صياغة مسودة الدستور العراقى الدائم تحولت الى عملية من الصعب جدا ايجاد شبيه لها من بين تاريخ دساتير العالم و هذا يعود بصورة رئيسية الى الظروف الغير الطبيعية التى يتم فى ظلها صياغة مسودة الدستور هذه.
انها ظروف غير طبيعية لان الاطاحة بالنظام العراقى السابق لم تتم بايادى عراقية و القوات الاجنبية التى قامت بهذه المهمة تحت شعار تحرير الشعب العراقى من الظلم و الاستبداد، تحولت فيما بعد نفسها الى قوات محتلة لا تختلف تصرفاتها من تصرفات اى قوة استعمارية فى التاريخ، و لذلك فان العملية الديمقراطية التى اضطرت سلطات الاحتلال اطلاقها فى العراق فيما بعد تحمل بصمات غير عراقية تزرع شكوك لدى الكثير من العراقين حول نوايا هذه العملية.
و هذه هى ليست التجربة الاولى للعراقين مع نظام سياسى يحمل بصمات اجنبية، فالشيعة و الكورد لم ينسوا ثمانية عقود من الظلم و التهميش فى العراق الذى اسسه الاستعمار البريطانى بعد الحرب العالمية الاولى على اسس طائفية. و السنة العرب يخشون الآن من تكرار تجربة الشيعة و الاكراد فى العقود الماضية لان هناك من يتهمهم بالشراكة مع النظام العراقى السابق فى اضطهاد الشيعة و الاكراد و هذا هو حسب رأى اتهام باطل اذ ان الدكتاتوريات لا تعرف دينا او قومية او مذهبا بل فقط الولاء للدكتاتور نفسه.
و كان من بين اقرب المقربين للدكتاتور العراقى السابق من الاكراد و الشيعة والمسيحين و حتى جرائم الابادة الجماعية كجرائم الانفال ضد الشعب الكردى اشترك فيها الكثير من الاكراد المتعاونين مع النظام السابق و الوثائق المرئية و المسموعة وا لمكتوبة و شهادة شهود من الناجين من هذه الجرائم تثبت ذلك، هذا ماعدا تحمل ابناء السنة العبأ اللاكبر من جراء المغامرات العسكرية للنظام الدكتاتورى السابق ضد دول الجوار و الشعب العراقى حيث سقط منهم مئات الالوف. و من المعلوم بان النظام البعثى السابق استولى على السلطة عن طريق انقلاب عسكرى عام 1968 و لم ينتخبه السنة او غيرهم من العراقين.
انها ايضا ظروفا غير طبيعية لانه نادرا ما توجد دولة فى العالم تختلف مكوناتها العرقية و الطائفية فى استراتيجيتها و ضعف هويتها القومية كما هو الحال فى العراق الآن.
فالشيعة الذين يتمتعون باكثرية عددية فى العراق يرون ان من حقهم حكم العراق على اساس ان الديمقراطية تعنى حكم الاكثرية، و الاكراد يرون ان من حقهم تكوين دولة قومية لهم استنادا الى حق التقرير المصير الذى يضمنه القانون الدولى لكل الشعوب و لكنهم بسبب الظروف الاقليمية و الدولية عليهم العدول عن ممارسة هذا الحق لذا يطلبون كتعويض لهم بنظام فدرالى يشبه النظام الكنفدرالى الى حد بعيد.
اما العرب السنة فيرون انهم اولى بحكم العراق لاسباب تاريخية و كعرف متبع فى المنطقة و اذا تعذر عليهم الوصول الى هذا الهدف فانهم على الاقل يطالبون بالمساواة مع الشيعة فى حكم العراق.
و بما ان الحياة السياسية فى دولة ديمقراطية متعددة الاعراق والطوائف هى ليست بسهلة و خاصة فى العراق حيث تصر الطوائف المختلفة على الحصول على امتيازات سياسية و اقتصادية فلا بد ان تكون هذه الامتيازات على حساب طائفة او طوائف اخرى. لهذا فان التحديات التى تواجه الدستور العراقى الدائم هى ليست الا معركة حول الامتيازات.
