منذ اليوم الاول لانشاء المملكة الاردنية الهاشمية التى رأت النور في ولادة يروج لها البعض على انها متعسرة، و هي تعاني من رياح عاتية لازالتها و تغيير حكمها الهاشمي و استبداله بوطن بديل للفلسطينيين،حلا ابديا للصراع العربي الاسرائيلي.

و اذا ما نظرنا الى التراكمات السياسة و حسابات السنيين لانفردنا بنتيجة ان هذه الامارة التى اصبحت مملكة بجهود الملك المؤسس عبد الله الاول وسط معارضة عربية قبل الحركة الصهيوينية لما تعجبنا من كل الزبد و اللغط المثار و الذي سيثار قادما.

الزعيم العربي الذي الهب حماس الجماهيرجمال عبد الناصر اراد الاطاحة بنظام الملك حسين و تعاون معه ضباط من الجيش الاردني و حزبيون و اخرون كانوا واجهة للبعث العراقي الند العنيد الراغب في الغاء العائلة الهاشمية من اصولها و هو ما قامت به الثورة التى انهت الملكية في العراق و ارادت ان تمتد الي الاردن و فشلت. وسوريا من الجانب الاخر و بعثها الراغب في بسط السيطرة و اتساع الرقعه التي يحكمها ثوارها و مناضليها و ايضا فشلت !!!.

هذا في الخمسينيات و الستينيات و فيما سمى المد العربي، احيانا القومي والبعثي و مرات اخرى بمسميات عديدة.

و في سنوات تلت برزت ظاهرة المنظمات الفلسطينية التى غزت الاردن في البداية سلميا و مثل اسراب الجراد حاولت السيطرة على الامور الامنية والتهام الحكم في الاردن لدرجة ان استبدل اسم جبل الحسين بأسم جبل الثورة،و حاولت هي الاخرى الاطاحة بالملك و الملكية فيما عرف تحرير فلسطين عبر تحرير الاردن.

و في كل تلك الاحوال لعب الملك الراحل الحسين دورا هاما في التعامل مع كل هؤلاء الاشخاص الحاقدين على الملكية و التابعين للاجهزة الخارجية و مرتبطين بتنظيمات غير اردنية هدفهم واحد هو السيطرة على مجريات الحكم و الغاء الملكية.

و من خلال الاجهزة الامنية الاردنية و المخابرات تم اعادة اغلب من اطلقوا على انفسهم الضباط الاحرار او محررين الاردن الى حظيرة الدولة و اصبحوا رموزا لها و من وزرائها و رجال الدولة الى الحد الذي بعض منهم تحولوا الى اشد المداقعين عن الملكية فيما بعد و تم توزير ابنائهم و ارسالهم الي بعثات للدراسة في الخارج و منهم من اصبح نوابا في البرلمان الاردني و اعضاء في مجلس الاعيان و هي اعلى سلطة استشارية للملك الحاكم في الدولة و البعض منهم حصل على اراض و اموال و سيارات و غيرها من امتيازات الدولة هبات غير مستردة.و شاهدنا الاداء الوزاري لهم و الذي تسبب في المديوينة و ارتفاع معدلات التضخم، دفع ثمنها المواطن البسيط.

وفي الوقت الذي كانوا دوما معارضين اذا هم خارج السلطة و مؤيدين لها اذا هم داخلها وبتوجيهات خارجية لبعض منهم. لم يختلف ايا منهم عن الاخر انتهازية سياسية،الا ان الواقع كان استمرارية الملكية رغما عن انفهم احيان او باستمالتهم اليها احيانا.

و بصدور العفو العام عام 1964 عادوا من الخارج بعد ان كانوا لاجئين سياسيين الى الاردن و تسلموا اغلب المناصب الحساسة فكان منهم مدير المخابرات و مدير الامن العام و وزير الداخلية و نائب رئيس الوزراء و ادمجوا في الانتخابات البرلمانية و امتلئت جيوبهم و تكدست امتيازتهم، و كل هذا دون حمدا او شكورا للملك الذي سامحهم و اعتبر ان كل ما قاموا به يأتي في اطار المصلحة الوطنية لا ضدها، و لكن !!!

و لكن العواصف لم تتوقف، فالولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس الممثل ريجان ارادات الاطاحة بالملكية و اخراجها و اقامة الدولة الفلسطينية على التراب الاردني مما ازعج الملك الحسين و جعله يذهب في رحلة سياسية سرية الى بريطانيا و يجتمع مع رئيسة وزرائها التى لعبت دورا في اقناع الولايات المتحدة الامريكية بالعدول عن تلك الرغبة.

و في محاولة اخرى قام رئيس الوزراء الاسرائيلي يهود براك بمحاولة لاخراج الهاشميين من خلال طرح خطة تقضي بجمعهم، اختياريا وترحيلهم الى اي بلد اوروبي يختارونه و دفع لهم مستحقات مالية على مدار الحياة و الى الابد، هم و كل من يرتبط بهم، على اساس ان يخرجوا من الاردن في محاولة للتمهيد لاقامة الوطن البديل على الارض الاردنية. و هو ما رفض قولا و فعلا و تفصيلا.

