يجزم الدكتور ناصر السلوم (63 عاماً) وزير المواصلات السعودي بان البساطة والتداخل مع عامة الناس فقيرهم قبل غنيهم هما السبيل الوحيد لإبعاد أصدقاء ومعارف الكرسي، الذين يصفهم بالمنافقين والنفعيين، الذين يسهل معرفتهم بتعابير وجوههم وتزلفهم بالمديح الممقوت.الوزير متواضع جداً، ولعل هذه الصفة أعطته ميزة قرب وتفاعل منسوبي الوزارة معه على اختلاف درجاتهم ومشاربهم.
عمل في وزارة المواصلات 37 سنة، بدأها بوظيفة مساعد مهندس مقيم وتدرج في وظائف عدة حتى اصبح وزيراً في عام .1995 يعتقد ان كمية الإسفلت الموجودة في البلد تبرز نجاح وزارته.. عبد الرحمن المنصور من الرياض يكشف في هذا الحوار عن جوانب شخصية وعملية في حياته.
&يقولون أن الذي يدخن بشراهة عصبي، مزاجي يسهل استفزازه، ومع انه يستهلك 80 سيجارة يومياً، إلا أن هذه الصفات تضل طريقها إليه، بل هو نقيض ذلك، هادئ ولبق لا يقع في ردة الفعل ومنـ زلق الكلام، عاطفي لا يتمالك نفسه في مواجهة قصص الحب وحكايات الغرام.

* وقت كنت طالباً، إلى أين أوصلتك طموحاتك؟ ـ غاية طموحاتي كانت في أن أجد عملاً، سعيت من دون كلل في لإكمال دراساتي العليا رغبة في الاستزادة، فكان لي ما أردت، خدمت وطني في وزارة المواصلات مدة طويلة جداً، وفجأة وبدون مقدمات وجدت نفسي وزيراً لها فتعاظمت المسؤوليات وأنا الذي كنت أتهرب منها.
* ومن الذي نقل إليك الخير؟ صدقني لم اكن أتوقع المنصب، ولم اعرف به إلا بعد إذاعته رسمياً من خلال الراديو.
* بدايات حياتك العملية؟
ـ وأنا في الصف الثالث الثانوي عملت في إجازة الصيف مفتش أمتعة في الجمارك براتب مقطوع قدره 600 ريال فضة، وأثناء تفتيش أمتعة القادمين كنت أقع على تجاوزات ومخالفات، باستثناء المخدرات التي لم نسمع بها أو نعرف عنها في ذلك الوقت.

* وكيف تصرفت في أول مرتب حصلت عليه؟ ـ وقتها كنت اسكن في بيت خالي لوفاة والدي، (تبحبحت) بالراتب مضبوط، اشتريت ثيابا وأشياء خاصة يريدها كل شاب، وعلى فكرة أنا يدي (فرطة) إلى الآن اللي يجيء يروح، على سياق انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب.
* وبعد أن جئت للمواصلات، كيف وجدت العمل؟ ـ كانوا يقربونني من المسؤولية، تهربت منها كثيراً بسبب نقص الخبرة، إلى أن صدر قرار ملزم أصبحت بموجبه مشرفاً على تنفيذ طريق الرياض ـ صلبوخ، رجوتهم أن يؤجلوه قليلاً لأني قد رتبت أموري للزواج، كنت أباشر العمل من السادسة صباحاً ولا أعود لزوجتي إلا بعد المغرب، ثم أواصل العمل في المنزل حتى منتصف الليل لإنجاز حسابات المقاول باليد، وهذا ما يطيل العملية لعدم وجود آلات حاسبة، وبعد عودتي بشهادة الدكتوراه كلفوني بأعمال صغيرة، فمدير عام للمشروعات، ثم وكيلاً مساعداً، فوكيلاً للوزارة، وفي عام 1995 اختارتني القيادة العليا وزيراً.