و من اجل الخروج من هذه المحنة لابد من طرف من الاطراف الرئيسية الثلاثة اى الشيعة و السنة والاكراد التنازل عن قسم من مطالبه لصاح الاطراف الاخرى من اجل الوصول الى توافق جماعى حول مسودة الدستور هذه.
يبدو ان الانظار لحل هذه المعضلة كلها تتجه الى الاكراد كاضعف حلقة فى التكوين العرقى العراقى، اذ ان نقاط الخلاف داخل اللجنة الدستورية تتمحور تقريبا كلها حول مطالب الاكراد و تحفظاتهم على مطالب السنة و الشيعة كمسالة الفدرالية، و انتماء العراق الى الامة العربية، و مسالة كركوك، و اللغة الرسمية، و حدود اقليم كردستان و تقسيم الموارد.
و هذه الخلافات هى حقا خلافات جوهرية تتعلق بالمبادئ الاساسية للدستور العراقى الدائم وعدم التوصل الى توافق حولها سوف يؤدى حتما الى فشل العملية الدستورية.
ماذا لو فشلت العملية الدستورية؟
اولا يجب الاشارة الى حقيقة بان استكمال صياغة مسودة الدستور العراقى الدائم من الناحية التكنيكية فى هذه الفترة الزمنية القصيرة المتبقية اى اقل من اسبوعين هى عملية شبه مستحيلة نظرا لتعقيد النقاط محل الخلاف.
فاقرار المبدأ الفدرالى كمبدأ هو شئ و توزيع الصلاحيات و تحديد حدود الولايات هو شئ آخر اكثر تعقيدا. اقرار نظام من هذا النوع يحتاج الى آلية معقدة فى الدستور كتكوين المجلس التشريعى اى الجمعية الوطنية من مجلسين، للاتحاد و للولايات، و منح الولايات حق النقض ضد تشريع القوانين الاتحادية او على الاقل قسم منها و آلية توزيع الثروات الطبيعية. و حتى الحكومة الاتحادية يجب ان تاخذ شكل حكومة ائتلافية مستمرة على شكل حكومات سويسرا و بلجيكا، هذا ما عدا موضوع الامن و الجيش و ابرام المعاهدات الدولية. نجاح اللجنة الدستورية فى مهمتها هذه فى هذه الفترة الزمنية القصيرة و بدون وساطة دولية هو ممكن و لكنه يعتبر اعجوبة.
فلناخذ مثلا دستور جنوب افريقيا الذى يتم ذكره غالبا مع الاشارة الى العملية الدستورية فى العراق.
صياغة مسودة دستور جنوب افريقيا من قبل برلمانها المؤقت استغرقت عامين كاملين من 1994 الى 1996 و كان قبل ذللك لجنوب افريقيا منذ عام 1993 دستورا مؤقتا حدد المبادئ الاساسية للدستور الدائم. و لم تكن جنوب افريقيا آنذاك تحت الاحتلال الاجنبى او تعانى من حروبا داخلية كما هو الحال مع العراق الآن، و كما ان الاطراف المشاركة فى العملية الدستورية كانت لها هدف رئيسى واحد وهو بناء دولة ديمقراطية تعيش كافة الطوائف و الاعراق فيها بسلام على اساس المساواة والتغلب على الماضى العنصرى بعكس العراق حيث تبحث الاطراف المشاركة على امتيازات على حسب اطراف اخرى و تنوى الانتقام. و كما كان لجنوب افريقيا قائدا و رمزا تاريخيا فى شخصية نيلسون مانديلا الذى وحد صفوف الشعب و كان يقف فوق الانتماء الطائفى. و لانجد تشابه بين العملية الدستورية فى جنوب افريقيا آنذاك و العملية الدستورية الحالية فى العراق ما عدا ان فى جنوب افريقيا قامت لجنة منبثقة من البرلمان بصياغة مسودة الدستور و لجنة مشابهة تقوم بهذه المهمة الآن فى العراق.
صحيح بان للعراق ايضا دستور مؤقت و لكن قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لم يصدر الا فى 8.3.2004 و لم تنتخب الجمعية الوطنية التى انبثقت منها اللجنة الدستورية الا فى نهاية كانون الثانى 2005 و لم تنجح الجمعية الوطنية المنتخبة بدورها بتشكيل حكومة الا ثلاثة اشهر بعد الانتخابات و اما اللجنة الدستورية فهى لم تبدأ عملها بصورة جدية الا فى منتصف حزيران الماضى حيث انضم اليها عدد من اعضاء السنة الجدد و هى لم تنجز لحد اللآن الكثير من مهامها ما عدا الباب المتعلق بالحقوق الاساسية التى يمكن استنساخها من دستور اى بلد ديمقراطى بفوارق ضئيلة.
