(1)
في الأسبوع الماضي كتبت خاطرة الصيف وهي مقالة عفوية فيها نقد مبطن للشيعة في العراق الذين يتزاحمون إلى مقابر الموت وكأنه جزء من عقيدتهم. وقد وردني العديد من الرسائل بعضها وهو القليل يؤيدني فيما ذهبت إليه وبعضها يهاجمني ويتهمني بالتعصب. وهاأنا أتجه هذه المرة بنقد الجانب الآخر للإسلام السياسي معمما في العنوان علما أن ما أقصده هو تلك الفئة التي أساءت للإسلام والمسلمين بشكل عام لكن عدم تحديد تلك الفئة من قبل المنتمين إلى الإسلام السني بشكل واضح يجعلني أعمم هنا بالرغم من معرفتي أن الإسلام السني بريء من ذلك. لكن سكوت دعاة وقادة الإسلام السني عن ما يرتكب هذه الأيام باسم الإسلام السني يستحق أن نوجه نقدا عاما كون ما يحدث من جرائم بحق الأبرياء ومن دعوات إلى الطائفية وتمزيق صف الأمة دليل على انهيار أخلاقي وهزيمة نفسية خطيرة يتحملها دعاة وقادة الإسلام السني، حيث لم نسمع يوما أن دعاة الإسلام الشيعي في العراق دعوا إلى قتل أبرياء السنة في العراق حين كان صدام يرتكب المجازر الجماعية ضدهم، ولم نسمع أن حزب الله قد دعا إلى قتل الذين وقفوا ضده من أبناء الشعب اللبناني في قتاله مع إسرائيل، فكيف بمن يدعو إلى قتل الإنسان الشيعي في العراق مهما كان بريئا. وانأ أعتقد أن سقوط الإسلام السني أو فشله لا يعني نجاح الإسلام الشيعي. بالرغم من تطور الفكر الإسلامي الشيعي في العشرين سنة الماضية وتحقيقه انتصارات هامة في المجال الفكري والإنساني. ولكن قبل أن يفرح المنتمون إلى الإسلام الشيعي بعنوان مقالتي التي تتحدث عن فشل الإسلام السني، علما أن سقوط أيا منهما ليس في مصلحة المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص إلا إذا لم يتقبلوا التغيرات العالمية الجديدة وينهجوا نهج التطوير والتحديث. لكنني أحب أن ابدي وجهة نظر هامة للمنتمين إلى الإسلام الشيعي هي : أن ما حققوه من انتصارات جهادية محترمة ونضالية وتسامح منذ الثورة الإيرانية مرورا ببطولات حزب الله وحتى توجه الأغلبية الشيعية في العراق إلى حكم الديموقراطية وصولا إلى ما بعد سقوط صدام حسين : هي إنجازات تكاد أن تذوب وتنعكس بما يشوه الصورة الجديدة للإسلام الشيعي. بسبب ما خرج عليه العامة من شيعة العراق وربما غيرهم أمام الفضائيات العالمية عبر ممارسة طقوس الجلد بالسلاسل والطعن بالسيوف كتعبير عن حزن قديم على مقتل الحسين. علما أن ذلك لم يكن له علاقة بالدين سواء في ما تحويه كتب الشيعة التي تدعي إتباعها لما يقوله أهل البيت والأئمة من ذريتهم ولا بما تحويه المراجع الإسلامية بشكل عام، ولا يعكس صورة جميلة عن ثورة الحسين واستشهاده. ويجب على الشيعة أن يحتفلوا بثورة واستشهاد الحسين بما يليق بالموقف بشكل احتفالي جميل كأن يتم توزيع الحلوى أفضل من تلك الصور الدموية التي تعكس كآبة مزمنة يجب أن تتوقف.
الإسلام الشيعي : أصبح أكثر تقدما وتحررا باعتناقه قيم الحرية والديموقراطية أكثر من الإسلام السني الذي لا يزال يرفض كل القيم الحضارية الحديثة. حيث نرى الإسلام الشيعي في لبنان يقبل المشاركة في العملية الديموقراطية الانتخابية في الوقت الذي يمارس دوره النضالي في تحرير الأرض. وفي العراق نرى الأغلبية الشيعية تنادي بحكم ديموقراطي حر في الوقت الذي ترفض الأقلية السنية ذلك وتنادي بعودة الاستبداد وحكم الفرد ( كحالة فريدة وغريبة ) حيث المعروف أن تنادي الأقليات بحكم ديموقراطي وليس العكس.