و في محاولات غير تلك كانت افكاربيجين و ايضا شارون احتلال الاردن عبر اربد و السلط و طرد الهاشميين، و اقامة الوطن البديل على الارض الاردنية انطلاقا من اكذوبة يروج لها، ان الاردن هي ارض فلسطينية سرقها الملك عبد الله الاول بالاتفاق مع بريطانيا.

و الاخوان المسلون الذين عقدوا صفقة مع الملك حسين في الخمسينيات في مواجهة البعث و الشيوعية و التيار الناصري و في السبعينيات و الثمانينات في مواجهة المنظمات الفلسطينية و اليسار، و هي التى امتدت الى اليوم للحفاظ على الملكية و الدفاع عنها و سمحت لهم بالبقاء في الساحة السياسية دون حلهم مثل بقية الاحزاب.

و لعبوا دورا هاما في انجاح حكومات برلمانية مثل حكومة مدير المخابرات مضر بدران الذي يعتبر من اهم الشخصيات الامنية التى ساهمت في تشكيل و صياغة التيار و تطويعه. و يدينون له بالفضل لدرجة انهم اشتركوا معه في الحكومة التى شكلها برموز منهم. و مع كل هذا فأن معتقداتهم الدينية ترى انه "لا ملكية في الاسلام" و ان الديمقراطية بدعة غربية و يجب تطبيق الشورى، و هدفهم النهائي غير المعلن اقامة الخلافة الاسلامية. و سواء كان التيار الديني في حضن النظام او خارجه فأنه يشكل تهديدا للملكية تماما مثل الثعبان في البيات الشتوي. و هو نفس التيار الذي تحالف مع الرئيس السادات ثم انقض عليه و اطلق عليه الرصاص فارداه قتيلا، و يحب الاستفاده من تجربة الاخوان السياسية في مصر في ايام السادات، فالتاريخ يكرر نفسه.

و في مقابل كل هذا و ذاك فأن هنالك تيارات شرق اردنية ترى انها احق بالحكم من الملوك الهاشميين و هي تيارات عشائرية، بعض منها وقفت و حاربت في الثورة العربية الكبرى و بالتالي يحتفظ لها النظام بالمقاعد و المزايا و لكن بعض منها تحكمه المعارضةالداخلية. و ما حدث في الثقة البرمانية لحكومة شقيق مضر بدران الرئيس الحالي عدنان بدران هو المثال الواضح لهذا التأثير.

اذن الاردن ليس هينا حكمه، فالعوامل الخارجية اكثر من الداخلية، ويعتقد البعض ان اقامة الوطن البديل هي النهاية القادمة الحتمية، لدرجة ان البعض يذهب الى ان الاتفاق الذي تم في لندن بوجود الملك الحسين رحمه الله و رئيسة وزراء بريطانيا هو ان تبقى الملكية مع تواجد فلسطيني وحقوق كاملة و ادماج لهم في المجتمع الاردني و الاالعاقبة وخيمة.

و ربما هذا ما جعل طاهر المصري ابن نابلس"جبل النار" وزيرا للخارجية في اشارة مرسلة الى امريكا ان اهم منصب حكومي في الدولة في يد الفلسطينيين، و ليس اي فلسطنيين، انهم ممن اتوا في العام 1967. و كان الملك حسين رحمه الله يحرص على تقديمه الى المجتمع الدولي باعتباره فلسطينيا يتولى الخارجية الاردنية.

و بعدها اصبح نائبا في البرلمان و بدعم من الدولة ذاتها لاهمية الاظهار الفلسطيني المشارك في السلطة التشريعية، بالاضافة الى شعبيته و اهليته، و من ثم رئيسا لمجلس النواب للتاكيد على ان الحقوق مكتملة، و هي اشارة انتبه لها فيما بعد وزير الخارجية و رئيس الديوان الملكي الدكتور جواد العناني فكتب مقاله الشهير "الحقوق المنقوصة" في جريدة البيان الاماراتية و هو ترجمه لما كتب من افكار في الولايات المتحدة الامركية و تقرير معهد بروكنجز، و دفع ثمن مقاله بطرده من مجلس الاعيان و حمله اعلامية اردنية مشوهه ضده و من بعده كتاب رئيس الديوان الملكي عدنان ابو عودة "الاردنيون الفلسطينيون " التى تعتبر من اهم ما كتب عن العلاقة الاردنية الفلسطينية.

و نفس التركيبة التواجدية للفلسطيينين في الاردن و الطلبات الامريكية المتتالية، هي التى دفعت بتواجد ابناء المخيمات و النازجين في 1967 اعضاء في مجلس النواب، بل دفعت بوصول احدهم الى منصب نائب رئيس المجلس في تأكيد واضح لاستيعاب النازحين و ادماجهم في الاردن،و غيرها مما يجرى على الساحة الاردنية.