و لهذا فانه من حقنا ان ندرس امكانية فشل العملية الدستورية فى العراق و تقيم نتائجها المحتملة.
الرابح و الخاسر فى الدستور العراقى الجديد
حسب المادة الواحدة والستون لقانون ادارة الدولة العراقية فان العملية الدستورية يمكن ان تصاب بالفشل فى حالتين. فى الحالة الاولى اذا رفضت مسودة الدستور فى الاستفتاء العام كما جاء فى الفقرة (ج) من هذه المادة:" يكون الاستفتاء العام ناجحاً، ومسودة الدستور مصادقاً عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر".
و فى الحالة الثانية اذا فشلت اللجنة الدستورية فى استكمال المسودة الدستورية فى موعدها المحدد اى الخامس عشر من آب 2005 و حسب الفقرة (ز) من هذه المادة:" اذا لم تستكمل الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستورالدائم بحلول الخامس عشر من شهر آب 2005، ولم تطلب تمديد المدة المذكورة في المادة 16 (و) اعلاه، عندئذ يطبق نص المادة 16 (ه) اعلاه".
و من الجدير بالذكر بان مسودة الدستور الدائم يكون فشلها فى كلا الحالتين عن طريق استعمال حق النقض. فى الحالة الاولى اى عند اجراء الاستفتاء العام على الدستور حيث يحق لثلاث محافظات او اكثر رفض مسودة الدستور باكثرية الثلثين على الاقل و هذا هو حق النقض. اما فى الحالة الثانية اى قبل انتهاء الموعد النهائى لاستكمال مسودة الدستور فسيكون لكل الاطراف الرئيسية المشاركة داخل اللجنة الدستورية حق النقض ضد مسودة الدستور لان المسودة يتم صياغتها بالتوافق و هذا يعنى ايضا حق النقض لكل من الطرف الكردى و الشيعى و السنى.
و فى كلا الحالتين تكون النتيجة نفس الشئ اى حل الجمعية الوطنية و اجراء انتخابات جديدة و اعادة عملية صياغة الدستور باكملها طبقا للمادة الواحدة والستون فقرة (هه) :" اذا رفض الاستفتاء مسودة الدستور الدائم، تحل الجمعية الوطنية. وتجري الإنتخابات لجمعية وطنية جديدة في موعدٍ أقصاه 15 كانون الأول 2005. إن الجمعية الوطنية والحكومة العراقية الإنتقالية الجديدتين ستتوليان عندئذ مهامهما في موعدٍ أقصاه 31 كانون الأول 2005، و ستستمران في العمل وفقاً لهذا القانون، الا ان المواعيد النهائية لصياغة المسودة الجديدة قد تتغير من أجل وضع دستور دائم لمدة لاتتجاوز سنة واحدة. و سيعهد للجمعية الوطنية الجديدة كتابة مسودة لدستور دائم آخر".
فشل العملية الدستورية فى الحالة الثانية اى قبل الموعد المحدد لاستكمال مسودة الدستور هو امر وارد جدا بسبب عامل الوقت و التباين الكبير بين مواقف الاطراف المشاركة، و لكن رفض مسودة الدستور فى الاستفتاء العام هو امكانية ضئيلة جدا نظرا لمبدأ التوافق الذى تعتمد عليه اللجنة الدستورية مما يعنى بان اذا حصل توافق بين كافة الاطراف داخل اللجنة الدستورية حول مسودة الدستور ستقوم حينئذ المرجعيات و الاحزاب والشخصيات المشاركة فى اللجنة الدستورية و الجمعية الوطنية بتوصية المصوتين على مسودة الدستور على التصويت لصالح المسودة و من المعلوم بان التصويت فى العراق يتم الى حد كبير على اسس طائفية.