ولا ننسى الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه الشيعة بشكل عام تحت حكم الانظمة السنية، بعكس ما يدعو إليه الأغلبية الشيعية في العراق من منح كامل الحقوق لجميع طوائف الشعب العراقي. بل أن الإسلام السني عبر إقصاءه للشيعة وخلق المزيد من النزاعات الطائفية وتشويه الآخر الشيعي حتى عبر الكتب المدرسية هو ما ساعد على تمزيق الأمة وتفريقها وإضعافها وتسليمها لقمة سائغة للمستعمر. وعندما أصبح الخطر يهدد مصلحة الإسلام السني السياسي لم يعترف بأخطائه وتحالفه مع الآخر ضد نصف المجتمعات الإسلامية بل عاد ليتهم الإسلام الشيعي بالتآمر عليه وتحميله ما ارتكبته خطايا الإسلام السني في حق المسلمين عامة والعرب بشكل خاص طبقا للقول ( رمتني بدائها وانسلت ).
والإسلام السني في الدول العربية بوجه الخصوص لم يمارس إقصاءه ضد الشيعة فقط وإنما قام بإقصاء كل الأديان والأعراق الأخرى التي تنتمي إلى الأمة العربية جنسا أو أرضا، مما خلق نوع من التنافر بين فئات المجتمع الواحد، حتى أصبح الباكستاني والأفغاني يشعر في بعض البلدان العربية وكأنه أكثر انتماء إلى الوطن من بعض الفئات العربية.
بل ان الاسلام السني سكت عن ابشع المجازر الارهابية ضد السني الكردي في عهد صدام حسين، كتمييز عرقي عنصري لا يليق بأخلاق الاسلام العظيمة، ولا يليق بأمة يجب ان تكون السباقة في اعتناق قيم التقدم والتسامح والحرية !
كما أنه يبدو لي أن الإسلام السني يملك قيادات فاشلة وغير واعية لحركة التاريخ. مع أنها تملك جماهير أكثر وعيا من قياداتها وأكثر قدرة على التقدم إلى الأمام من الجماهير الشيعية.
أما الإسلام الشيعي : فهو يملك قيادات واعية ومحنكة ومدركة لحركة التاريخ ومتعظة من ماضي الألم، لكنها تقود جماهير اقل وعيا من جماهير الإسلام السني، وربما يكون للقمع والاستبداد الذي تعرض له الإسلام الشيعي تحت حكم الأنظمة السنية دور في ذلك.
لكن... الانتصار يكتب لمن يقوده الأكثر وعيا وحنكة والأجدر على القيادة.
آمل من المؤيدين لما سوف اكتبه في الحلقات القادمة عن سقوط الإسلام السني ومن المهاجمين أن يلجأوا إلى العقل في حوارهم ومجادلاتهم. فالأمة بحاجة إلى النقد العقلاني أكثر من السقوط بتخدير العاطفة... والزمن لايرحم !
الأمة العربية بشكل خاص : تعاني من أزمة عقل قد تؤدي بها إلى الهاوية بل أنها في طريقها الى الهاوية، والإنسان العربي بسبب انتماآته المذهبية التعصبية التي رسخها قادة ودعاة الاسلام السني فقد الانتماء إلى عروبته وأوطانه وأصبح متشرذما ما بين الباكستاني والإيراني والأفغاني على حساب أمنه وأرضه وعروبته ومستقبل أجياله.
لكنني سوف أعود بكم لأتحدث عن تلك الانتماآت المذهبية التي مزقت الأمة موضحا سبب السقوط لأحدهما كما يلوح في الأفق وسبب نجاح الآخر. في الوقت الذي أتمنى أن ينجح الحزبان في التلاحم من جديد ليس كحزبين دينيين وإنما كحزبين ينطوي تحت لواءهما كل الأحزاب والأفكار والأعراق والطوائف في سبيل قيادة الأمة إلى مستقبل أكثر رقيا وازدهارا وحضارة. والله من وراء القصد !!
والى الحلقات القادمة... فانتظرونا.. واصبروا علينا.
سالم اليامي [email protected]
التعليقات