وجه المركز الدولي لدراسات امريكا والغرب رسائل الى بعض الكتاب والمفكرين عبر بريدهم الالكتروني ومن بينهم كاتب السطور يستفسر منهم عن تصدير الديمقراطية ومدى نجاحها اضافة لبعض الاسئلة ذات الصلة بين الديمقراطية والرفاه الاجتماعي...
ولمعرفة ذلك اود القول ان بحوثا كثيرة كتبت من خلالها عن نفس الافكار ونشرتها في مواقع كثيرة على الانترنيت تتحدث عن الديمقراطية كمفهوم سياسي ومن الاصح ان نضفي عليها اصطلاحا فلسفيا يتوائم ونهجها ليس من باب الاسقاط عليها ولكن كون ذلك يسير في طريق التكامل السياسي معها اذا ما علمنا ان الرفاه الاقتصادي يشكل ثالوثا اجتماعيا لشروط نجاحها.
وكما يجب القول ان الكثير من المصطلحات السياسية التي امتد بها الزمن وتحت تأثير الحاجات الانسانية لها تتحول جدليا من حالة بسيطة الى حالة اخرى اكثر اهمية ليس من باب التصحيف ولكن بالانتقال التدريجي حذفا واضافة لكيانها شانها في ذلك شان اللغة او الاخلاق او القانون او ماشابه ذلك على صعيد الصيرورة والنمو والتطور والمآل الى الشيخوخة ومن ثم الولادة واعادة دورة النمو واستمرار الحياة وحسب قوانين الاستجابة والرفض وبيئتهما....
ان كلمة ديمقراطية لم تعد باللاتينية حكم الشعب كمدلول يوناني سياسي بل هي الاخرى تطورت وخضعت بدورها لشروط الحياة وواقع تطور الشعوب الاقتصادي والبيئي والتباين الجغرافي حتى انتهت لان تكون العلاقة الودية بين الحاكم والمحكوم وان تلزم الحكام بالسير على وفق خط معين من الحريات لتكون مقياس صحها وتصحيح خطاءها بغض النظر عن ان تكون هذه الحرية دينية او اثنية قومية او سياسية او فلسفية او فكرية......
ان العودة لصحة او عدم صحة تصدير الديمقراطية كما طلب مني ذلك..يثير. اسئلة اخرى!!!
هل ان الديمقراطية قابلة للتصدير ؟حالهاا في ذلك حال بقية السلع ؟ ام هي فكرة منتجة ؟ وهل تخضع لحقوق الملكية الفكرية ؟ ام ماذا؟ للجواب على ذلك.. يجب القول ان الديمقراطية لاتصدر ولا تنتج على اساس حق الملكية الفكرية بل تتبادل ثم تنتقل وتصادر ومن ثم تفرض حسب مقتضيات المصالح وتنتزع حسب نضج الارادات وتستثمر على اساس الرغبات وتخضع للتطور الاقتصادي والاجتماعي لتتحدد على ضوء ممارستها كونها مقياس حضرية المجتمع من تخلفه. كما ان معانيها واسباب وجودها وشروط انتقالها من حالة لاخرى محكومة باليات تطور المجتمع ودرجة نضجه.. فهي ابان صيرورة النهضة الصناعية تمثل الخط الساخن الفاصل بين الاقطاع والكنيسة من جانب ومن الجانب الاخر التحرر الذي مثل خطة النمو البرجوازي من خلال الصناعات البدائية وبلورة راس المال الصناعي وارتباط ذلك بالراسمال التجاري والخدمي الذي كان الحاضن الاول لولادة التطور الحضاري البيئي والسياسي واللبنة الاولى الاكثر صحة للبناء الفوقي الذي تبلورت من خلاله الافكار الديمقراطية بافصح معانيها واكثره قدرة على التعبير وتعدد اولويات الحريات التي وقف ضدها النظام الاقطاعي ووظف الدين والكنيسة لاغراضه حتى وصل الحال بان تطبع تلك القرون بطابع النظام الاقطاعي البطرياركي متحدين بنظام اقتصادي سياسي ديني تجلى في مواجهة ومقاومة الوليد الصناعي البرجوازي الذي حمل في ثناياه بذور سمة جديدة للحياة لم تكن متصورة لمن سبقها بشكل بين ومن ابرز مميزات هذا التطور وجود راسمال واسباب تنوع حرفي و صناعي بالارتباط مع تمركز الاسواق وحركة نمو مالية وانتاج سلع معدة للبيع واليات لانتقالهاوهذا يفرض بالضرورة وجود خدمات متعددة تبعا لتنوع وسائل الانتاج والحاجة لترابط مكونات ميكانيزم الانتاج وكذلك افكار تتناسب وطبيعة هذا التطور وبعد صراع تناحري حاد بين القوى المعارضة للتجديد والقوى المجددة واستغراق زمن وهدر بالارواح وراس مال وما الى ذلك وصلت البشرية بانجازها الكبير لانتاج الكهرباء الذي يمثل بحق النقطة الفاصلة بين الحضارة والتخلف فاتسعت الاسواق وتطورت المواصلات وتعددت الطرق وكثرت عوامل التجديد وساهمت انضاج شروط نجاحها وجاء دور البحوث العلمية وانتزعت موقعها عنوة واحتلت حيز لها من بين شرنقة التخلف وضبابية المراوحة واتضحت معالم الصعود وظهرت الحاجة الحقيقية للديمقراطية وبانت معالمها اكثر وهنا يثار سؤال.. هل الديمقراطية ظاهرة غربية ام شرقية ؟ وما هي علاقتها بالحريات وتعدداتها..؟ للاجابة نقول الديمقراطية..هي ظاهرة سياسية اجتماعية وهي نتاج وحدة العقل البشري عموما وهي الاب الشرعي لجميع الحريات اذا ما نظرنا الى ذلك من داخل اطار المفاهيم الفلسفية والسياسية كونها طروحات انسانية واحدة بعيدة عن الاهواء الشخصية والرغبات الضيقة التي تحكمها المصالح الخاصة عبر تكوين السلطات القمعية وماافرزته من سلوك اناني ابان تاريخها التعسفي الطويل الذي خلق تراكم فكري خليط من الوهم والخرافة لتسويغ الاذلال وتبرير الاستغلال وخلق الارضية المناسبة لاضطهاد المجتمع بشكل عام وامتهان المراة وتحويلها الى كائن انساني من الدرجة الثانية بشكل خاص ومن افرازاته السلبية ايضا التمييز بين الجنس الابيض والاسود ومن خلال انتقال اليات الصراع دوليا وكيفيا تبعا لتطور وسائل العيش ومقومات الانتاج تجسدت انماط اخرى من التمييز بين الشرق والغرب وتعميق الصراع بين المدينة والريف وتاجيج مشاعر الرغبة في الحروب تحت ذرائع ليس لها من اساس سوى الطموح الشخصي بالهيمنة والاستحواذ على الثروات كنتيجة طبيعية من هكذا سلوك وكنتيجة منطقية لذلك وضعت الكثير من وشائج الترابط غير الطبيعي بين الغرب المتقدم والشرق المتخلف وبالقدر الذي بدات فيه البيئة الحضرية الغربية تتقدم تخلفت بيئة الشرق اكثر وصار للاضطهاد معنى اخر مقرون بتفسيرات للديمقراطية واهية وصار من تطبيقات الشريعة في الشرق قيود اكثر متانة على معاصم النساء وازدادت الهوة في مساواتها مع الرجل الشرقي بعد المجئ بسلاطين الشرق وصناعتهم راسماليا وتقنين ديمقراطية خاصة بهم وضعت في قنينة التعسف لتقطيرها الحريات للشعوب وفق الحاجة لمصالحهم ولم يعد لتلك الكلمات التي قيلت اكثر من الف واربعمائة سنه للخليفة عمر بن الخطاب (رض) قيمة تذكر وهو من قادة المسلمين الاوائل (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار ) او (الحرية حق للفرد ضمنته لحظة الميلاد ) هذه الكلمات الجميلة والرائعة التي تعتبر بحق افضل ما قيل عن الديمقراطية لكنها غير قابلة للتحقيق مالم تتوفر لها شروط تطبيقها دليلنا في ذلك سلوك الحجاج او امثاله في الفترتين الاسلاميتين الاموية والعباسية وما جرى بينهما من تعسف الذي رافق السلوك السلطوي لمن يدعي الولاء للاسلام وللخليفة عمر على حد سواء.مثال اخر قال صدام( الديمقراطية مصدر قوة للفرد والمجتمع )صحيح ذلك جدا ولكن ما قيمة قوله واجهزة مخابراته حولت العراق الى مسلخ بشري او بحروبه ضد الشعبين الايراني وهو مسلم وغزوه دولة الكويت وهي مسلمة وشقيقة عربية وبشاعة حالات التعسف والاغتصاب التي تعرض لها الشعب الكويتي والغاءه من الخارطة ااتبان فترة غزوه المتوحش. من كل ما تقدم نجد العلاقة بين الديمقراطية والسلوك التطبيقي ابعاداجتمعيه حضريه و اقتصادية وسياسية تخضع للجغرافية والتاريخ معا فهي لم تكن في فرنسا نفسها في انكلترة سابقا وهما دولتان اوربيتان جغرافيا ولم تتشابه في المانيا وامريكا وهما من جغرافية مختلفة اذا ما اخذنا ذلك تاريخيا –كذلك- بقيت متباعدة في تطبيقاتها الغربية عموما عن واقع الشرق وبقيت افكار عالم الجنوب بعيدة كليا عن التطبيقات بالرغم من الصراخ العالي لسلاطينه وينطبيق عليهم قول (المفكر جورج سانتايانا.. هؤلاء لايستطيعون التعلم من التاريخ مقدر لهم ان يكرروه).