و اليوم يطرح مجددا اسم طاهر المصري الفلسطيني ذو التاريخ النظيف و النزيه و صاحب التجربة الديمقراطية كرئيس محتمل في الصالونات السياسية و النخب.اشارة جديدة الى الحقوق و الادماج و التواصل.

و يأتي تيار المتطرفين و القاعدة ليهدد الملك عبد الله الثاني، في تهديد من جديد للملكية، و تطلب منه التنحى و انها الاقرب الي وريده من جسمه، و هي تهديدات و ان حاول البعض ان يُسخفها،لكنها تحمل مضمونا يلتقى مع اطراف متشددة دينية و يجب ان تأخذ بالحسبان، خصوصا بعد صورايخ العقبة على المدمرات الامريكية.

تلك الصواريخ التى تشكل اختراقا للامن بلا شك، في منطقة حدودية ملتبهة مع اسرائيل و شرم الشيخ، و هي ايلات التى فجر الفدائيون المصريون المدمرة الاسرائيلية في السابق و اعتبرتها مصر وقتها انتصار وطنيا و اقامت الاحتفلات و الافلام عنها و منها "الطريق الى ايلات".

المملكة الاردنية الهاشمية عليها ان تتعامل مع كل تلك التيارات و الضغوطات الخارجية و الداخلية لتبقى هاشمية اردنية ملكية. و لعل كتاب وزير الخارجية الامريكي "كيسنجر"الذي اعتبر ان وجود الاردن هو مثل الملف الفاصل بين الصفحات، وقال فيه انه ان الاوان لنزع الملف، و من بعده باراك و من ثم شارون و من قبله عبد الناصر و اليوم تيار احمد الجلبي في العراق و تصريحات القاعدة و غيرها يزيد الامر تعقيدا في الساحة. و يدعو الى الانتباه و الحذر و المزيد من القراء لما ينشر و يكتب في الخارج و ترجمته و تحليله و دراسته، فاللعبة السياسية مراحل مثل مراحل العاب الاكس بوكس و بلاي ستيشن تو المنتشرة هذه الايام بين بدي الاطفال.

و اود القول ان هنالك من يكتب ضد الملكية و يحاول ان يدعو الى الديمقراطية و الانفتاح(حقا يراد به باطل)، و هو طلبا امريكيا مشفوعا باذابة الفلسطينيين في الاردن او العكس، و لكن المخطط النهائي هو اقامة الدولة الفلسطينية بمواصفات دييمقراطية على الارض الاردنية، و هو ما سيدفع باتجاه الفدرالية الاردنية الفلسطينية.

ان معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية هي التى حفظت للاردن لاول مرة في تاريخه حق الارض و الا لكانت غابت شمس الملكية عن الاردن. عفوا لانتهت الدولة الاردنية.

الاعتراف بجهود الملك المؤسس عبد الله الاول الذي حافظ على الارض من الابتلاع الاسرائيلي و الملك الباني الحسين الذي وثقها دوليا في الخرائط و الاتفاقيات الدولية هو تأكيد للدور الهاشمي في الحفاظ على الدولة الاردنية من الابتلاع و للحق الفلسطيني في دولته على ارضه الفلسطينية.

الانتباه الى الصراع و الكتابة عنه بصراحة و شفافية في الاعلام الاردني واجب لان الشمس لا تغطى بغربال، فالمنطقة امام عواصف عاتية،و الاعلام الحر هو الوسيلة للفكر النظيف و يزيل الشوائب.

و الا فمثلما كتبت عن الانفلات الامني من دول الجوار وضرورة الانتباه للاختراقات و تهريب الاسلحة عبر الحدود، و لكن للاسف منع نشره من اسبوعين في الاردن في جريدة الرأي الاردنية و نشرته "ايلاف مشكورة" تحت عنوان العراق :مولد و صلحبه غايب. http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2005/8/82552.htm

وبعده نفذ المتطرفين الى الاردن عبر الحدود و اطلقوا صواريخهم على البوارج الامريكية و ايلات و اثاروا بلبلة في العقبة و قتلوا مواطن اردني، فأيضا هنالك قنابل و الغام في مواجهة الملكية في الاردن، هدفها الوطن البديل شئنا ام ابنيا و بطرق مختلفة.

لذا فأن اختيار الوزراء و رؤوساء الحكومات يجب ان يعاد النظر فيه جملة و تفصيلا، و اشرعة الاعلام يجب ان ترفع جيدا للابحارفي مواجهة الرياح العاتية و الالغام البحرية.

الهاشميون كتب عليهم التعامل مع الالغام و نزع فتيلها عبر التاريخ الحديث.

[email protected]


د.عبد الفتاح طوقان