رقم جوال مميز و رقم لوحة سيارة مميز و سيارة فاخرة آخر موديل سبورت و ساعة فاخرة و مظاهر تدل على الرفاهية و التمتع و الانشغال بالأمور الاستهلاكية و متابعة المباريات الدوري المحلي و الدور الأوروبي و الأمريكي، سباق محموم على الاشتراكات في القنوات الرياضية المشفرة و قنوات الأفلام الأمريكية و القنوات الترفيهية المتنوعة بلغات مختلفة لا يتقنها مشاهدها، هذه الأمور تجدها بشكل طبيعي بين أبناء الخليج و فتياته، نادرا ما تسمع أحد يتحدث في أمور ثقافية سياسية و اقتصادية، و أن تحدث في قضايا اقتصادية لا تتعدى الكسب و الثراء السريع مثل الأسهم و المضاربات و ليس الاستثمار، طغت المظاهر المادية و الطبيعة الاستهلاكية على المجتمع الخليجي الذي يجمع بين جوانبه المتناقضات بين طبقة ليست بالقليلة تحمل الأموال و تترفه به و بين شريحة فقيرة ليست بالقليلة كذلك تكدح من أجل لقمة العيش و كذلك تجد أسر كثيرة تبحث عن مقاعد دراسية لأبنائها.

هذه التناقضات تجدها في مجتمعات كثيرة في العالم الثالث و لا سيما في الوطن العربي، بحقبة الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي كانت مظاهر الرفاهية مستشرية ببيروت و القاهرة و الرباط و دمشق، لكن في الوقت نفسه ترى مظاهر الثقافة قوية و الشارع العربي بتلك المدن على الأقل يتسم بالحديث عن الشئون الثقافية و الأدبية و التعليم بشتى أنواعه الذي نتج عنه طبقة متعلمة و ثقافية و متخصصة من حملة الشهادات العليا الذين انتشروا بالدول العربية وهاجروا إلى أوروبا و أمريكا بحثا عن وظيفة أفضل متسلحين بشهاداتهم و ثقافتهم.

لكن يبقى الأمر دون الطموح في دول الخليج العربي الذي مر بطفرة اقتصادية متميزة في السبيعنيات من القرن الماضي و كان سكان تلك الدول حينذاك قليل مقارنة بالناتج المحلي.

لم ينشر الوعي التعليمي و الثقافي بما فيه الكفاية، لا على المستوى الرسمي و لا على المستوى الاجتماعي و الأسري بل كانت ظاهرتا الرفاهية و الاستهلاك متجلية بين المواطنين الذين نسوا كيفية تأسيس مستقبلهم و لم يهتموا بما سيحدث مستقبلا بل حسبوا الحال، سيبقى على حاله من دخل عالي و اقتصاد رعوي و أنفاق أبوي مدى العمر، أيضا الأسرة خلقت جو الاتكالية في الأبناء بتجهيز كل شيء لهم منذ نعومة أظافرهم و أحيط بالعطف و الحنان اللذين جعلهم يتوقعون الجهوزية من الملابس إلى السيارة و الزواج إلى الصرف عليهم و على أبنائهم.

هذا الجو الاتكالي الذي شارك فيه الأبوين و المدرسة و الجامعة أفرز شبابا معتمد على الآخر بداية من الأسرة إلى الدولة، حتما هذه الأجواء تخلق طالب يريد أن يكون الاختبار سهل و مساعدة من المدرسة و المعلم و يدخل الجامعة و يلتحق بالوظيفة بالواسطة، و لا مكانة للاجتهاد و بذل ما في الوسع بالدراسة و الوظيفة. زادت نسبة الحوادث المميتة التي تعتبر من أعلى الحوادث في العالم بين سكان قليل، صار البحث عن وسائل الترفيه و التمتع بالمال أمر طبيعي و مألوف، و هذا ما تشير إليه بعض الإحصائيات و حتى تعرف ذلك، ما عليك أن تقدم برنامج غنائي أو ترفيهي مفتوح لمشاركة الجمهور في أحد الفضائيات، مما لا ريب فيه سيكون أغلب المشاركين من أبناء دول الخليج و حدث بالفعل في برنامج " ستارأكاديمي " و برنامج مثل " الاتجاه المعاكس " أو " استفتاء على الهواء " لأنهما يناقشان أمور سياسية أو اقتصادية يكاد ينعدمون المشاركين فيهما من مواطني دول الخليج، ينبغي أخذ العظة من التجارب و الاستفادة من النمو الاقتصادي الهائل و البناء التنموي في خلق شباب يتحمل المسئولية الوطنية و التنموية و الاجتماعية و إن بقاء الحال من المحال.

حتى التطور الصناعي و الإنتاجي بدول الخليج الذي أنشأ في بداية 1980 بني على التفكير في استقطاب عمالة أجنبية مدربة و جاهزة التي كانت له آثار سلبية اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، ليس من السهل معالجة هذه الآثار السلبية، و أحد أسبابه لم يكن هناك تخطيط مدروس بشكل جيد و لم يتم استشراف المستقبل بوضوح، كان الهدف من التطور الصناعي و التقني على مصاف الدول المتقدمة و اللحاق بركب الصناعة بدون تكوين قاعدة تعليمية و فنية واعية، بل كان تعليم موجه لأهداف معينة أفرز هذه النتائج الخطيرة على المجتمع الخليجي

الوضع متناقض و لا يحتمل المجاملة و غض النظر، ظاهرة انغماس في الملذات و اللهو و التسلية و فئة متشددة تريد فرض واقع حسب رؤيتها و مزاجها حتى أنها استخدمت العنف و الارهاب للوصول إلى أهدافها. للتعليم و التوظيف الديني برؤية ضيقة بالمدارس و المساجد تأثيرهما المباشر على الواقع المرير المعاش.

الواقع يتطلب زرع مبادئ و قيم وطنية و ثقافية و دينية غير متشددة تقبل الآخر في عقول المواطنين الخليجيين أسريا و تعليميا تحل محل ثقافة التشدد و الإقصاء و الاستهلاك و الجري وراء الموضة بعصر الفضائيات و مواقع الإنترنت التي تستهدف تكوين ثقافة و اتجاهات معينة تلائم ثقافة المسيطر و صانع التقنية الحديثة.

علي عيسى

[email protected]