وهذا يعني التقوقع والتراجع وحفر الهوة العميقة بين الشمال والجنوب من خلال قتل الشعور بالديمقراطية واعتبار ذلك قدرا محتوما سوغته بعض الافكار الدينية بتعدداتها المختلفة واجتهاد من انشطر من مكوناتها.
ان الديمقراطية التي تصّدر من دولة الى اخرى ومن قارة الى اخرى فانها تحمل معها عوامل فسادها كونها لا تمثل ارادة الشعوب ووحدة ارادتها الانسانية بل اسوا ما فيها كونها تمثل ارادة راس المال والمصالح الجشعة اساسها للاستلاب والتعسف وبالتالي ا شراءلذمم يائسة ممن لاينظرون الى الاوطان والشعوب الا وسيلة للرفاه الشخصي واغتصاب الاوطان اسوة باغتصاب النساء. ولنا من ذلك دلائل وشواهد كثيرة من ادوات اذلال الشعوب والتسلط اسبابها ديمقراطيات الاسواق والنزوات وتخطي رؤوس الاموال وتعزيز الاقطاب والنتائج التي ترتبت عليها وهنا تتحول الديمقراطية المصدرة الى مقاسات سنتمترية تعطى حسب مقتضيات المصالح والستراتيجيات الخاصة بالشركات او الكارتلات اما الديمقراطية بمعناها الحقيقي الراهن وتطبيقاتها الواقعية حاليا وبعد عوامل التطور واسبابه ولكونها نتاج وحدة العقل البشري حاليا وتحت تاثير عوامل عديدة ومنها الاتصالات الالكترونية وتحويل العالم الى قرية صغيرة من خلال مفاهيم العولمة واتساع منظنمة التجارة العالمية وتطبيق قوانين الايزو i.s.o وفشل الافكار الشمولية على مستوى العالم وتدفق رؤوس الاموال وفتح الاسواق والتقانة العالمية وعلى جميع الاصعدة والتقدم الهائل في مجال الهندسة الوراثية وكذلك في مجالات العلوم الطبيعية والانسانية والتطور الهائل في مجال البحوث وتعدداتها وتزايد الاصول المالية ومنافستها للسلع غالية الثمن كالنفط هذا كله خلق بيئة مناسبة لتسويغ الديمقراطية وتحويلها من حالة شعارات وترف لااستهلاك الىواقع حي بحياة الشعوب والمؤسسات وللترابط الوثيق بين الشمال والجنوب وبين الجنوب والجنوب من خلال تقارب المسافات ومساهمة الجميع من شعوب العالم بخلق الشروط المادية والفكرية لثقافة عالمية جعلت من صناديق الاقتراع ثمن عال لورقة التصويت اعلى من اثمان البورصات وثروة تضاهي جميع الثروات مما عزز المناخ الطبيعي للترابط الديمقراطي من خلال تداخلها وترابطها بالرفاه الاجتماعي اساسه التنمية الاقتصادية والبشرية وتحويل الحريات من حالاتها الاستهلاكية الى واقع حي لكسر قيود التخلف وصار لاطباق الفضائيات الميدان الذي وحد سماء البشرية بتقارب ثقافاتها وقرّب بين السماء والارض وقلص المسافات بين الارض والارض كاوطان وصار للديمقراطية معنى اخر من خلال تقارب المصالح وتشابكها ليس على اساس حرق لمراحل بل وفق تفسير المفاهيم ومطابقتها على ارض الواقع والمساهمة الفعالة بمشاركة جميع البشر بنسج خيمة جديدة عمادها حماية الحقوق دستوريا لجميع البشر من خلال انظمة ديمقراطية لاتخضع لتقنيات التصدير متفاعلة ومتجانسة برفاه اقتصادي متفاوت يقرب الناس بعضها بالبعض الاخر وستكون الخطى اسرع لوأد من لم يستجب بعد فوات الاوان وتاكيد حقيقة ما قاله فيكتور ديفزهانسون( من ان التاريخ ليس بساحة العاب تستخدم من اجل اثبات وجهة سياسية معينة. فالتاريخ في افضل الاحوال ينبغي ان يمثل لنا سلوى تفيد باننا لسنا ابدا وحدنا في المضمار ) وهذا ما يجب ان تفهمه الشعوب.
الباحث الاقتصادي
عبد الاخوة التميمي
التعليقات