أن حرمان هذه العصابات والمجرمين من عوائدهم هو الطريق الأمثل لتقليص نشاطاتهم غير المشروعة، لذلك تعمل هذه العصابات دائما على تحويل هذه الأموال إلى شكل مشروع ظاهرا عن طريق ما يسمى بغسل الأموال الذي هو في النهاية محاولة لدمج الأموال المتحصل عليها من طرق إجرامية أو غير قانونية، ومحاولة إدماجها بالدورة الاقتصادية في أي بلد لإظهارها في النهاية وكأنها أموال مشروعة ومن نشاطات قانونية،وهذه العملية تمر بثلاث مراحل هي الإيداع والدمج ثم التمويه. أكبر العقوبات ومع استمرار حديثه حول غسل الأموال أوضح الفاضل ان البحرين وتأكيدا منها على التزاماتها الدولية، وحماية للنظام المصرفي المتطور فيها، صدر في يناير 2001 مرسوم بقانون رقم (4) بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال، وهو قانون راعى المشّرع البحريني فيه كل الالتزامات الدولية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، ووضع العقوبات الجنائية لمرتكبي هذا الفعل والتي قد تصل إلى السجن مدة سبع سنوات، والغرامة المالية التي قد تصل إلى مليون دينار، وهي أكبر عقوبة مالية نص عليها المشّرع في البحرين. وفي هذا الإطار أنشأت وحدة مكافحة جرائم غسل الأموال في وزارة الداخلية لتطبيق وتنفيذ هذا القانون. كما انضمت البحرين في شهر يوليو الماضي إلى مجموعة (إجموت) وهي مجموعة دولية تضم حاليا (84) دولة، وكانت البحرين هي الدولة الثانية بين الدول العربية انضماما للمجموعة، وهذا الانضمام يعطي القدرة على تبادل المعلومات مع الدول الأعضاء حول أي شبهات في مجال جرائم غسل الأموال بعد ان أصبح انتقال الأموال يتم بطرق أكثر يسرا وسرعا، وبالتالي فان الأمر يتطلب تنسيقا بين الأجهزة والأطراف المعنية. ومن أشكال هذه الجرائم الحديثة -يتواصل حديث المقدم حول الجرائم الاقتصادية- هو الإفلاس الاحتيالي أو التقصيري، كأن يقدم تاجر طلبا لإشهار إفلاسه، -وغالبا ما يكون مدينا- بقصد الإضرار بدائنيه أو التهرب من دفع مديونياته لهم، فيُخشى من ان يكون قد تصرف بأمواله خلال فترة تسمى في القانون بفترة الشك أو الريبة كأن يبيع عقارات أو يخفي دفاتر تجارية أو يبيع السلع بأسعار تقل عن سعر السوق..، ثم يدعي العجز عن الدفع ويطلب إشهار إفلاسه، وهنا يحال إلينا طلب من النيابة العامة للقيام بالتحري وجمع المعلومات حيال هذا الأمر، وبدورنا في إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية نتقصى الأمر ونبلغ النيابة العامة بنتائج التحريات حول الشخص والمؤسسة. ومن الجرائم الحديثة أيضا استخدام بطاقات الائتمان بطرق غير قانونية أو سرقتها، ومثل هذه التجاوزات تعتبر جريمة كاملة لأن الضرر لا يقع على الشخص فقط بل يمتد إلى الشركة أو المؤسسة والى أموال المودعين والمساهمين فيها. واضافة الى ذلك نجد من أنواع الجرائم تزييف العملة وأي عمل يقع على مؤسسة مالية كبيرة تكون الدولة طرفا فيها.