و فى كلا حالتى نجاح او فشل العملية الدستورية الحالية سيكون هناك خاسر رئيسى و هو الطرف الكردى لان الجدل الدائر الآن داخل اللجنة الدستورية كما ذكرنا قبلا يدور تقريبا كله حول مطالب و تحفظات الاكراد و لذلك فان الوصول الى اى توافق حول المسودة هذه لا يمكن ان يتم الا على حساب مطالب الاكراد.
و فى حالة فشل العملية الدستورية سواء قبل الموعد النهائى او عند الاستفتاء عليه سيكون الاكراد مرة اخرى اكبر الخاسرين او الخاسرين الوحيدين و سيكون السنة العرب من بين الرابحين لان الاكراد استفادوا الى حد كبير من عدم مشاركة السنة فى الانتخابات الماضية مما ادى الى انخفاض المعدل الانتخابى لان المعدل الانتخابى يتم استخلاصه من تقسيم عدد الاصوات الصالحة على عدد مقاعد الجمعية الوطنية اى رقم 275 فكلما ازداد عدد الاصوات الصحيحة كلما ارتفع المعدل الانتخابى فمثلا فى حالة وجود ثمانية ملايين من الاصوات الصحية يكون المعدل الانتخابى الناتج من تقسيم عدد ثمانية ملايين على عدد 275 و النتيجة تكون حوالى تسعة و عشرون الفا و فى حالة وجود اثنى عشر مليونا من الاصوات الصحيحة سيرتفع المعدل الانتخابى الى اكثر من ستة و اربعون الفا. و بما ان مقاعد الجمعية الوطنية يتم توريعها على القوائم المشاركة فى الانتخابات من خلال تقسيم الاصوات الصحيحة التى حصلت عليها كل قائمة على المعدل الانتخابى فان حصة كل قائمة ستتقلص بازدياد المعدل الانتخابى و هذا يطبق بالاخص على الحالة العراقية لان التصويت يتم على اساس طائفى مما يعنى بان هناك عدد شبه ثابت من الاصوات التى يمكن ان يحصل عليها القائمة التى تمثل طائفة ما. و لهذا فان عدد المقاعد التى يحصل عليها الاكراد فى الانتخابات الجمعية الوطنية المقبلة سوف يقل بكثير من العدد الحالى اى سوف يكون ما بين 18_20% من المقاعد اى48 الى 55 مقعدا بدل 75 مقعدا فى الوقت الحالى. و ان الشيعة بما انهم استثمروا طاقاتهم التعبوية القصوى فى الانتخابات الماضية و حصلوا على ما يقارب 51% من مقاعد الجمعية الوطنية فانه من المنتظر ان يحصلوا على نسبة تقل من عدد المقاعد الحالية اى 140 بسبب ارتفاع المعدل الانتخابى و لكنهم سيحتفضون باكثريتهم.
و حتى لو قدرنا نسبة المقاعد التى سوف يحصل عليها السنة فى الانتخابات المقبلة بنفس حصة الاكراد فسوف يكون بوسع السنة والشيعة تشكيل تحالف برلمانى فيما بينهما يضمن لهم بسهولة اكثرية الثلثين اى 183 صوتا او اكثر من اصوات اعضاء الجمعية الوطنية. عندئذ لا تحتاج هذه الاكثرية الى دعم من الكتلة الكردية لانتخاب رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و اعضاء الحكومة و يمكن لهذا التحالف تشريع القوانين التى يراه تتناسب مع وجهات نظره.
اضافة الى هذا فان الاحزاب الكردية ارتكبت من الناحية الاستراتيجية خطأ فادحا عندما رشحت اشخاصا لتمثيل الاكراد فى الجمعية الوطنية على اسس عشائرية و عائلية و ولاءات شخصية حيث يمكن اعتبار بعض من هؤلاء داخل الجمعية والوطنية و اللجنة الدستورية اشخاص شبه اميين سياسيا. و هذا يعود الى الاعتقاد الخاطئ لدى قيادات هذه الاحزاب بان العملية الدستورية لا تعدو كونها مناورة تمويهية لان الدستور العراقى الدائم حسب رئيهم الخاطئ سوف يحمل بصمات امريكية على غرار قانون ادراة الدولة العراقية و هذا سيكون حتما لصالح الاكراد كالمتحالفين الرئيسين مع الامريكين.
