بداية أود أن أحيي حكماء العراق ورجاله الذين يحبونه حقا ومنهم الشيخ الجليل حارث الضاري. وأنا أكتب هذا النداء للشيخ الجليل الضاري ومن خلاله لكل من يحب العراق. لقد عشت أيها الشيخ الجليل في لبنان وأكتويت بنار حربها الأهلية وعرفت معنى أن تغيب الحكمة عن الأوطان وتحرق حياتها وحياة أبنائها وأطفالها مثلما تحرق تأريخها وتنثره في مهب الرياح وتسدل ستار العتمة على مستقبلها مثلما تخسر حاضرها الذي تعيش.
لم يكن لبنان بحاجة إلى خمسة عشر عاما من الإقتتال لكي يدرك اللبنانيون بأن الحرب الأهلية كانت فتنة خارجية ليدركوا متأخرين فضاعة ما عملوا في وطنهم ولا تزال بقايا الحرب الأهلية وما تركته من الغام قابلة للإنفجار مزروعة ومروية لمديات قادمة.
كما لم يكن العراق بحاجة إلى خمسة وثلاثين عاما من حكم الفرد والتسلط والقبيلة الذي بدد ثروات العراق وحرق أبناءه في الحروب وهجر الملايين وأحرق النفط لكي يدرك العراقيون بعد هذا الزمن دنائة ورداءة حكم الفرد والقبيلة.
فهل نحن بحاجة إلى نصف قرن من الموت وتدمير الحياة وهدر ثروات الوطن لكي ندرك إن الإقتتال بين أبناء الوطن الواحد هو شأن خطير وغير وطني ولا يخدم سوى أطماع الأجنبي في ثروات الوطن وجماله؟
أين الحكمة إذاً
إن الحرب الأهلية في لبنان التي يوحي الواقع بأنها إنتهت، أنها لم تنته بعد سيدي الشيخ الجليل. والدكتاتورية في العراق التي توحي الأحداث بأنها إنتهت بسقوط التمثال، أنها لم تنته بعد أيها الشيخ الجليل.
وأن قراءة واعية لواقع العراق وما تركته مدرسة الدكتاتور من آثام وخراب في النفوس إنما هي أرض لخراب يحرق الأخضر واليابس ويحرق كل العراقيين بغض النظر عن تسمياتهم، يحرق العراق من شماله إلى جنوبه. وبدلا من أن يتنادى العراقيون لترميم الخراب والآثام أراهم يتنادون للإقتتال الذي هو مشتعل اصلا، وبدلا من إطفاء النار يأتي أهله لكي يصبون الزيت على النار على حد تعبركم.
لقد سمعت تصريحاتكم بإتهام قوات معينة بقتل علماء السنة ووجهتم إنذارا لم أكن أتوقعه منكم (وقد أعذر من أنذر) هذا نداء حرب سيدي شخصكم المسالم لا يشبه هذا الصوت، وهذه التصريحات قرأتها أنا كمخرج سينمائي معني بالواقع وقراءته وجدتها إعلانا رسميا للحرب الأهلية الآتية في العراق لا سمح الله. أنا لا أنظر إلى فكرة السنة والشيعة سوى نظرة تراثية تخدم قوة الجدل الفلسفي ولا أنظر إليها إنقساما فالإسلام واحد والدين الإسلامي واحد والله سبحانه واحد ونبيه الكريم واحد. والإسلام دين السلام والتسامح والعيش في وطن واحد تعيش فيه كافة الأديان والطوائف والأقوام ينبغي أن يكون النهج البديل لمدرسة الدكتاتور التي عملت على زرع الفتنة بين الطوائف والأديان والأقوام.
