إن صراع الحضارات قد يتحول إلى صراع أديان مالم تحل قضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم التي بدأت شرارتها الملتهبة من الدانمارك وتضامن الدول الغربية معها والسؤال الآن هو كيف للدول العربية والإسلامية أن تخرج من هذه الأزمة متوحدة ؟.

وإستكمالاً للحلقات السابقة نود في البداية أن نستعرض أهم النقاط التي وردت في quot;الحلقة العاشرةquot; لنستكمل بعدها آخر التطورات والأفكار التي نشرت ويمكن تلخيص أهم النقاط فيما يلي : الحاجة الى مزيد من التواصل مع الدانماركيين لشرح الإسلام وشرح سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إن المواقف يجب أن تأخذ بعقلانية لا بعشوائية وبعموميات الموقف لا بخصوصيته، ويتساءل الكاتب هل يجوز أن نعاقب شعب لإن أحد أبناءه أساء للرسول ؟، أم ندعوا للمطالبة بتقديم هذا المسيء للعدالة.

لابد لنا من التأني في رد الفعل وأن يكون رد الفعل مساوي للفعل في المقدار ومضاد له في الإتجاه فالجزاء من جنس العمل فإذا كان المقصود من هذا العمل هو محاربة الله ورسوله فحكم الله واضح، ولم يستغرب الكاتب قيام مظاهرة حاقدة ضد الإسلام في الدانمارك بعدما قدمت الشرطة الدانماركية تصريحاً بالتظاهر ضد الإسلام في مدينة أورهوس لجمعية عنصرية تدعى quot; أوقفوا أسلمة الدانمارك quot;.

وتساءل الكاتب لماذا يحقد هؤلاء على النبي محمد بن عبدالله، إن المعلومات الخاطئة هي التي تضل بعضهم وتغرس في نفوس ذلك البعض حقدا على سيد البشر فيصورونه إرهابياً وغيرها من الصور التي لا تليق به ولعل الإنطباع الذي خلفه بعض المسلمين في الغرب هي التي ساعدت على إنتشار فكر كهذا، كما طالب الكاتب بمراجعة التاريخ لأخذ العبر وذكر قصة السلطان عبدالحميد الثاني حاكم الدولة العثمانية الذي كان يدعى بالرجل المريض الذي طالب فرنسا وبريطانيا بعدم تمثيل مسرحية لفولتير يهاجم فيها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وإستجابتا لطلبه وإمتنعتا عن عرض المسرحية، وتمنى الكاتب على العالمين العربي والإسلامي إمتلاك مثل هذا الوعي والشعور بالمسئولية.

وفي هذه الحلقة سوف نستعرض أهم ما تداولته وسائل الإعلام وآخر تطورات القضية التي مازالت تتفاعل وعلى العديد من الأصعدة ففي ندوة الإسلام في إيطاليا والولايات المتحدة شهدنا حالة من التذبذب في المواقف تجاه العالم الإسلامي ففي جانب دعا وزير الداخلية الإيطالي جوليانو أماتو الإيطاليين والغربيين بشكل عام إلى أهمية الاعتذار بشأن الرسوم المسيئة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن هذا الاعتذار ينطبق على المسلمين حين يتعرض أي مسيحي للعنف باسم الإسلام.

ولم ينس وزير الداخلية الإيطالي أن يرجع للإسلام الفضل في ظهور عهد التنوير الأوروبي، موضحا أن المسلمين في مطلع هذا القرن سقطوا في فخ الجهاد المسيحي المعروف بالحرب الصليبية، وشدد أماتو على ضرورة الحوار مع العالم الإسلامي لخلق سلام وتعايش دائمين بين الشعوب وللقضاء على المتشددين والمتطرفين في هذا العالم، وقال quot;نعم للحوار، ولكن فقط مع الذين يريدونهquot;.

أما في الجانب المضاد فقد أقامت منظمة الشبيبة التابعة لحزب الشعب الدانماركي -المشارك في ائتلاف الحكومة الدنماركية الحاكم- حفلا لرسم ما وصفته بـ quot;أبشع صورةquot; للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعرضت صحيفة quot;أفيسنquot; شريطا للحفل وأظهرت فيه صورا مسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتنص المسابقة التي أقيمت في إطار مخيم صيفي شبابي على أن من يخسر فيها يرتدي نقاباً كنوع من السخرية والاستهزاء بالإسلام.