محدودة في البحرين * وما مدى وجود مثل هذه الجرائم في البحرين؟ ** في الحقيقة هذه الجرائم جديدة مستحدثة، والأنظمة المطبقة في البحرين في المؤسسات المالية متطورة جدا، وبالتالي هذه الجرائم ان وُجدت فهي محدودة جدا كما يتضح من الإحصائيات. لكننا ينبغي الا نهمل نقطة هامة، وهي اننا جزء من هذا العالم نؤثر ونتأثر، لذلك يجب الا نستبعد أي جريمة من هذا النوع، وان نكون مستعدين للتعامل معها ومواجهتها، وهذا أحد أهم الأهداف التي من اجلها وجدت الإدارة، ومهما كان الأمر فعلينا ان نعي انه لا يوجد جهاز امني في العالم كله ومهما بلغ من التطور والحيطة، يستطيع منع الجرائم تماما، لكن المهم هو كيفية التعامل مع هذه الجرائم وكيفية مكافحتها بأسلوب متطور، وهو الأمر الذي نسعى إليه. وهنا أيضا يجب التأكيد على مسألة هامة، فكثير من المواطنين يتلقون رسائل الكترونية وخاصة من أفارقة تحاول إيهامهم بفتح حسابات أو استثمارات وودائع مالية، واعتقد ان المواطن البحريني أكثر وعيا من أن يكون ضحية لهذه المحاولات ومن الصعب التغرير به، لكننا نؤكد في النهاية أن هذه العصابات مازالت موجودة وتحاول بشتى الوسائل والطرق إيقاع ضحايا جدد وإيهامهم بأنها تمتلك مكاتب وشركات في أوروبا وغيرها وقد يصل الأمر إلى الاتصال الهاتفي! لذلك تبرز هنا أهمية الدور الذي يجب ان يقوم به المواطن في هذا الجانب والمتمثل في الإبلاغ عن أي من هذه المحاولات إذا ما شك فيها ونحن بدورنا نتابع الأمر، ويمكن لأي مواطن أو مقيم الإبلاغ بالاتصال على هاتف رقم (17530108). والإحصائيات تشير إلى ان هناك بالفعل بلاغات من هذا النوع تم متابعتها واثبات حالات التحايل فيها. * هل يقتصر دوركم على التحري وإثبات صحة الشكوك من عدمه؟ ** إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية تعمل في شقين أساسيين، الأول هو الجانب المتعلق بالشأن الداخلي على مستوى المملكة، حيث تتحرى وتتابع القضايا والشكاوى والشبهات التي اشرنا إليها وتجمع عنها المعلومات والأدلة المطلوبة، وتجهّز المحاضر اللازمة مدعمّة برأي الفنيين والمختصين الموجودين فيها ومن ثم نحيل القضية إلى النيابة العامة للتحقيق فيها. وحددت المادة الرابعة من القانون مسئوليات الإدارة بتلقي البلاغات عن الجرائم، واتخاذ اجراءت التحري وجمع الاستدلالات، وتنفيذ الأوامر والاحكام الصادرة من المحاكم المختصة وغيرها من المسئوليات. وهناك شق أو جانب دولي ناتج عن انضمام البحرين لمجموعة إجموت والاتفاقيات الدولية التي تجعلنا ملتزمين كغيرنا بتبادل المعلومات حول الأنشطة المالية المشبوهة، ونتلقى طلبات المساعدة القانونية من الدول فيما يتعلق بالتحفّظ على حسابات بعض الأفراد في هذه الدول، ويتم الأمر عن طريق طلب رسمي من الدولة مشفوعا بمذكرة قضائية منها، وبدورنا نحيل الطلب للقضاء البحريني لأخذ موافقته على هذا التحفّظ، وقد حدثت حالات بالفعل من هذا النوع، مما يبرهن على أهمية هذه الاتفاقيات والتعاون الايجابي من قبل أجهزة البحرين في الحد ومكافحة الجريمة المنظمة. وللمؤسسات دورها * ألا تعتقد أن هناك حاجة إلى تطوير الإجراءات والقوانين الموجودة في البحرين والعقوبات المقررة، أم أنها كافية لتكون ضمانا أو رادعا لهذه الجرائم والتجاوزات خاصة فيما يتعلق بغسل الأموال؟ ** إذا تمعنا في القوانين الموجودة والمعنية بهذا الجانب نجد أن اغلبها حديث ومتطور، ففيما يتعلق بجريمة غسل الأموال نجد ان القانون الذي سبق الإشارة إليه قانون شامل وحديث وتم فيه مراعاة جميع الاحتمالات والجوانب المتعلقة بالأمر، ولم يقتصر على جهود الإدارة المعنية بل أوكل مهاما لكافة الأطراف ذات الصلة، فمثلا يلزم القانون كافة المؤسسات والمصارف إبلاغ الإدارة عن أي تحويلات أو عمليات مالية مشبوهة، وقد تلقينا بالفعل في عام 2003 (78) بلاغا من بنوك ومصارف عن بعض التحويلات المالية المشبوهة والتي يعتقد أنها متعلقة بتحويلات مالية مشبوهة أو يشتبه بأنها غير طبيعية، وبعد التحري تم بالفعل التحفظ على بعض الحسابات وأحيلت بعض القضايا للنيابة العامة للتصرف بشأنها كونها الجهة المختصة بهذا الأمر. فدور المؤسسات هام في هذا الجانب، والإبلاغ عن أي شك في أي عملية أمر ضروري للمتابعة، كالشك مثلا في إيداع مبالغ ضخمة جدا من قبل مؤسسة صغيرة ومحدودة ولا تتناسب المبالغ مع حجم نشاطاتها!
الأمن.. فوق السرية * ولكن الا يتعارض ذلك مع مبدأ السرية في المعاملات ومع خصوصية العملاء في هذه المؤسسات!؟ ** بالطبع لا يتعارض، حيث أن كشف الحساب يتم بأمر من القضاء وتحت رقابته، ثم اننا إذا أردنا ان نحمي الاقتصاد من هذه الجرائم، ونصونه من عمليات غسل الأموال وغيرها، من الصعب ان نتوقف عند هذا الأمر، فموضوع السرية يجب الا يقف عائقا أمام التحري عن أي شبهة، وهذا ما راعاه القانون الذي جاء كما ذكرت شاملا، ثم ان الازام بالإبلاغ عن العمليات المشبوهة ليس في البحرين فقط وإنما في كل الدول، لذلك نصت المادة السابعة من القانون على أنه (عند تطبيق أحكام هذا القانون لا يجوز لأية مؤسسة الاحتجاج أمام قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة بمبدأ سرية الحسابات وهوية العملاء أو المعلومات المسجلة طبقا لأحكام أي قانون آخر) وعلاوة على ذلك يلزم القانون أيضا في مادته الخامسة جميع المؤسسات على الاحتفاظ بنسخ من مستندات الهوية لكل متعامل بعد انتهاء العملية لمدة خمس سنوات حتى يمكن الرجوع إليها، ويحضر عليها فتح أو الاحتفاظ بأية حسابات سرية أو وهمية أو مجهولة، وكل هذه الاحتياطات والالتزامات تمثل نوعا من الحماية والمكافحة لهذه الجرائم الاقتصادية. اما فيما يتعلق بالعقوبات، فنجدها لا تقل صرامة، منها كما ذكرت السجن والغرامة، والأهم من ذلك ان العقوبة في جرائم غسل الأموال مثلا تكون مزدوجة، لأننا عندما نعاقب شخصا في هذه الجرائم فإننا لا نهمل الجريمة الأصلية، لان غسل الأموال هي جريمة تبعية تسبقها جرائم أخرى مثل المتاجرة بالمخدرات أو أي جريمة أخرى يتحصل منها على أموال، ثم يحاول المجرم إخفاء مصدرها الحقيقي وغير القانوني بالغسل، وعندها يحاكم على جريمتين، الفعل الأصلي المجرّم الذي جعل من الأموال قذرة، وجريمة الغسل. فوجود كل هذه العقوبات والاحتياطات لهذه الجريمة وغيرها من الجرائم الاقتصادية تمثل في الوقت الحالي قوانين وروادع كافية ومناسبة لها، والحكومة تتابع هذا الأمر وإذا ما برزت حاجة أو اقتراح لتعديل بعض القوانين فإنها ستأخذ طرقها الدستورية للملائمة بين الفعل والضرر والعقوبة. تهز كيانات اقتصادية * أفهم من ذلك ان وجود جريمة مثل غسل الأموال من الممكن ان تخلخل نظاما اقتصاديا قويا أو تكون سببا في طرد أو عدم استقطاب رؤوس الأموال؟ ** لهذه الجرائم أثر لا يمكن تجاهله على أي اقتصاد، كلما استطعنا توفير مناخ وبيئة استثمارية نظيفة وقوية تعتمد على القوانين المتطورة والحامية للأموال والاستثمارات، كلما استطعنا جذب رؤوس الأموال والمستثمرين إلينا، وتأكيدا على ذلك نجد ان مجموعة العمل المالي (اف اتي أف) والتي تضم الدول الصناعية الكبرى تصدر قوائم بالدول والمقاطعات غير المتعاونة في مجال غسل الأموال، وهذه القوائم تؤكد على المؤسسات المالية والمستثمرين أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع هذه الدول التي لا تتمتع بأنظمة وقوانين متطورة حمائية للحد من الجرائم المالية الخطيرة، وهذا يعني نفور المستثمرين منها وبالتالي فقدان الكيان الاقتصادي لواحد من أهم دعائم وأسس تطوره. ومن هنا كان لابد من وجود الروادع والمكافحة لهذه الجرائم خاصة جريمة غسل الأموال التي تتميز استثماراتها بأنها قصيرة المدى الا أنها قد تهّز كيانات اقتصادية كاملة مما يؤثر على الاقتصاد واستقطاب الاستثمار. إمكانية الاختراق * تتجه البحرين وبقوة للتحول إلى الحكومة الالكترونية، وكثيرا ما تتعرض المعلومات والشبكات الالكترونية لاختراقات أو إتلاف برامج أو سرقة معلومات وأسرار وأموال، الا يمكن ان يزيد المشروع من إمكانية تغلغل هذه الجرائم الاقتصادية الحديثة للبحرين، وهل تمتلك الحكومة الحماية الكافية لمعلوماتها والضمانات اللازمة من اختراقها؟ ×× خطة المملكة في التحوّل للحكومة الالكترونية هي خطة متكاملة تراعي جميع الجوانب، فهي عندما اتخذت هذا القرار وسارت في هذه الخطوة، فإنها وضعت في حساباتها إمكانية التجاوز واتخذت الاحتياطات القانونية والتقنية لها. لكني أعود لأؤكد انه لا يوجد في العالم نظام محصن من الاختراق أو التجاوز بنسبة 100%، فحتى الدول المتقدمة والأنظمة الكبرى تعرضت وتتعرض لاختراقات، بل ان كبرى الشركات المتخصصة في مجال تقنية المعلومات تتعرض أنظمة الحماية فيها لمثل هذه العمليات. ومما لا شك فيه ان تحوّل البحرين للحكومة الالكترونية سيسهم في تسهيل الكثير من المعاملات في مختلف الأجهزة ويذلل الكثير من الصعوبات أمام المواطنين، ونأمل بعون الله أن يُعمل بهذا النظام بما يحقق الأهداف المرجوة. واختتم مدير إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية المقدم عادل الفاضل حديثه بالتأكيد على ان القوانين والإدارات المعنية في البحرين قادرة على التعامل مع الجرائم الاقتصادية في حال وقوعها، مشددا على الشراكة الحقيقية التي يجب ان تكون بين هذه الأجهزة والقطاع الخاص وخاصة القطاعات المصرفية التي قد تتعرض أكثر لمثل هذه الجرائم، لان الهدف في النهاية هو حماية المواطن والمقيم والمستثمر وتعزيز مكانة البحرين الاقتصادية.