أذكركم أيها الشيخ الجليل الذي أكن لحكمته كل الإحترام أن تتذكروا أن حكمة (مارتن لوثر كنك) في أمريكا أنقذتها من حرب عنصرية مدمرة عندما خاطب قومه السود محذرا أياهم الإنتقام من البيض لما فعلوه فيهم من تنكيل وإزدراء قال لهم (إذا أردنا أن نطبق قانون العين بالعين فإننا سنتحول إلى مجتمع من العميان) كما أذكركم بحكمة نلسن مانديلا الذي تمكن بصبره وحبه لوطنه أن يوقف فتنة الموت المدمر في جنوب أفريقيا بين السود والبيض وبين أبناء العشائر وجعل قومه يعيشون بسلام ومحبة ووئام.
اليوم والوطن الغالي عى شفا الإقتتال والفتنة تغذيها قوى خارجية لا تريد الخير للوطن، أدعو الشيعة (إن صح تعبير الشيعة) أولا أن يغلقوا الطريق على المتسللين من إيران إلى الوطن الغالي لتحويل العراق إلى ساحة حرب من الأمريكيين بعيدا عن الأرض الإيرانية. وأدعو السنة (إن صح تعبير السنة) أن لا يجعلوا من مناطقهم مأوى للآتين من الحدود المجاورة والذين عملوا على زرع الموت في الحياة العراقية.
من المخجل للنفس العراقية وهي النفس الأبية أن تبدأ بتدمير وطنها بوعي منها أو بدون وعي وأن يتم الذبح على الهوية كما بدأت بالضبط الحرب الأهلية المدمرة في لبنان.
لقد دعوتكم أيها الشيخ الجليل ودعوت كل من تهمه مصلحة الوطن الغالي ولا يرتبط بالأجنبي والمحتل والمترصد للوطن لذبحه وسرقة خيراته وإلغاء ماضيه وتدمير حاضره ومستقبله، دعوتهم في ندائي الذي أنشره هنا هدية لكم ولكل مخلص من أبناء العراق أن يصار مثل ما حصل في تأريخ الشعوب إلى تشكيل مجلس الحكماء فهو المنقذ الوحيد لمثل ظروفنا وتراكمات الآثام التي زرعتها مدرسة الدكتاتور، أدعوكم لكي يتسم الموقف بالوعي الوطنية مذكرا أياكم أيها الشيخ الجليل بأن الوطن الغالي يتسع لكل العراقيين بمساحته وبثرواته وبفكرته التي تأسس على مضمونها (الدين لله والوطن للجميع).
سيدي الجليل. أدعوكم أدعوكم للإنتباه لوسائل الإعلام وبشكل خاص الفضائية منها، فإنها ودون إستثناء تعمل على صب الزيت في النار وتعمل على إشعال الحريق في الوطن وبتأريخه وحاضره ومستقبله فلا تكونوا طرفا في الحريق بل أن تساهموا بحكمتكم في إطفائه وإعادة بناء الوطن بعد أن خربته القوى الخارجية وممثلوها في الوطن.. أرجو أن لا تحرقوا الوطن ولا تقتلوا أطفاله وأرحموا أهلنا ورأفة بالأم والزوجة والأبنة أن لا يصيبها اليتم. أصارحكم والعراقية رمز الأباء أنها صارت سلعة في فنادق الجيران تبيع نفسها من أجل أطفالها وأنتم جميعا مسؤولون عن ذلك. وستكونون أنتم جميعا مسؤولون عما سيؤول إليه الوطن عندما يطوف في بحر من الدم والرذيلة لا سمح الله.. فبوعي منكم جميعا أو بدون وعي فإنكم بدون مجلس الحكماء ستقودون هذا الوطن الجميل نحو الخراب لا سمح الله وأنتم لا تريدون ذلك فلا وطنيتكم ولا قيمكم العشائرية تسمح بخراب العراق وخراب الحياة سيدي الجليل. أرجو أن تتقبل مني نصيحة الأخ ونصيحة عاشق العراق، العراق الذي يتسع للجميع فلماذا الموت ومن أجل ماذا. لماذا الموت بديلا عن الحياة. أرجو أن تقبل مني هديتي وندائي التالي المتعلق بضرورة تأسيس (مجلس حكماء العراق) أضعه بين يديك ومن خلالك لكل وطني مخلص يحب العراق. ألا هل بلغت.. اللهم إشهد.


