لماذا لاتظهر إتفاقية دولية لتنظيم سوق العمل حول العالم تمهد لظهور منظمة سوق العمل الدولية على غرار الإتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية (الجات).

وتكون هذه الإتفاقية متعددة الأطراف تنص بنودها على تنظيم سوق العمل الدولي من خلال المفاوضات الجماعية بهدف التوصل الى إتفاقيات خاصة بسوق العمل وتهدف هذه الإتفاقيات الى تسهيل حركة العمالة والطاقات البشرية بين الدول وتخفيض الضرائب الخارجية على هذه العمالة بشكل عام حتى لايحدث هناك إزدواج ضريبي يكون ضحيته العمالة المهاجرة. كما أن تقييد هجرة العمالة من بلد الى بلد آخر يعتبر عقبة أمام التجارة الدولية وأمام الشركات متعددة الجنسيات وعقبة أمام خلق شبكة متوازنة وعادلة من العلاقات التجارية الدولية والإنسانية.

ويكون لها مباديء رئيسية مشابهة الى حد ما لمباديء إتفاقية (الجات). ويمكن أن نلخص هذه المباديء الرئيسية التالية :

(1) مبدأ عدم التمييز بين العمالة الوطنية والعمالة الوافدة التي تؤثر بدورها على التجارة الدولية وهو يعني إلتزام كل دولة عضو بإعطاء جميع الدول الأعضاء نفس الدرجة من الأفضلية التي قد تمنحها لأفضل شريك في سوق العمل وهذا الشرط يضمن المساواة في المعاملة بين جميع العاملين في سوق العمل ويمنع الحواجز الإنتقائية على هذه العمالة. بحيث تمنع الرسوم والضرائب المفروضة على العمالة ورسوم التأشيرات.

(2) منع جميع أشكال القيود على حركة العمالة والطاقات البشرية بين الدول حيث يعتبر أن القيود على سوق العمل فيها نوع من الإنحياز والتمييز بين البشر.

(3) ضرورة عودة الدول الأعضاء الى التشاور والتفاوض لحل ماقد يطرأ من نزاعات وخلافات حول سياسات سوق العمل من خلال منظمات العمل والنقابات العمالية المختلفة. ولابد من توفير الإطار المؤسسي اللازم لتمكين الدول الأعضاء من إجراء المفاوضات والمناقشات حول السياسات العمالية وتخفيض الحواجز المفروضة على سوق العمل الدولي.

ولهذا تقوم الدول بإعداد قائمة بالمزايا التي ترغب في الحصول عليها والأخرى التي ترغب في منحها لعمالة الدول الأخرى ولايمنع أن تأخذ طابعاً ثنائياً في بدايتها إلا أنها ينبغي أن تكتسب بعداً دولياً متعدداً لأنها تعمم على جميع الدول الأعضاء الموقعة على هذه الإتفاقية.

كما ينبغي أن تتم جولات من المفاوضات بين الدول الأعضاء للعمل على التوازن في سوق العمل وتبادل الخبرات من خلال تنمية الموارد البشرية والعلاقات الإنسانية.

ويكون الهدف من جولات المفاوضات هو تخفيض جميع أنواع الضرائب ورسوم التأشيرات المفروضة على العمالة المهاجرة من دولة الى أخرى بحيث يؤدي ذلك الى تقارب معدلات الأجور والمرتبات لمختلف التخصصات المتشابهة حول العالم من خلال التعاون مع النقابات المهنية المتعددة وفي جميع دول العالم.

كما ينبغي على الدول العظمى في هيئة الأمم المتحدة أن تقوم بتشريع إصلاح سوق العمل العالمي. كما ينبغي أيضاً أن تقوم الدول الموقعة على الإتفاقية بالتركيز على إزالة و/أو تقليص عدد كبير من القيود الإقتصادية والسياسية والإجتماعية المفروضة على سوق العمل.

كما ينبغي أن تضع في الإعتبار أهمية حقوق الملكية الفكرية وبراءات الإختراع وسياسات التحديد الإختياري لحركة هجرة العقول بين الدول وهجرة العمالة المختلفة.

كما تقوم الدول الموقعة على هذه الإتفاقية إلغاء جميع القيود التي تفرضها الدول على الإستثمار الشخصي في الأسهم والسندات داخل جميع الدول. وتسهيل نشاطات الشركات متعددة الجنسيات التي تلتزم بتوحيد أسعار المهن المختلفة طبقاً لمبدأ العرض والطلب حول العالم.