و لكن الذى جاء فيما بعد كان عكس ذلك تماما اذ حصل تقارب بين عرب السنة و الامريكين و ان امريكا هى الآن بصدد اجراء التحضيرات اللازمة للانسحاب من العراق لانها تنوى اصلاح الخطأ الذى ارتكبته بعد اسقاط النظام اى عندما غيرت وضعها القانونى فى العراق من المحرر الى المحتل فى آيار 2003 و كان هذا القرار بمثابة دخول الى حرب شاملة ضد العالم العربى و الاسلامى لا ترغب امريكا اصلا فى خوضها لهذا فهى تغازل او حتى تتملق للسنة كامتضررين رئيسيين فى الحرب على العراق و لتخفيف حدة الكراهية الاسلامية و العربية ضد امريكا.
و كما ان الامريكيين فقدو الامل فى الاحزاب الكردية الرئيسية لتحويل كردستان العراق الى نموذج للديمقراطية للعراق او حتى للشرق الاوسط لان هذه الاحزاب قامت بدل ذلك بتحويل كردستان العراق الى قلعة للاستبداد و سرقة اموال الشعب و خروقات جسيمة لحقوق الانسان كالقتل و التعذيب و قطع الانوف والآذان و هتك الاعراض و هذا كله تحت الحماية الامريكية لان الاكراد و غيرهم من المنطقة يعرفون تمام المعرفة بان كل ما حصل عليه الاكراد من مكاسب و امتيازات فى العراق منذ عام 1991 كان من المستحيل تحقيقه بدون الدعم الامريكى المباشر. فامريكا هى التى انشأت المنطقة اللآمنة فى كردستان العراق عام 1991 و قامت بحمايتها مباشرة و بعد اسقاط النظام العراقى السابق فى نيسان 2003 كان الامريكيون وراء منح الاكراد امتيازات اضافية كالاقليم الفدرالى و حصة لا بئس بها من الميزانية العراقية لا يعرف احد بالضبط مصيرها لحد اللآن. لهذا فان سحب الدعم الامريكى من الاكراد كما يلوح الآن فى الافق يعنى بالتأكيد خسارة كل المكتسبات التى حققها الاكراد بدعم امريكى و فى ظل غياب هذا الدعم سوف لا تتجاوز حقوق الاكراد فى العراق حقوق الاكراد فى الدول المجاورة.
و حتى النظام الديمقراطى الذى من المنتظر تبنيه فى العراق لا يشكل دائما ضمانا لمنح حقوق الاقليات بل بالعكس ففى بعض المرات تكون الديمقراطيات خطرا اكبر على حقوق الاقليات من الدكتاتوريات لان الحكومة فى النظام الديمقراطى تمثل رأى الاكثرية و لو كانت الاكثرية ضد منح الاقليات حقوقها فعلى الحكومة مراعات هذا الموقف من اجل ضمان اعادة انتخابها بينما يتصرف دكتاتور ما حسب مزاجه الشخصى و منهم من يحب اقلية معينة او يقوم بابادتها.
و لعل تركيا هى خير دليل على قولنا هذا حيث حرم الاكراد فيها من ابسط حقوقهم منذ تاسيس الدولة التركية العصرية بعد الحرب العالمية الاولى لان اكثرية الشعب التركى هى ضد منح الاكرد حقوقهم و تركيا هى دولة ديمقراطية بمفهوم تداول السلطة عن طريق الانتخابات و لكنها ديمقراطية بدون حقوق الانسان. و نفس هذا النموذج يمكن تكراره فى عراق ديمقراطى.
و لذلك فكل الدلائل تشير الى خسارة الاكراد فى المعركة السياسية المقبلة خسارة فادحة و لم يبقى بيد الاكراد سوى سلاح استراتيجى واحد و هو اجراء استفتاء رسمى حول تقرير مصير اقليم كردستان و لكن القيادات السياسية الكردية سوف لا تتجرأ فى استعمال هذا السلاح خوفا من الدفع العكسى اى خشية ان تؤدى خطوة كهذه الى فقدان القيادات السياسية الكردية، و هى فى الحقيقة تتكون من بعض العوائل المتسلطة على رقاب الاكراد عن طريق القوة، لامتيازاتها السياسية و المادية و هى بالنسبة لها اهم من كردستان و شعب كردستان.
التعليقات