&فيصل عبد الحسن
&
&
&من اللافت للنظرأن ما حدث خلال الحرب العالمية الاولى 1914-1918 واستيلاء الانجليز على البصرة وتقدمهم الحثيث صوب بغداد أثار حفيظة علماء الشيعة في النجف مما أدى الى إصدارهم الفتاوى الدينية التي تطلب من ابناء الطائفة الشيعية الجهاد ضد الغازي الاجنبي ومناصرة العثمانيين بالرغم من ظلمهم الشديد لاهل العراق وكان الموقف العام للطائفة الشيعية هو الوقوف ضد الكافر الغازي المتمثل بالجيش البريطاني والتطوع في فرق جهادية شعبية خفيفة السلاح وقد وفر إعلان الجهاد للجيش العثماني أكثر من واحد وعشرين ألفاً 18 ألف عربي من العراق أغلبهم من شيعة الفرات و3 ألاف رجل من شيعة الاحواز اضافة الى عشرات الالاف من الذين سجلوا اسماءهم في مدينة النجف وكربلاء ومدينة الكاظمية وبغداد كجنود احتياط وذلك بسبب عدم توفر السلاح لهم ويمكننا أن نستقرىء من ذلك نجاح فتاوى الجهاد في تحقيق أهدافها والدليل على ذلك أن جميع المجتهدين من علماء الشيعة الذين أفتوا بهذا الجهاد كانوا مع المجاهدين في ساحة القتال، وكان الجميع يحاربون ليس دفاعاً عن الاتراك بل لان علماء المسلمين كافة أفتوا بضرورة الجهاد وأمروا المجتهدين أن ينضمّوا الى صفوف المحاربين ويروي الاباء والاجداد ممن شاء الله أن تطول أعمارهم الى اليوم الحاضر، أن بعض رجال القبائل الشيعية كانوا يبيعون ما لديهم من متاع وأثاث قليل [وكانوا من أفقر فئات المجتمع في ذلك الوقت بسبب السياسة الطائفية البغيضة التي أتبعتها الدولة العثمانية في حكمها للعراق وأفقارها المقصود للشيعة بفرض الضرائب التي ما أنزل الله بها من سلطان على فقراء الشيعة من الفلاحين أو اولئك الذين كانوا في طور البداوة منهم الذين كانوا يعتاشون على الرعي وخدمة القوافل في الطرق الرئيسية من العراق] وبثمن ما يبيعون مما يملكون كانوا يشترون سلاحاً اطاعة للفتوى التي أصدرها المجتهد الاكبر في النجف الاشرف، والدليل الاخر على نجاح دعوة الجهاد تلك ان المجاهدين لم يتقاضوا أجراً مالياً أو عينياً، والجيش التركي لم يقدم لهم حتى الطعام وكان لكل مجاهد ما حمله معه من طعام كالتمر وأرغفة الخبز اليابس أو ما يسمى ب[خبز أركاك] وحلوى تسمى ب[المدكوكة] وهي خليط من الدقيق والسمسم والتمر المديوف بالسمن الحيواني، كذلك لم يكن هناك نظام مالي لتعويض الأهل عن أستشهاد المجاهدين في المعارك، فلا تعويض للزوجات المترملات ولاإعانة لأطفال من قتل في المعارك، وعلى الرغم من ذلك فقد أستجاب أبناء الشيعة لفتوى الجهاد وحاربوا وماتوا في في ساحات المعارك.
