إستبشر الكثير من الفلسطينيين بقرارات الرئيس الفلسطيني بحق عدد من السفراء من نقل وإقالة وإحالة على التقاعد وفي نفس الوقت إستاء العديد منهم لتلك القرارات ولكن نريد أن ندرس آثار هذه القرارات ومدى تطبيقها على أرض الواقع وماهي الإيجابيات والسلبيات والعوائق التي إعترضتها فليس من السهل إصدار قرار بالإقالة أو الإحالة أو حتى النقل وخصوصاً في ظروف بالغة الصعوبة يمر بها شعبنا الفلسطيني المناضل على كل الجبهات وكأن هذا الشعب قدره أن يبقى مقاوماً ومقاتلاً حتى يندحر الإحتلال ويعم السلام أرجاء العالم ومن ثم تتوحد توجهات هذا الشعب وتندرج تحت قيادته جميع الفصائل والتنظيمات سواء ما كان منها بالداخل أو ما كان منها بالخارج.
الذين إستبشروا إعتبروا أن مميزات هذه القرارات عديدة ومنها دخول دماء جديدة الى السلك الدبلوماسي الفلسطيني الذي لم يكن يلعب الدور العصري ليواجه أدهى أمم الأرض وأقوى نفوذاً حتى الآن فلهم لوبي قوي حول العالم ويؤثر في العديد من قرارات العالم سواء فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة أو مايتعلق بقرارات على مستوى الدول المحلية، ولهذا كان ينبغي أن تلعب الدماء الجديدة دورها في المعترك السياسي والدبلوماسي بكل مهنية وحرفية.
ومن المميزات أيضاً ذكر البعض أن ذلك يعتبر إزالة للشوائب التي ترسبت في سفارات فلسطين لعدد من السنين ولاسيما أن سفراءنا المبجلين يعتبرون عمداء السلك الدبلوماسي في أكثر من مكان لبقائهم في أماكنهم عقود من الزمان دون نقل أو إقالة أو إحالة حتى ولكأنهم ورثوا تلك السفارات التي إستئمنهم الشعب والسلطة عليها والقيام بأعمالهم على خير وجه ولكن عدم الحراك أدى بهم الى الركود والركون وبالتالي زادت الشوائب الواجبة التنقية إن عاجلاً أم آجلاً.
والبعض إعتبر ذلك حركة تصحيحية ولاسيما أن الزعيم الخالد قد قضى نحبه وتولى القيادة من بعده رئيس جديد لابد أن يعمل نوع من التغيير وبالتالي لابد من حركة تصحيحية في جميع أعضاء السلك الدبلوماسي من أعلى الهرم الى أخمص القدم وحدثت خلافات كبيرة حول قيادة وزارة الخارجية ولم تحل حلاً جذرياً ولكن المهم أن هناك تفاهمات تمت بهذا الخصوص وقد تكون الحركات التصحيحية خطوة إيجابية نحو تطوير أداء وخدمات وسلوك السفارات الفلسطينية في الخارج وأداء الوزارة في الداخل.
لاشك أن هناك إعترافاً بالفساد في بعض سفاراتنا الأمر الذي أدى إلى تكوين لجنة لدراسة الوضع العام لهذه السفارات بالخارج وكان من أهم نتائجها القضاء على الفساد والمحسوبيات والحد من الفوضى الإدراية على أقل تقدير وهذا يعني أن هناك أمور أكبر من فشل إداري ومالي ولكن نترفع عن ذكرها في مقالنا هذا.