مجلس حكماء العراق
نداء من المخرج السينمائي العراقي قاسم حول

يا أبناء الشعب العراقي
بعد زوال النظام الدكتاتوري في العراق وكنتيجة لذلك النظام الفردي الظالم، يعيش العراق اليوم ظروفا صعبة.. ظروفا تحركها قوى خارجية ذات مصلحة بتدمير الوطن العراقي. هذه القوى كانت هي نفسها تقف وراء نظام الفرد الدكتاتور لتأمين مصالح إقتصادية وأهداف أخرى تتمثل في إلغاء الهوية الوطنية والحضارية للشعب العراقي.
ولقد عرف الشعب العراقي عبر تأريخه المجيد بحكمته التي عاش في نهجها سعيدا ومتحابا في فترات طويلة من الزمن.
المسلمون والمسيحيون.. السنة والشيعة.. العرب والأكراد.. الآشوريون والتركمان.. الصابئة واليزيديون.. طيف من ألوان الشمس في بلاد الرافدين.. سادت بينهم قيم ونهضت ثقافات متنوعة بسبب تنوع الكيان العراقي، فلم يكن التنوع العراقي يوما عاملا في الضغينة والكراهية، لكن القوى الخارجية لا تريد للعراق هذا الجمال في بلد وهبه الله سبحانه الخيرات التي يمكن أن تكون مصدر فرح لا كدر له في حياته.
من هذا المنطلق وحفاظا على العراق والعودة به إلى جادة الحب والسعادة أدعو كافة العراقيين للمبادرة في تشكيل مجلس حكماء العراق.
يضم مجلس حكماء العراق مندوبا من كل طيف عراقي، من رجال الدين ومن شيوخ العشائر ومن الطوائف والقوميات ورجال الثقافة والفكر وأساتذة الجامعات والأدباء والفنانين ليضعوا منهجا سياسيا وإجتماعيا بعيدا عن السلطة.
يأخذ المجلس على عاتقه تثقيف الشعب العراقي بإتجاه وحدته الوطنية وحريته المسؤولة وذلك بوضع لائحة شرف للحيلولة دون حصول أية فتنة يأتي بها غرباء عن العراق يعملون على الإطاحة به لا سمح الله.
تحدد لمجلس حكماء العراق جلسات شهرية وكلما دعت الضرورة وعند مقتضات المصلحة العامة للوقوف أمام التطورات التي تحصل في العراق.
إطفاء فكرة الإنتقام والدعوة للقضاء العادل المستقل بديلا عن الفوضى. ولنتذكر حكمة مارتن لوثر كنك التي وجهها لأخوته السود أبان التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية حين قال لهم ( إذا أردنا أن نطبق قانون العين بالعين فسوف نتحول إلى مجتمع من العميان ).

المطالبة وفق قوانين المجتمع الدولي بإنهاء الإحتلال ومنع إستعمال السلاح لمقاومته. فالسلاح هو أخطر الأدوات التي تدمر الأوطان. السلام والحوار والمنطق والعقل هما الأسلحة التي تحقق الهدف فيما السلاح يقود إلى الموت. وتذكروا إن شعوب العالم الخيرة تقف معكم ومع حقكم في إنهاء الإحتلال.
الدعوة لسحب السلاح من الأفراد والأحزاب.
الدعوة إلى التسامح والمحبة بين العراقيين والوقوف أمام تجربة الماضي بعين الوعي والحكمة ودراسة ظروفها التي قادت إلى الخراب.. خراب البناء وخراب النفس، بدلا من إستخدام ذريعة الماضي لمزيد من الإنتقام، ذلك ما يريده الغرباء في إشعال نار الفتنة والحرب الأهلية لا سمح الله.
تشجيع إقامة مؤسسات المجتمع المدني ومباركة هذه المؤسسات التي تقوم على تأهيل أبناء المجتمع العراقي والجيل الجديد لكي يكونوا عنصرا منتجا وفاعلا في الحياة.
تأسيس آلية إعلامية تسهل العلاقة بين مجلس حكماء العراق والشعب العراقي وقطع الطريق أمام وسائل الإعلام الغريبة التي تنتقي من الأحداث ما يخدم مخططاتها الرامية إلى تدمير الوطن العراقي.
العراقيون أهل للحكمة.. أهل لبناء العراق.

20 / مارت / 2004

سينمائي عراقي مقيم في هولندا
[email protected]