&في السادس من شهر تشرين الثاني 1914 نزلت كتيبة تابعة لفيلق المشاة السادس عشر بقيادة الجنرال دلامين في ميناء الفاو وبعد نزولها بدقائق رُفع العلم البريطاني وأزيل العلم العثماني وكان ذلك إيذاناً ببدء احتلال العراق وخلال 15 يوما من بداية نزول القوات البريطانية في الفاو أستطاعوا احتلال مدينة البصرة وفي يوم 23 تشرين الثاني أجرى الجيش الغازي أستعراضاً كبيراً لقواته في البصرة، وقد وقف على جانبي الشارع المؤدي الى كورنيش شط العرب والموازي لنهر العشارالقناصل الاجانب ووجهاء مدينة البصرة الذين قدمهم القنصل البريطاني السيد بولارد الى الجنرال السير بارت كما تقتضي متطلبات التعاون المستقبلي بين المحتل وأهل المدينة، الحقيقة لم تكن هناك معارك كبيرة عند احتلال المدينة عدا مقاومة هزيلة من قبل شرطة المدينة المحليين واجهوا بها قوة مدربة من جنود [ الكوركا] وهم جزء من قوات هندية تم تدريبها بما نسميه الان بتدريب القوات الخاصة ويتم الاستعانة بهم في المعارك الصعبة، وقبل احتلال المدينة بفترة قصيرة أرسل العلماء في البصرة برقية الى المجتهد الاكبر في كل من النجف وكربلاء والكاظمين يطلبون فيها مساندتهم ضد الانجليز، وفي إحدى اعداد مجلة الاقلام العراقية لسنة 1964 نشر الاديب المعروف محمد الياسين نص تلك البرقية في مقال كتبه عن تاريخ الكاظمية، وقد ارسلت البرقية الى احد المجتهدين البارزين لدى الطائفة الشيعية هناك، السيد مهدي الحيدري الذي كان يسكن في الكاظمية ويشير كاتب المقال ان تلك البرقيات ُقرئت علناً في ساحات النجف وكربلاء والكاظمين حيث بُدىء فوراً بتجنيد كتائب المجاهدين. وبعد صدور فتوى الجهاد تحرك السيد محمد سعيد الحبوبي الذي صحب كتيبة من المجاهدين واتجه صوب منطقة الشعيبة جنوب العراق وكان على رأس كتائب مجاهدي مدينة الكاظمية المجتهدون الثلاثة : شيخ الشريعة الاصفهاني والسيد مصطفى الكاشاني والسيد علي الداماد أما الشيخ مرزا محمد تقي الشيرازي الذي كان يقيم بسامراء فقد ارسل أبنه الشيخ محمد رضا مع كتبية من مجاهدي المدينة.
&كانت أولى المعارك الحقيقية الضارية التي اشترك فيها المجاهدون ضد الانجليز هي معركة الشعيبة في القسم الغربي من مدينة البصرة وقد دامت المعركة اربعة أيام متواصلة من 12 نيسان وحتى 15 منه عام 1915 أما في القسم الشرقي فقد تمركز الجيش التركي وكتائب من المجاهدين العراقيين في منطقة الروطة وصخيرجة حيث هاجموا الجيش الانجليزي من جهتين، حهة القرنة ومنطقة الاحواز في عربستان وكان الجيش البريطاني في الجبهات الثلاث 14400 جندي مع أربعين مدفعاً وكان يواجههم 7600 مقاتل تركي و18ألف مقاتل من المجاهدين الشيعة ومدفعان ودارت رحى معركة ضروس خسر الانجليز في أيامها الاربع الاولى 1297 رجلاً بين قتيل وجريح أما الاتراك وكتائب المجاهدين فقد خسروا ضعف هذا العدد بسبب سلاح المدفعية الحديث وأستخدام البريطانيين الرشاشات سريعة الطلقات التي لم يكن الاتراك يمتلكون ما يوازيها بشدة النيران وسرعة الفتك بالمقاتلين هذا ما دار في القسم الغربي من ساحة المعركة أما في الجانب الشرقي فإن قبائل الاحواز وهم قبائل شيعية ساعدوا الاتراك في طرد الانجليز عن منطقة أنابيب البترول وقطعها عن منطقة الاحواز وقد سبب ذلك للانجليز متاعب جمة وأضطرهم الى جلب المزيد من القوات العسكرية الى تلك المنطقة لتأمين منطقة البترول. وخلال المعارك الشرسة هرب العديد من الجنود البريطانيين وخلعوا ملابس الجندية