* ألا ترون أهمية جمع سيارات الأجرة والنقل، تحت مظلة شركة مساهمة واحدة أو اكثر؟
ـ نشجع هذا التوجه، إلا أننا لا نلزم به، فنحن لسنا دولة شيوعية ولا اشتراكية، ينتظر من القطاع الخاص أن يطور نفسه في شركة أو مؤسسات.
* في ظل شح الوظائف وتزايد نسب البطالة، لماذا لا تسعون إلى سعودة مرتفعة في مجال سيارات الأجرة الخاصة؟ ـ الباب مفتوح ونشجع بحماس هذا التوجه ومع أن المهنة غير مرغوبة إلا انه توجد الآن 7000 سيارة أجرة (ليموزين) يعمل بها أصحابها من الأفراد السعوديين، العمل غير جذاب بالقدر الكافي، وقريباً سنحقق فيه سعودة شبه كاملة.
أرشح "أمي" للوزارة
* أصدقاء الكرسي كيف تتعامل معهم؟ ـ لم يتغير ناصر السلوم، لا يزال كما كان قبل المنصب وبعده، أتوجه إلى الناس بالضحك والمزاح، وصداقاتي مفحوصة مسبقاً من طرفي العلاقة لا تتأثر بكرسي سيجلس عليه غيري، المسؤول حينما يكون سهلاً ومفتوحاً فان هذا النهج يبعد الوصوليين عنه، ما اكثر المنافقين والنفعيين والأمر لا يحتاج لمعجزة حتى تميزهم عن غيرهم، تعرفهم من تعابيرهم وتقاسيم وجوههم واطرائهم الزائد ومديحهم المقيت.
* من ترشح وزيراً للمواصلات في ما لو طلب منك ذلك؟
ـ ارشح الصفة لا الاسم، اختار شخصا نزيها، مرنا على خلق.
* والدرجة العلمية؟
ـ بالصفات السابقة لا تهمني الدرجة العلمية، حتى وإن كان أمياً.

* قرار اتخذته ثم تراجعت عنه؟
ـ أكثر من قرار تراجعت عنه بعد قناعة بأنني كنت مخطئاً في اتخاذه، ولا يشغلني في ذلك لغط المرجفين بعد تصحيحي قرارا خاطئا، يقابل ذلك عناد قوي في الإقدام على القرارات الصحيحة حتى وإن خالفت مصالح بعض الناس...
* إجازة خاصة، أين تقضيها، ومن تصطحب معك فيها؟
ـ في أرياف بريطانيا، وبين القاهرة والمغرب، اختار الصديق الذي سنكون (معاً) منسجمين في الرحلة تجمعنا أفكار واحدة، ولنا نفس الرغبات والتوجهات، المهم ما نختلف أبدا.
* هواية تمارسها باستمرار؟ ـ في بعض الأحيان ألعب الشطرنج، واموت في طاولة الزهر.
* مصدر إعلامي تثق به، وتتلقى أخبار العالم منه؟ ـ السي إن إن، وسيلة إعلامية راقية تعطيك الخبر وقت حدوثه، وقناة الجزيرة القطرية أخبارها سريعة وبرامجها جذابة.
* آخر كتاب قرأته؟ ـ أنت تسأل واحدا لا يقرأ، وان قرأ ففي الطائرة بعضا من القصص وشيئا من التاريخ.
* شخص تدين له بالفضل؟ ـ تاجر في المدينة المنورة، اسمه عبد العزيز الناصر التركي، عودني على ريال فضة يعطيني إياه بعد كل سنة دراسية، هذا الرجل لا يمكن أن أنساه مطلقاً، وأيضا آخرين تولوا تربيتي.
* آخر مرة تسوقت فيها مع زوجتك؟ ـ داخل السعودية لا أتذكر، ولكن عند السفر للخارج فالتسوق معها كثيراً، ولا تستغرب أن تجدني حمالاً يقوم بنقل وتوصيل الأغراض والمشتريات.
* إيراداتك ومصروفاتك، هل تخضعها لميزانية شهرية؟ ـ تاركها على الله.
* الأسهم والبورصة، ماذا عنهما؟ ـ جاهل بهما.
