وكأن كلمة المقاومة كلمة مقدسة لا يمكن لاحد النطق بها الا بعد اداء ايات الخشوع والقيام بالوضوء لكي لا تتنجس هذه الكلمة المضللة والتي يتم بأسمها اقتراف مئات الجرائم يوميا يذهب ضحيتها عراقيون ابرياء لا ذنب لهم الا تواجدهم في الزمن الخطاء وفي المكان الخطاء.

في الزمن الاغبر زمن الموت سكوتاورعبا، زمن المقابر الجماعية واستلاب انسانية الانسان، ليس فقط حقه في قول ما يريده، زمن كان الشعب يعامل كعبيد لبعض الافراد كل ميزتها انها من عائلة الحاكم، كانت المقاومة حقا لانه لم يتم منحها اي فرصة للتعبير عن نفسها بالكلمة، كان زمن اما السكوت او القبر، فخرج العراقيون بمئات الالاف، ناهيك الذين تم اخراجهم لانهم اعتبروا اجانب، واجداد اجدادهم كانوا من مواليد العرق، خرجوا في رحلة البحث عن الذات، عن انسانيتهم التي حاول الحاكم التحكم بها لا بل تجريدهم منها، لم يكن امامهم الا درب واحد ليسلكوه، وهو درب المقاومة ليعودوا ويعيشوا في كنف وطنهم.

طلبوا العون من الاشقاء والاصدقاء، بعد ان فاقت جرائم الحاكم كل وصف، فلم يأتيهم الا الاتهام بالعمالة لهذه الجهة او تلك، فدنيا العرب لا تعرف للحاكم معارضة، وبرغم وضوح كل الجرائم فقد حضي الحاكم بكل الدعم من ضحاياه قبل اصدقاءه، وكلنا نتذكر مؤتمر بيروت للقمة العربية، عندم احتضن ممثل النظام بالاحضان واستقبل بالقبلات ولم يكن ينقصه الا الهلهولة المصرية الشهيرة.

امام كل ذلك لم يجد معارضوا النظام، الا الاتكال على مساعدة القوى الدولية، التي التقت مصالحها مع مصالح غالبية التيارات السياسية العراقية، في عملية جراحية لازمة لاستأصال كل ما يمثله هذا النظام وكانت عملية تحرير العراق التي تكللت بالنجاح يوم التاسع من نيسان المبارك، فهرب طغاة العراق واختفوا في جحورهم ولم يقاوموا، بل خططوا لتنفيذ شعارهم المعلن من انهم سيتركون العراق خرابا، وها هم اليوم يزرعون هذا الخراب والدمار في كل مكان، لقد بدأوا الخراب عندما امروا كل المؤسسات بالانحلال وبتدمير كل السجلات وبسرقة كل الممتلكات، بدوا عندما استسلمت المناطق التي كان يتكل عليها النظام بدون اي مقاومة، لكي يحفظوا امكانيتهم لمعاقبة الشعب العراقي على عدم الدفاع عنهم.

الجيش والامن والشرطة انحلت من تلقاء نفسها، تركت مقراتها وواجباتها، لان اغلب هذه الاجهزة لم يخاف المحتل كما تعتقدون بل خاف غضبة الشعب، واستمد فعلته من الاوامر المسبقة للنظام بتفكيك كل مفاصل الدولة، لكي لا تقول لها قائمة بعد، ولكي يترحم العراقيون على ايام النظام، على الاقل لانه موفر لهم الامان.

وتنطلي اللعبة حتى على اغلب التنظيمات السياسية العراقية، عندما تقول مقاومة شريفة، عندما تعلن في العلن تأيدها لقتل الامريكان لانهم محتلين، وهكذا يتشاركون مع الحاقدين ومن فقدوا سلطاتهم ومن يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، في تأيد مقتل من سفك دمه لاجل تحريرنا، والكل يدرك كم نحن بحاجة اليهم على الاقل لحين كشف كل مخابئ اسلحتهم، على الاقل لحين استكما اعادة تأسيس جيشنا وقوانا الامنية الملتزمة بالقانون فقط، ان كل من يؤيد ما يسمى بالمقاومة ولو لفظا يشارك في جريمة الدعوة لقتل جنود التحالف، الدعوة لعض اليد التي مدت لنا ساعة كنا على وشك الغرق، انه نكران جميل انه جحود واي جحود.

علنا يقولون شاركونا في السلطة ولكن ان تعملوا ما نريده نحن، اي ان يتم اعادة كل عتاة المجرمين والبعثيين الفاشيين وان يترك لهم الحبل على الغارب لكي يعبثوا في الوطن فسادا ودمارا، الحكم الجديد له مساوئ واخطاء وخطايا، ولكنه ممكن المعالجة لانه لم يكمم الافواه، حتى افواه من يعارضه وبشدة، من يختلف معه جذريا، ومع كل الحريات لمعارضة الحكم والمجال لكسب الانصار، والدعم العروبي الاسلاموي الفضائي، يلجاؤن الى القتل والتدمير لتحقيق مكاسب سياسية، لا بل لفرض رؤيتهم واجندتهم بكل السبل الغير المشروعة والتي تتنافي مع النظام الديمقراطي والياته، هذا النظام الذي ارتضاه العراقيون نظاما لتسيير دفة الحكم بعد مأسي الانظمة الدكتاتورية.

عراقيا مطلوب اليوم ان يتم فحص المصطلحات، فالمقاومة هي التي تقوم ضد نظام غير شرعي مثل النظام المقبور، والنظام الحالي جاء نتيجة لانتخابات وان شابتها اخطاء، الا انه نظام اكثر شرعيةمن اي النظم المجاورة باسثناء تركيا، انه نظام يعبر عن ما حملته صناديق الاقتراع، وهذا النظام من حقه ان يعقد اتفاقا مع اي جهة دولية لتساعده في حماية الوطن، وهذا الاتفاق يكون لمصلحة الطرفين، الا ان للسياسة ظروفها، ومن حق من يعارض هكذا اتفاق ان يعبر عن رأيه وهذا متاح واكثر من اللازم، وصناديق الاقتراع تنتظر المتنافسين في 15 كانون الاول وبعدها بعد كل اربعة سنوات، اي ان الافق للتغير موجود وحده الاعلى اربعة سنوات، اذا لماذا اللجوء الى السلاح والتقل والتدمير؟ اليس من اجل فرض اجندة معينة تخالف كل المعايير الديمقراطية؟ اليس من اجل فرض النفس بالقوة وايصال البلد الى الوضع السابق، والافق المغلق الا امام احتمال واحد وهو ان يرضى العراقيين بحكامهم السابقين ابد الدهر؟

اذا استعمال كلمة المقاومة لهذه العمليات وحتى لاستهداف جنود التحالف، هو في ابسط الامور مشاركة في جريمة تستهدف مستقبل الوطن والمواطنيين بكل تلاوينهم القومية والدينية، ان مساندة قتل العراقيين وتدمير منشأتهم واقتصادهم وسد الباب امام اي مجال للتطور هو جريمة حتى لو كانت هذه المشاركة بالدعم بالكلمة او اي صورة اخرى.