وكما ذكرنا المميزات فمن الإنصاف أن نذكر بعض السلبيات نتيجة لإتخاذ القرارات السالفة الذكر وهي وضعت السلطة والعاملين فيها على المحك فالعديد من السفراء لم ينفذوا إلتزاماتهم كما جاءت في قرارات سيادة الرئيس ولكن هل لنا أن نسأل ماهي أسباب ذلك ؟
بعض سفراءنا المكرمون رفضوا تسليم ممتلكات سفارتهم الى نوابهم أو الى السفراء اللذين حلوا مكانهم وبعض السفراء يقول أن الفيلات السكنية ومحتوياتها من ممتلكاتهم الشخصية وكذلك السيارات الفارهة التي كانوا يستقلونها إعتبروها ممتلكات شخصية وإن كانت تحمل لوحات دبلوماسية وهنا نسأل هل هناك تدخل من الدول التي يقيمون فيها بالمؤازرة والتعاطف وهذا يضع القضية ومسارها على المحك فهل هؤلاء السفراء مناضلون حقاً ؟ إذا كانت الإجابة ب "نعم" فلماذا لايقبلون النقل الى موقع آخر يخدم قضيتهم وقضية شعبهم.
أما إذا كانت الإجابة ب "لا" فمن الطبيعي أن يرفض النقل أوالإحالة أو الإقالة وبالتالي يبرهن على أنه قد خذل شعبه بدلاً من أن يخدمه وهنا يظهر الولاء الحقيقي للشعب والقيادة أم إلى جهات أخرى وإن كانت تدعم القضية مادياً إلا أنها ينبغي أن لاتتدخل في الشأن الفلسطيني حفاظاً على مسيرة القضية وقواعد القانون الدولي.
وطالما مازال بعض السفراء في مواقعهم لابد لنا من التعرف على أسباب ذلك فالبعض منهم يقول أنه لم يتلق البديل فمن غير المعقول أن يسلم الممتلكات ولايجد بديلاً كمنزل يؤوي به أطفاله وأسرته وأن يحافظ على تنقلاته هو وأسرته بالشكل اللائق والمستوى المعيشي المناسب فقد خدموا في السلطة ووهبوا دماءهم وأبناءهم وأنفسهم وفي نهاية المطاف يلقى بهم في مهم الريح تتلاطمه العواصف العاتية فليس هذا من حسن مكافئة ترك الخدمة أو نهاية الخاتمة.
وإذا كانت الإجابة ب "نعم" فيما يتعلق بالبديل وهو حق مشروع فمن الطبيعي أن يقوم السفراء بتسليم مواقعهم لإخوانهم حسب القرارات أما إذا كانت الإجابة ب "لا" فمن الطبيعي أن يتذمر سفراءنا المكرمون وعليه ينبغي أن لانطلق الأمور على عواهنا قبل التأكد من صحة قول كل طرف من الأطراف المؤيدة والمعارضة والأطراف ذات العلاقة.
وهنا نود أن نتساءل هل هناك نظام واضح بهذا الشأن ينطبق على جميع العاملين في السلك الدبلوماسي ؟ ويعطي كل ذي حق حقه ؟ حتى يؤدي واجبه بكل أمانة وإخلاص وبعيداً عن الإختلاس وإذا كانت الإجابة ب "نعم" فهل هذا النظام يناسب ظروف الجميع، إذا ماقارناه بأنظمة الدول الأخرى فهل يلبي إحتياجات العاملين في هذا القطاع ولاسيما أن وضع السلطة فريد من نوعه في العالم فمن الممكن أن يكون هناك سفير لفلسطين وعن طريق النقل أو الإقالة لايستطع العودة الى أرض الوطن غير المحررة بالكامل لأنه نازح ولايقبل في دولة أخرى إلا بموجب إستثناءات لاتسري على الجميع الأمر الذي أجبر معظم السفراء في الخارج محاولاتهم المستمرة للحصول على جنسية البلد التي يقيمون فيها تحسباً لمواقف مثل هذه المواقف.
وعودة الى سؤالنا السابق إذا كانت الإجابة ب "نعم" فإن مسألة التطبيق واردة وغير مستهجنة من السفراء ولاسيما إذا تم نقلهم الى مستوى أعلى أو أفضل كأن ينقل من دولة عربية الى دولة غربية أو يتسلم منصب رفيع في السلطة سواء في مكاتبها في الداخل أو في الخارج، أما إذا كانت الإجابة ب "لا" فمن الطبيعي أن لا يحرص على تطبيق القرارات المتعلقة بالنقل أو الإحالة أو الإقالة على أقل تقدير أن يسجل إعتراضاً وموقفاً.