* وأين تستثمر أموالك الخاصة؟ ـ ليس لدي أية استثمارات شخصية.
السرعة تبعدني عن القيادة
* وزير المواصلات يفترض أن يكون ملتزماً بتعليمات السير وضوابط السلامة، هل حصل وان خالفت الأنظمة المرورية؟ ـ أنا شخص أهوى السرعة، لا أتحكم في ضبط مؤشرها، هذا السبب مع الإجهاد في بعض الأحيان يجعلاني أتفادى قيادة سيارتي الخاصة بنفسي، السرعة مخالفة، في الداخل لا أذكر أن فرداً ضبطني، يمكن صدفة "ما شافني أحد"، وفي أميركا سجلت بحقي مخالفة تجاوز السرعة المحددة.
* يذكر في هذا الإطار أن كبار المسؤولين يحرصون على اقتناء سيارات فخمة بصورة سنوية، هل يشغلك هذا الجانب كثيراً؟
ـ لا يشغلني هذا المظهر، ما دام شكل السيارة مقبولاً، اهتم بالصيانة المتتابعة وسلامة الإطارات كوني احب السرعة.
* وما نوع أول سيارة امتلكتها؟ ـ أبان إشرافي على طريق الرياض ـ صلبوخ، أعطتني الشركة المنفذة بكب اب (ونيت) تعلمت القيادة عليه، وأنا الذي كنت أجهلها تماماً، ثم اشتريت سيارة تايوتا كراون حافظت عليها، واستمرت معي حتى عندما وصلت الى درجة وكيل وزارة مساعد.
* أغنية ترددها، وفنان تطرب له؟ ـ طلال مداح لا يعلى عليه، محمد عبده فنان أصيل وذكي، تشدني فيروز وهي تردد أغنيتها الشهيرة "بحبك يا لبنان"، السيدة أم كلثوم حينما يكون الجو هادئاً أعيش معها في قصص الحب الصادق وحكايات الغرام المتبادل. كل أنواع الحب والعواطف أتأثر بها كثيراً، حينما أشاهد فيلما رومانسيا عنيفا أتفاعل معه ببكاء حاد في الوقت الذي تتواصل فيه ضحكات ابنتي عليّ.
* كم ساعة تعمل في اليوم؟
ـ زي الناس، اعتقد ما فيه داعي...
* برنامجك اليومي؟ ـ اعشق الليل وأهيم به، أنام في الثانية صباحاً، أصحو ما بين الثامنة والتاسعة والنصف، الإفطار وجبة رئيسية، اذهب للمكتب وقد ابقى به مساء، أو أقوم بنقل المعاملات معي للمنزل.

* يذكرون بأنك تدخن بشراهة، وأنت الذي تعاني من متاعب صحية؟
ـ "أوي"، 80 سيجارة يومياً، مؤخراً أجريت عملية جراحية بسيطة في الغدة كنت أدخن إلى ما قبل دخول غرفة العمليات، وجاء توقفي عن التدخين مصادفة وليس لاسباب صحية.
* وهل بنيتك العودة للتدخين؟ ـ اقطع بنعم أن لم يكن قبل نشر اللقاء، هذا هو الاحتمال الأرجح والأقوى. هلالي بالتبعية
* كرة القدم، أو المجنونة كما يسمونها، ما مدى تأثرك بها وتأثيرها عليك؟ ـ إن كنت في مجلس فأنا أتابع الكرة داخل الميدان، وابني محمد (رحمه الله) كان هلالياً خالصاً، لذلك فميولي هلالية تبعاً لابني. كلنا عرضة للمعاناة والآلام، هل عانيت من مواقف ستظل أسير صداها مدى حياتك؟ جارت عليّ الدنيا كثيراً، وأنا في الصف السادس الابتدائي فقدت والدي (محمد) صغيراً، وجدته أمامي ميتاً، وفي كبري اغتال الموت أيضا (محمد) ابني وقرة عيني. كما ذكرت الشرق الاوسط.