وأختفوا في البساتين وقريباً من الانهار مما حدا بالجيش البريطاني ان ينشر اعلانا عن جائزة مالية قدرها 500 روبية لكل عراقي يعيد جندياً فاراً من أرض المعارك، كما توعد ذلك المنشور البريطاني القبائل العربية الشيعية من أيواء أولئك الجنود البريطانيين الفارين من الخدمة[ يمكن الاطلاع على مجموعة كبيرة من الاعلانات البريطانية التي صدرت في الفترة الواقعة بين 31 تشرين الاول 1914 و31 نيسان 1919 بغداد مطبوعات واعلانات الجيش البريطاني مطبعة الحكومة الرسمية سنة 1919] صحيح أن معركة الشعيبة هي أكبر معركة اشترك فيها المجاهدون من أبناء الشيعة في العراق ولكن المقاومة استمرت للاحتلال بالرغم من أنسحاب الجيش التركي بعد أن استطاع الانجليز بفضل سلاحهم المتطور إيقاع أكبر الخسائربمن قاتلهم من عرب العراق الشيعة والجيش التركي، أن مسألة الجهاد في الاعراف الشيعية هي ليست دعوة للقتال بسبب سياسي أو لغرض نفعي أو دعوة للموت بسبب العقيدة الدينية كما يفعل البوذيون أو غيرهم عندما تعوزهم الوسائل في الدفاع عن أوطانهم أو أديانهم بل أن فكرة الجهاد عند الشيعة هي دعوة الى حياة أفضل يوفرها الاستشهاد لهم بما وعدهم القرآن الكريم من فضائل الاستشهاد عند الله تعالى وينحازالكثير من أهل الشيعة لفكرة الجهاد عند تعرض الوطن أوالدين لغازٍ إجنبي بل يشعرون بنجاسة طعامهم وشرابهم إذا نادى المنادي بالجهاد ولم يلبوا هذا النداء بما يرضي الله ورسوله،وفي الكثير من الأزمات علينا التوصل الى فهم حقيقي وعميق لفكرة الجهاد من حيث هي فكرة تخص الناس الذين يعيشون على الارض ويعانون ما يعانونه، وقد جاء الاسلام ليقضي على هذه المعاناة وغيرها من دون أن يتقاطع مفهوم الجهاد مع الهدف الذي أراده الله سبحانه وتعالى منه لنصر المظلومين والاقتصاص من الظالم حتي ولو كان الظالم من المسلمين، والناصر من أهل الكتاب، يقول الرسول الكريم ) ص( : ما من مسلم يُظلم مظلمة فيقاتل فيقتل إلا قتل شهيداً. وقد صار الجهاد بهذا المفهوم نوعين : جهاد المسلمين وهم يجاهدون الكفار وجهادهم للحاكم المسلم الظالم، لكننا للأسف نجد طائفة واسعة من المسلمين تؤكد على جهاد العدو الكافر ناسية أن تحث المسلمين على مجاهدة الحاكم الظالم المسلم، وكان الشهيد آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر استثناءً حقيقياً إذ جعل [الحوزة ناطقة] حسب تعبيره بسبب وقوفه بوجه نظام صدام بدل أن تكون حوزة النجف لا دخل لها بالسياسة أو ما يسمونها ب[الحوزة الصامتة ] كما كان يطلب منه البعض ممن كانوا في الحوزة وقتذاك، وأستشهاده عام 1999 مع أبنيه خير دليل على رفضه الانصياع لطالبي الصمت والسلامة،وربما بدعاوى اعقد من ذلك كقولهم : حاكم مسلم ظالم خيرمن فتنة تقع بين المسلمين، أو أن الحاكم المسلم الظالم جاء جزاء من الله تعالى لسوء اعمالنا، وعلينا القبول بالمقدر والمكتوب، ناسين أن لا يوقف الظالم عن ظلمه غير إجماع الناس على جهاده والوقوف بوجه عماله وزبانيته، وبكل وسيلة ممكنة ومتاحة وأول ذلك أن يقول ائمة المسلمين للحاكم المسلم الظالم، إنك ظالم، مهما كلفهم ذلك، وهناك أيضأً طائفة أخرى لايستهان بعددها ترى مكافحة الظالمين من الحكام وتغفل أمر المستعمرالأجنبي،وبذلك فإن الطائفة الاولى ستجد أن الطائفة الثانية عميلة للإجنبي والاستعمار وانها ما جاءت إلا من تحت معطفه..


&كاتب عراقي مقيم بالمغرب
&الهاتف : 0021222891653
الفاكس :0021222393017
إيميل :
[email protected]