التاريخ يقدم عظات و عبر مجانية كل يوم، و كأن التاريخ يقول أن كأس السم الذي أشربته لغيرك و فرحت لموته، لا بد أن يأتي اليوم تذوق من نفس الكأس و عبر المتطرفين من القاعدة و التكفيريين من أمثال الزرقاوي ما زالت ماثلة أمامنا، لم يفرقوا بين عدو أو صديق موالي أو مخالف، هذا هو التاريخ و لكن أين المعتبرين، الأمس رائد البنا الذي فجر نفسه بمواطنين عراقيين أبرياء منهم أطفال و شيوخ و نساء لم نسمع ذلك الاستنكار و الإدانة التي تستحق في إبادة جماعية و بشكل يومي تقريبا، بل على العكس هلل البعض و استبشر بدماء ضحايا أبرياء تسفك بالعراق لتحول مياه دجلة و الفرات إلى نهري دم.

ما حدث بعمان الأردن فاجعة و كارثة إنسانية بدون شك، أن يتحول الفرح إلى حزن في ليلة مباركة بزواج كان المفروض أن يثمر بإنجاب أطفال يبصرون الدنيا بتفاؤل و أمل، و لكن الأيدي الآثمة حولت فستان الفرح إلى كفن أحمر ليدفنوا 67 بريء و أكثر من 300 مصاب، لنتجاوز الإدانة و الاستنكار و الشجب، هذه الكلمات ألفت على الساحة العربي و صمت آذننا، فالأمر بديهي أن يدان و يشجب أي فعل إجرامي يستهدف أبرياء من كل دين و مذهب، لعل الأردن لم يشعر بألم التفجيرات و القتل عندما أبتلي غيره بل لوحظ التأييد من البعض عندما أصابت هذه الآفة جاره العراق و اعتبروا مواطنا أردنيا يفجر نفسه بطلا يجاهد المحتل وهو العنوان الذي طبل له الأعلام العربي عندما يؤيد بطريق غير مباشر العمليات الانتحارية التي تنفذ بالعراق بشكل مدروس و مخطط له.

وصول التفجيرات عاصمة الأردن مرجعه التأييد من بعض العلماء والشيوخ و الشارع الأردني و على مدى الشارع العربي، لماذا هذا السكوت من المراجع الدينية العربية و الهيئات الدينية و عدم الإدانة و الاستنكار بشكل صريح و علني.

و ستبقى تفجيرات الفنادق الثلاثة بعمان ماثلا للعيان و ستظل محفورة في ذاكرة كل محب للإنسانية جريمة بشعة لأن حفل بزواج بهيج يتحول في غمضة عين إلى كارثة، الكثير منا يتهم الولايات المتحدة الأمريكية بالتحيز إلى إسرائيل في كل المواقف بالأمم المتحدة و تميل في أي تفاوض مع الجانب الفلسطيني و اللبناني إلى كفة إسرائيل بشكل علني، لماذا لا نلوم أنفسنا و نحاسب أنفسنا نحن العرب على النظرة التحيزية عندما يصدر من بعضنا الخطأ، بل نرجح كفة الظالم، و نعلم إن الظلم لا يتجزأ فمن يظلم الآخر يظلم أقرب إليه و ما حدث في اعتداء العراق على إيران في بداية الثمانينيات الذي لقي التأييد المادي و المعنوي من الدول العربية و لا سيما أشقائه المجاورين انفتحت شهيته حتى أعتدي على ألاقرب إليه و هي دولتي الكويت و السعودية، و الآن يأتي الزرقاوي الذي خرج من رحم التراب الأردني يفجر بطن تلك الأرض على مواطنيها في مناسبة فرح و بهجة ليحولها إلى مأساة.

و يأتي الأعلام العربي بقنواته الفضائية و الصحف التي تغذي هذا العنف و الارهاب و بشكل متعمد و مقصود، فعندما حدث الانفجار مساء الخميس أغلب القنوات الفضائية و لا سيما المشهورة نقلت الحدث على الهواء، ليشاهد كل المشاهدين مأساة فنادق عمان و تحول حفلة زواج مصيبة تاريخية و كان النقل هو سبق أعلامي للاستحواذ على قاعدة جماهيرية و ليس استنكارا و إدانة و الشاهد على ذلك التبرير و المسوغات التي تجتهد و تستميت بعض جماهير العقيدة المتطرفة و الارهاب الذين لا يرتاحون إلا بسفك الدماء و لم يعودوا بالتفريق بين دم مسلم و غير مسلم و بريء و غير بريء و توظف لهم القنوات المشهورة، فالكل بنظرهم مجرمون ماداموا لا يسيرون في درب التعصب الإقصاء، و المتتبع لبعض الفضائيات التي حجزت مساحة كبيرة من عقلية المواطن العربي بأسلوبها الجذاب و حسن أسلوبها في الطرح و العرض، عندما انقضت أيام على مأساة فنادق عمان خرج الزرقاوي ببيان يزعم فيه إنه لم يقصد قتل الأبرياء من الأردنيين أو المسلمين حتى كانوا فاسقين، و انبرت الفضائيات الناطقة بالعربية التبرير و إيجاد المسوغات للعنف و الارهاب، تكررت أسطوانة إن مبعث الإرهاب و العنف الذي يحدث بالشرق الأوسط سببه السياسة الأمريكية و كأن واشنطن كانت بعيدة في يوم من أيام عن تكوين الفكر و العقلية الإرهابية حسب المصلحة لهؤلاء الإرهابيين الذين خدموها. و من غير المستعبد أن تكون بعض الأعلام المشبوه هي جزء من منظومة الارهاب التي رسم لها أهداف محددة و معينة، بالطبع هناك بيئة مهيأة للإرهاب و غذيت بشكل مقصود أو غير مقصود أحيانا، و إلا لماذا تخرج تفجيرات القتل بهذا الوقت التي لا تخدم إلا مصالح سياسات عليا، و تبرر بقاء المحتل الذين يتظاهرون من يقومون بالتفجيرات بمحاربتهم، و إن عنفهم هو ردة فعل عنف و ظلم حاق بهم، هل ظلم الفلسطينيين و العراقيين و الأفغانيين حدث للتو، أين هم من الإصلاح السلمي و الدعوة للتغيير و الإصلاح بالكلمة و الرأي الحر و نقد الذات.

من يشاهد الفضائيات العربية التي دخلت الساحة العربية و استولت على عقول البعض لا يستطيع أن يفصلها عن منظومة الارهاب و الدماء و التحيز الواضح لفئة تخالف سياسة الفضائيات ظاهريا فقط.

علي عيسى