وأوضح رئيس منظمة الشبيبة كنيث كريستيانسين أنه لم يكن متواجدا أثناء عرض الرسوم بالاحتفال، واصفا عرض الرسوم بالخطأ الكبير وأنه لا يقبل بهذا العمل إطلاقا لو كان متواجدا في الحفل، ولكنه ورفض أن يتناول مسألة الاعتذار بشكل مباشر عن عرض الرسوم واكتفى برفضها، داعيا المسلمين إلى الاعتراف بأن المسيح ابن الله تعالى، وأن عليهم أن يؤلفوا كتبا تعريفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم quot;لتحسين صورته في الغرب والتعريف بهquot;.

من جانبه قال الناطق باسم الوقف الإسلامي الدانماركي قاسم سعيد quot; إن تاريخ هذا الحزب أسود تجاه المسلمين، فتارة يشتمون الإسلام ويصفونه كمرض سرطان بأوروبا، وتارة يساوونه بالفاشية والنازية quot;، وأضاف سعيد quot;دعونا قيادة الحزب لاتخاذ موقف رسمي تجاه الرسوم ومحاسبة القائمين عليها، وذلك بطردهم من الحزب بشكل رسمي، لأن قوانينه تنص على أن أي شخص يخرج عن سياسة الحزب ويلحق أذى بتصريحاته أو أعماله تنعكس على الحزب بالضرر يفصل quot;.

أما في النرويج فقد أعادت القناة الثانية النرويجية نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم ضمن فيلم وثائقي بعنوان quot;هدد حتى صمتquot; في إشارة لرئيس تحرير الصحيفة النرويجية الذي تلقى تهديدات بالقتل ولجأ إلى الصمت والاعتذار، مثيرة عاصفة قد هدأت منذ حوالي السنة، ويبرر القائمون على البرنامج ذلك بالانتصار لحرية التعبير، وفي حين أدان القائمون على الرابطة الإسلامية بالنرويج إعادة نشر الرسوم.

وسرد الفيلم الوثائقي الأحداث التاريخية منذ اندلاع الأزمة، وعرض ردود أفعال الشارع العربي والإسلامي، واستشهادات كثيرة بخطب الدكتور يوسف القرضاوي التي حثت المسلمين على الغضب لرسولهم الكريم، ومقتطفات لخطب للشيخ أحمد أبو لبن بالدانمارك وأئمة وعلماء ساهموا بإشعال الشارع العربي والإسلامي.

وتمحور البرنامج حول شخصيتين أساسيتين وهما فيبريون سيلبيك رئيس تحرير الصحيفة المغمورة ماغزينت أول من أعاد عرض الرسوم بعد الدانمارك، والشيخ أبو لبن رئيس الوقف الإسكندنافي وأكثر شخصية اتهمتها وسائل الإعلام الدانماركية بتأليب الشارع العربي، إضافة لعرض مقتطفات لمقابلات جانبية لرئيس القسم الثقافي للصحيفة وغيرها.

وقال أبو لبن بالبرنامج لا تلمسوا محمد عليه السلام، وأرواحنا فداء الإسلام ورسوله، لقد تركنا بلادنا حفاظا على ديننا وكرامته التي من كرامتنا، ونحن مستعدون لترك الدانمارك لنفس السبب، وحمل الصحيفة مسؤولية تفجير الأوضاع، فيما تساءل رئيس القسم الثقافي بيولاندس بوسطن quot;لا أفهم العلاقة بين الرسوم والعنف الذي تبعها بالعالم الإسلاميquot;.

وعرضت القناة شخصا يتكلم دون الظهور على الشاشة يقول quot;يجب ألا نرضخ لدين (الاسلام) الذي يتعامل مع مخالفيه بقطع الرؤوس، ويجب ألا نتنازل عن حرية التعبير.

وأجرى البرنامج مقابلة مع بروفيسور إيراني يعمل بجامعة دانماركية عرفته بأنه خبير بالإسلام، وقال quot;ليست كل الصور سيئةquot; وبدأ يعرض كتبا فارسية عرضت رسوما لمعارك المسلمين وخطباء وصورة رسمت بإيران للرسول الكريم.