إذا مانجحت هذه المنظمة في تحرير سوق العمل حول العالم من خلال الإتفاقيات الثنائية والإتفاقيات متعددة الأطراف والتي لو وافقت الدول من خلالها على التخفيض الجماعي على الضرائب والرسوم بإعتماد سياسات تستند الى قواعد منظمات العمل الدولية توافق من خلالها كل دولة على بعض القواعد الدولية الصادرة عن منظمات العمل الدولية فقد تكون بذلك قد حررت سوق العمل وعملت على التوازن الطبيعي في معدلات الأجور والمرتبات والقضاء على شبح البطالة والفقر الذي بدوره يولد الإرهاب والنزاعات بين الدول بل والحروب أيضاً. كما يلاحظ أنه من الصعوبة أن تقوم كل دولة على حدة بتخفيض القيود التي تفرضها على العمالة الوافدة لديها أو التمييز بين أجور خاصة بالعمالة الوطنية والعمالة الوافدة.

وهنا ستتخلص الدول من المعارضة المحلية القوية من قبل النقابات العمالية أو أصحاب النفوذ أو أصحاب المنشآت المحلية المعارضة للإستقدام لأن ذلك التخفيض من قبل الدول الأعضاء وبالشكل الجماعي يمكن أن يبرر من كل دولة عضو على أساس الحاجة لفتح أسواق العمل مقابل تسهيل الوصول الى أسواق الدول الأخرى.

وبهذا تخلص الدول الى الأسلوب التعاوني الجماعي لأنه يقوم على قواعد سلوكية محددة قد تساهم في تخفيف البطالة وتحرير سوق العمل والقضاء على الإرهاب الذي يبني بعض أفكاره على الحقد والكراهية بين الشعوب.

وعندما توافق الدول الموقعة على هذه الإتفاقية فإنها تلتزم بعدم تغيير المعايير التعاونية الجماعية وهذا يساهم في زيادة التأكد وتقلل من مخاطر التذبذب العشوائي الذي يكون نتيجة سلوك دولة معينة وفي حالات معينة الأمر الذي يؤدي الى خلل في السياسات العمالية وسوق العمل.

ومن ناحية أخرى فإن وجود عدد كبير من الدول كأعضاء في هذه المنظمة ومايترتب عليه من وجود عدد أكبر من الصناعات المتأثرة في هذه الدول يجعل عملية التنسيق والتوفيق بين مصالح الدول الأعضاء أمر في غاية الصعوبة.

ونحن نعلم أن تحقيق هذا الحلم سوف ينجم عنه تعقيد وتأخير في المفاوضات متعددة الأطراف تحت مظلة هذه المنظمة ولكن في النهاية سيؤدي بدوره الى المساهمات الكبيرة من الدول لتحقيق سياسات التكامل الإقتصادي الإقليمي الذي بدت الحاجة الماسة إليه بعد الحرب الكونية على الإرهاب وهذا سيكون بداية لتحرير سوق العمل من الدول والمنظمات وتحرر العمال من أرباب العمل.

ونستطيع هنا أن نلخص الأهمية الإستراتيجية لتصحيح الخلل في سوق العمل الدولي بما يلي :

هناك حاجة ماسة وأهمية إستراتيجية عاجلة لتصحيح الخلل في سوق العمل بين دول العالم.

إصلاح سوق العمل لابد أن يشكل حجر الزاوية في أجندة كل الدول التي تهدف الى الإستقرار.

إختفاء النعرات الطائفية التي تتبنى التفرقة العنصرية بين الطبقات العاملة وهناك أفكار تدعي بأن تراجع دور المواطنين السياسي والإنتاجي بسبب البطالة وبفضل العمالة الوافدة الأمر الذي يولد سياسة العنف والكراهية بين البشر.

إختفاء النظرة السوداوية التي تقول إن الإعتماد على قوة العمل الوافدة لايبشر بمستقبل للسكان الأصليين.

القضاء التام على معسكرات العمل من الوافدين في بعض الدول مما يساهم في بناء مجتمع حضاري منتج وفعال.

خلق نوع من المنافسة الشريفة التي تؤدي الى رفع مستوى مايسمى بالعمالة الرديئة غير المدربة والمدعومة محلياً التي غالباً ما تطرد العمالة الجيدة من سوق العمل.

التخلص من مقولة العمالة الوافدة الأجنبية الرخيصة تطرد العمالة الوطنية غير الرخيصة حيث سيكون هناك توازن طبيعي لسوق العمل وحوافزه.

قيام تجمعات سكانية تتمتع بخصائص المجتمع المتناسق حتى لايؤدي إختلاف الجنسيات الى صراع ثقافات وعادات وقيم بل وحروب أهلية ايضاً.

منع قيام أفكار عنصرية أو إرهابية بين السكان والتي تتبنى مقولة من أجل إيقاف مسار ضياع مجتمعات المنطقة الأصلية يجب ترحيل العمالة الوافدة الأجنبية لأنها تضعف قدرة المواطنين على تقرير مصيرهم والدفاع عن مصالحهم وتأمين مستقبلهم.

مصطفى الغريب – مينسوتا