ومما تقدم نستنتج أنه لابد من عمل نظام لوزارة الخارجية أو يعاد تحديث النظام الحالي حتى يناسب ظروف الأغلبية من العاملين في هذا القطاع كما ينبغي عمل ملاحق ينص فيها على أدق التفاصيل فيما يتعلق بالممتلكات الشخصية وغير الشخصية لأن الممتلكات الشخصية وإن كانت معروفة فهي لا تسلم.
وفي هذه الحالة نحن نعيش في حيرة السؤال التالي هل يمكن تنفيذ القرارات بالقوة ؟ وماهي وسائل القوة التي يمكن إتخاذها في هذا الصدد ؟ ولكن تعتبر القنوات الدبلوماسية من أهم الوسائل التي ينبغي اللجوء إليها في مثل تلك الحالات، فإذا ماتمت موافقة الدولة المضيفة على ذلك فمن السهولة أن يتم التنفيذ وبدون أي إشكالات ولكن عدم موافقة الدول المضيفة على أي بند فهنا تحدث مشكلة ويختلف حجمها حسب نوع البند المختلف عليه وهنا ندخل في مفاوضات قد تكون يسيرة وأخرى قد تكون عسيرة.
إما أن يتم التغلب على المشاكل وتسير الأمور بشكل جيد وإما أن تؤدي الى قطع العلاقات الدبلوماسية وهذا يؤدي بالتالي الى خسارة كبيرة لشعبنا سواء من ناحية المساعدات المادية أو من ناحية الدعم المساند في المحافل الدولية وهي قوة لايستهان بها ومن واجب المسؤولين وأصحاب القرار أن يحافظوا على علاقاتهم الطيبة بالجميع حتى يستمر الدعم المادي والمعنوي.
وعودة الى موضوع تسليم الممتلكات فقد يكون من أسباب عدم التسليم ايضاً الرغبة في التمتع بمميزات المنصب ولاسيما أن الخدمة كانت لسنوات طويلة، ولايعني ذلك أن يتم توريث المناصب وقد يكون من الأسباب أيضاً محاولة للضغط على السلطة أو من واقع دعم الدول المضيفة أو من واقع دعم أعضاء السفارة أنفسهم أو من واقع دعم المواطنين الذين يشكلون الجالية الفلسطينية في الدولة المضيفة وقد يكون ذلك خروجاً على الأوامر أو محاولة للإنفصال أو تكوين منظمة أخرى كما حدث في بعض المنظمات ومع قياداتها العسكريين وهنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي هل السلطة ضعيفة ؟ الضعف بجميع اشكاله سواء المادي أو الإداري أو التنظيمي أو القيادي أو غيره.
وخلاصة القول فيما سبق لابد من توحيد صفوف الشعب الفلسطيني حتى يكون هذا الشعب هو الداعم لقضيته والداعم لقيادته فقيادة بلا شعب تثبت مقولة زعماء إسرائيل شعب بلا أرض، ومن باب أولى أن يقبل الشرفاء من سفراءنا الكرام مايدعم قضية شعبهم لا أن يولد لديهم نوع من الإنتقام ومحاولات بائسة بعدم تطبيق القرارات وفي ذات الوقت ينبغي على القيادة الحكيمة أن توفر لهم سبل العيش الكريم وأن لاتتنكر لهم وماقدموه لقضيتهم حتى يقبوا ان يسلموا الراية لخلفهم ليكونوا خير خلف لخير سلف وتبقى راية فلسطين مرفوعة عالياً فوق جميع سفاراتها حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وتكون المسألة مسألة حقوق لا مسألة عقوق.

مصطفى الغريب

شيكاغو