وأضاف الخبير quot;الإسلام ليس عدو الغرب، وليس عدوا لحرية التعبير، كما أنه ليس عدو الديمقراطية، لكن الاسلاميين هم أعداء الغرب والديمقراطية وحرية التعبير وأعداء المسلمين quot;.

ولم يخل البرنامج من استشهادات جانبية لمسلمين داعمين لرأي عرض الصور، ومستخفين بردود الأفعال الغاضبة، وتعامل معد البرنامج مع بعض التصريحات ليصب في تحقيق العنوان الذي يفيد بأن الاعتذار ليس نابعا من قناعة بخطأ بمقدار ما هو استجابة لتهديد بالقتل، وضغوط من الحكومة النرويجية.

كما أورد معد البرنامج قول رئيس الوزراء النرويجي السابق quot;نعلم بأن رسم محمد محرم بالاسلام، وما قامت به ماغزينت عمل غير مقبول، وحرية التعبير يجب أن تستعمل ضمن الأطر الصحيحةquot;.

ثم عرض البرنامج سيلبيك وهو يعتذر للمسلمين عن جرح مشاعرهم ويعلن عدم قصده القيام بذلك، لكنه يستطرد بدعوته المسلمين لتدريب أنفسهم على حرية التعبير، منتقدا خارجية بلاده لتحملها نفقات إرسال الوفود لمقابلة المسؤولين وصناع القرار لشرح وجهة النظر النرويجية. وكان ضمن الوفد رئيس أساقفة أوسلو الذي امتدح القرضاوي.

ومما تقدم نستطيع أن نستنتج أن مشكلة الرسوم المسيئة للرسول ماهي إلا مشهداً يتكرر في العديد من المناسبات فهو يعبر عن الاختلاف بين قطبي العالم الثابتين الشرق والغرب وهذا الإختلاف في المفاهيم والقيم والعادات والتقاليد والأيديولوجيا خصوصاً حين يتعلق الأمر بقضية مثل حرية التعبير عن الرأي والفكر.
وهذا التكرار حدث في الماضي في مواقف مماثلة منها : إساءة الكاتبة البنغالية تسليمة نسرين إلى بعض المفاهيم الإسلامية، وتجريح الأديب الهندي الأصل سلمان رشدي لشخص النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الأكرمين في كتابه آيات شيطانية، ودراسات الأكاديمي المصري نصر حامد أبو زيد حول القرآن الكريم باعتباره نصا تاريخياً نسبياً، ومواقف غيرهم ممن يكرمهم الغرب ويمنحهم جوائزه، في حين ينظر إليهم المسلمون باعتبارهم مارقين خارجين عن الإجماع العربي والإسلامي.

وهذا الإختلاف جعل كل فريق يتمسك برأيه فهل نحن أمام صراع حضارات ؟ أم صراع أديان ؟ أم صراع في الفكر والثقافة ؟ أم صراع على المصالح ومناطق النفوذ ؟ أم ماذا ؟ ولعله من خلال هذه الصراعات يمكن التبرير والفهم لماذا المسؤولون وساسة الدولة في الغرب لم يروا حاجة إلى الاعتذار عن نشر الرسوم؟، هل لأنهم لم يقعوا في مخالفة قانونية ؟ أم أن هناك قناعات ثابتة في عقولهم من خلال ثقافاتهم، ونعزوا لنفس الأسباب والمنطق لعموم المسلمين الذين يرون ضرورة رد الاعتبار لأن الرسوم خدشت جانبا من الهالة القدسية التي يجب أن تبقى عالية عن التطاول لأنها تمس العقيدة، وفي مشكلة الرسوم المسيئة القائمة بوجه خاص، بدا الطرفان منذ البداية وكأن كل واحد منهما يتكلم بلغة غير لغة الآخر، أو كأنهما يناقشان قضيتين مختلفتين.

وقبل أن أودعكم أتساءل هل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي إلى غزوة كوبنهاجن ؟ وهل ستكون من الداخل أم من الخارج ؟.

مصطفى الغريب

شيكاغو