الطوارئ مطبقة منذ العام 1958 وليس 81

"إيلاف"من القاهرة: بعد أن استبشرت دوائر سياسية في مصر بتصريحات حبيب العادلي وزير الداخلية المصري بعدم ممانعةأجهزة الأمن بإلغاء قانون الطوارئ إذا ما خلصت الدراسات الأمنية والقانونية في هذا الصدد لإمكانية هذا الأمر.وذلك على خلفية التصورات التي طرحها المجلس القومي لحقوق الإنسان بشأن هذا المطلب الذي يشكل قاسما مشتركا في كافة المطالبات الإصلاحية التي تطرحها كافة أحزاب وقوى المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني في البلاد&حتى&عاد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني (الحاكم) لينسف هذا الأمل بإعلانه عدم وجود أي نية لدى الحكومة لإلغاء حالة الطوارئ.
واعلن ذلك&في كلمة له أمام أعضاء المجلس الأعلى للسياسات في الحزب، وهو المجلس الذي يرأسه جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، ليضع بذلك حدا لتكهنات على مدار الشهور القليلة الماضية، عن قرب إلغاء العمل بحالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ العام 1958 وليس 1981 كما يشاع في الأدبيات السياسية التي تتناول مسألة الطوارئ في مصر.
&وكما يوضح الدكتور عبد الحليم مندور المحامي فإن قصة إعلان حالة الطوارئ في مصر ترجع إلى القرار الجمهوري رقم 162 لسنة 1958، الذي أصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ليطبق في القطر السوري والمصري أيام الوحدة.
وعندما انفصمت عرى الوحدة كان منطقياً بطلان كافة التشريعات التي تنطبق على مصر وسورية، لكن بقيت حالة الطوارئ قائمة، وعقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وحكم خلفه أنور السادات، أنهى الأخير حالة الطوارئ عام 1980، ولكن عندما تولى الدكتور صوفي أبو طالب رئيس البرلمان المصري مؤقتاً الرئاسة بعد اغتيال السادات، بادر إلى إعلان حالة الطوارئ بالقانون 560 سنة 1981، لتظل حتى اليوم.
توقعات
واعتادت الحكومة المصرية على تمديد العمل بحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أعوام بصورة دورية قبل موعد انتهاء العمل بالقانون بعدة شهور، وذلك تفادياً لفتح باب الجدل بشأن الإجراء الذي تقول الحكومة إنه لا يُستخدم سوى في مواجهة الإرهاب والمخدرات والإضرار بالاقتصاد الوطني و"في أضيق الحدود" الممكنة، وفق ما تواترت عليه التصريحات الرسمية من قبل المسؤولين المصريين في مناسبات مختلفة.
وأثارت تصريحات صفوت الشريف عدة انتقادات من أحزاب المعارضة التي كانت تتأهب لحوار وطني حول الإصلاح السياسي، وكانت تأمل في أن يتجاوب الحزب الحاكم مع مطالبها المتعلقة بتحسين أجواء العمل السياسي في البلاد، وفي مقدمتها إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتعديل قانون الأحزاب لفتح الأبواب أمام تشكيل الأحزاب السياسية، غير أن لجنة شؤون الأحزاب ومحكمة الأحزاب رفضت مؤخراً التصريح بتأسيس عدة أحزاب
&ويرى الدكتور أنور سلامة عميد كلية حقوق القاهرة السابق وأستاذ القانون الجنائي أنه من حيث المبدأ فإن إلغاء قانون الطوارئ أو أى قوانين أخرى يمكن أن تحد من الحقوق والحريات العامة من المناسب إلغاؤها فى أى وقت، بل من المناسب إلغاؤها اليوم وليس غدا، باعتبار أن القاعدة العامة أن المواطن يحاكم طبقا لأحكام القانون العادي بكل ضماناته، ولأن قانون الطوارئ وضع لمواجهة ظروف معينة فى وقت معين، موضحاً أن اللجوء لقانون الطوارئ في مصر كان مشروطا ومحددا بحالة معينة وهي مكافحة الإِرهاب، الذي تراجع بل وتوقف تماماً منذ سنوات مضت.
وكانت دوائر سياسية في مصر توقعت صدور قرار جمهوري يقضي بإلغاء العمل بحالة الطوارئ في شهر حزيران (يونيو) المقبل، وربطت بين هذا الموعد المتوقع وانعقاد مجلس الشورى المصري بعد انتهاء التجديد النصفي له في 23 حزيران المقبل، حيث يستلزم موافقة مجلس الشورى عليه ثم البرلمان المصري قبل نهاية دورته البرلمانية الحالية.
قصة الطوارئ
ولتطبيق حالة الطوارئ في مصر قصة طويلة ومريرة، بدأت كما أشار الدكتور مندور سلفاً في العام 1958 حين صدر القانون 162 لسنة 1958 المعروف بقانون الطوارئ، وهو القانون الذي اقترن به صدور قرارات استثنائية في صدارتها ما يعرف بالأوامر العسكرية، وأصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر القرار الجمهوري رقم 1174 وأمر فيه باستمرار حالة الطوارئ حتي تم إلغاؤها في 24 مارس 1964،& ثم ما لبث أن عاد العمل بقانون تدابير أمن الدولة رقم 119 في نفس العام 1964، ومنذ ذلك الحين لم ترفع حالة الطوارئ عن البلاد، بل وأصبحت كما يقول فقهاء القانون بمثابة دستور ثان للبلاد لما منحته من صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية أثرت بشكل هائل على مجريات الحياة السياسية في مصر.
ومنذ العمل بحالة الطوارئ قبل نحو نصف قرن مضى، واصل الحاكم العسكري (أي رئيس الدولة) ونائبه (رئيس الوزراء) في إصدار أوامر لها قوة القانون، دون عرضها على البرلمان الذي يمثل السلطة التشريعية التي منحها الدستور حق الرقابة على أعمال الحكومة، فضلاً عن حق التشريع، واعتمدت السلطة التنفيذية في تجاوزها للسلطة التشريعية على نص المادة الثالثة من قانون الطوارئ، التي أجازت للحاكم العسكري أو نائبه عدم التقيّد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية في وضع قيود علي حرية الأشخاص وتفتيش الأماكن وغيرها، ومن هنا شُرِع في إصدار قرارات لها قوة القانون اصطلح على تسميتها "أوامر عسكرية"، فضلاً عن المناخ القانوني الاستثنائي الذي يدشنه العمل بهذه الحالة من اعتقالات إدارية وغيرها.