هناك قصة شعبية تقول : أن شابا ينتمي لأحد الأسر البدوية ضرب شابا آخر لأسرة بدوية أخرى. ثم ذهب أهل الشاب المضروب إلى أسرة الشاب الضارب يشتكون مما فعله الشاب المعتدي بولدهم. حينها غضب أبو الشاب المعتدي ودافع عن ولده بكل قوة، ولكي يثبت براءة ولده من الاعتداء على ابن الأسرة المشتكية، توجه والد الشاب المعتدي إلى القبلة داعيا الله وقال : إذا كان ولدكم اعتدى على ولدنا فأدعوا الله أن يقبض روحه، وإذا كان ولدنا هو المعتدي على ولدكم.. فا.. فا.. ثم التفت إلى يساره فوجد ولده جالسا وقال : اذهب يا ولدي شغل السيارة !

تذكرت هذه القصة، عندما استمعت قبل أيام إلى الشيخ حارث الضاري وهو يزبد ويرعد ويهدد أحد الأحزاب العراقية التي يتهمها بقتل أحد شيوخ هيئة علماء المسلمين بالعراق، بالرغم من نفي ذلك الحزب الآخر مسئوليته عن قتل أحد شيوخ هيئة علماء المسلمين. وأنا هنا لا أدافع عن القتلة أيا كان حزبهم، لكنني استغربت ذلك الغضب الذي ارتسم في ملامح الضاري بسبب مقتل شخص، في الوقت الذي يقتل فيه مئات العراقيين منذ ثلاث سنوات أمام نظر الشيخ الضاري وربما تحت غطاء هيئة علماء المسلمين الذي تم تغليفه بالدين كي يضفي شرعية القتل لبعض الفئات التي تدعي المقاومة ولا نراها تقتل غير العراقيين !

والملاحظ أن الشيخ الضاري وهيئته تكونت بعد سقوط النظام البائد بدافع الدفاع عن بقايا النظام ومعارضة كل أمل جديد في بناء عراق حر متعدد الاتجاهات الفكرية، مما جعله وهيئته ترفض الاشتراك في الانتخابات العراقية آملين في تعطيل تلك العملية التي فاجأتهم بكثافة تصويت الشعب العراقي تحت أخطار القتل والتفجيرات التي تحظى بتشجيع هيئة علماء المسلمين تحت مبررات المقاومة،وعندما تشكلت الحكومة الأخيرة والمنتخبة انتخابا حرا من الشعب العراقي بعد محاولات عديدة من هيئة علماء المسلمين لتخريب تشكيل الحكومة الجديدة، لم يجد الشيخ الضاري من سلاح أخير سوى التهديد بإشعال حرب طائفية إن تم قتل المزيد من أعضاء هيئته حتى وان كان القاتل أبو مصعب الزرقاوي. وكأني بالشيخ الضاري يستخدم نفس الأسلوب البدوي الذي استخدمه ذلك الأب عندما دافع عن ابنه المعتدي ليقول الشيخ الضاري : إذا قـُـــتل أحد أعضائنا فسوف نشعل حربا طائفية، وإذا قـُـــتل عشرات أو مئات العراقيين الذين لاينتمون إلى حزبنا فذلك لايضيرنا حتى وان كانوا القتلة ينتمون إلى هيئتنا أو يتمتعون بحمايتها.

وهي معادلة صعبة، لايمكن أن لأحد أن يدعي قدرته على ضبط الأمور وسط وضع متردي كالوضع العراقي، وأحسن أنواع الحلول السيئة أن يتوفر لدى الشعب العراقي قادة أحزاب وشيوخ عشائر و علماء دين كالشيخ فواز الجرباء وغازي الياور إضافة إلى حكمة الشيخ السيستاني وبعض الشيوخ الحكماء كي يمنعوا اشتعال حرب طائفية لا يتمناها سوى من يريدون للعراق الشر سواء من الأعداء أو من يشاركونهم العداء من بقايا النظام الفاسد. أما أن يتحدث شيخ كالضاري بتلك اللغة الاستفزازية غير العاقلة، و هو الشيخ الذي لم نعرفه إلا بعد سقوط النظام الصدامي ولا نعرف له موقفا في السابق مناهضا للظلم والمجازر التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، فان ذلك يثير علامات الاستغراب أن يتحدث شخص يقال انه شيخ عشيرة ودكتور جامعة مهددا بإثارة الفتنة بسبب مقتل شخص أو عدة أشخاص ومتناسيا مئات القتلى من أبناء الشعب العراقي دون أن يهدد الآخرون بإثارة الفتنة بالرغم من تعرضهم للظلم والذبح منذ أربعة قرون وحتى الوقت الحاضر. وأقصد بالآخرين أغلبية الشعب العراقي في الشمال والجنوب والوسط، الذين هبوا بعد سقوط النظام يمدون أيادي العفو والتسامح وداعين إلى بناء عراق جديد مبني على أسس العدالة والحرية والديموقراطية.

لكن الشيخ الضاري الممثل لأقلية لا تمثل رأي السنة العراقيين الذين يشاركون أغلبية الشعب العراقي توجهه لبناء عراق جديد، لا يريد أن ينضم إلى تلك الأحزاب العديدة التي تمثل أصناف التنوع العراقي متذرعا بمقاومة الاحتلال الأمريكي، في الوقت الذي يهدد بإشعال حرب طائفية سوف تدعم وجود الاحتلال أكثر من أن تدفعه إلى الخروج من أرض العراق. والجميع يعلم أن اتحاد كل فئات الشعب العراقي ضد عمليات الإرهاب والاحتكام إلى حكم الديموقراطية، هو الحل الوحيد لنجاة العراق من محنته والمبرر الأهم لخروج القوات المحتلة.

إن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني يحتم على الشيخ الضاري أن يمثل حكمة الشيوخ، وينتمي لفكر الأكاديميين، كي يسعى ضمن الشيوخ الحكماء والمفكرين العلماء لتجنيب الشعب العراقي شر الفتن. وأن يبتعد عن ممارسة اللعب على عواطف العامة من الشعب العراقي الذين دفعوا الكثير دفاعا عن بطولات وهمية في عهد صدام حسين، ويراد لهم دفع المزيد من التضحيات دفاعا عن مصالح شخصية لبقايا ذلك النظام والخاسرين بزواله. وليعلم الشيخ الضاري أن الناس تعلمت من دروس الماضي، ولم تعد قادرة على تقديم المزيد من التضحيات سوى من أجل الحرية.

لقد فرح المحبون للشعب العراقي، عندما سقط النظام القمعي وخرجت الجماهير العراقية بتلك العفوية الرائعة تردد: هذا الوطن ما نبيعة، إخوان سنة وشيعة، ولا يزال المخلصون يراهنون على حكمة الشعب العراقي حتى وان تخلى بعض المتحزبين عن حكمتهم.

وعلى الحكومة العراقية الجديدة أن تتولى زمام الأمور وتحكم بالقانون وتمنع كل من يريد أن يمثل حكومة داخل الحكومة المنتخبة من الشعب العراقي، سواء كان ذلك الذي يعمل ضد القانون من منظمة بدر أو من هيئة علماء المسلمين.

سالم اليامي [email protected]