جاء في مسح لمنظمة الشفافية العالمية المختصة بمراقبة الفساد والتي مقرها برلين في ألمانيا، عن أوضاع الفساد على مستوى دول العالم، إن العراق احتل المرتبة الثالثة ودولة هاييتي في أمريكا الوسطى احتلت المرتبة الأولى والسودان المرتبة الخامسة، واستنادا إلى هذا التقرير فإن احتلال العراق لهذا الموقع يعني أن الحكومة والدولة برمتها تعيش في حالة فساد رهيبة، وهذه الحالة تزيد من تعقيد المشكلات والأزمات التي يعاني منها الواقع العراقي.
وكما جاء في التقرير أن تحديد مستوى الفساد في أية دولة حسب المسح quot;يعتمد على رأي رجال الأعمال والأكاديميين ومحللين اقتصاديين يدرسون مخاطر التجارة في بلدان العالم، وكانت بنغلاديش تحتل المرتبة الأولى على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا خلال السنوات الخمس الماضيةquot;، وأوضحت رئيسة منظمة الشفافية العالمية هيوجيت لابيل quot;إن هناك علاقة قوية بين الفساد والفقر فالملايين يقعون في مصيدة الفقر نتيجة للفسادquot;، وأضافت quot;رغم عقود من التقدم في مجال وضع التشريعات الخاصة بمحاربة الفساد فإن النتائج التي تحققت حتى الآن تشير إلى أن هناك المزيد من العمل الواجب القيام به لكي نرى نتائج ملموسة على صعيد الحد من مستوى فقر الملايين حول العالمquot;.
وتشير دراسة أخرى للمنظمة نشرت الشهر الماضي quot;إلى أن الشركات الصينية والهندية هي الأكثر استعدادا لدفع الرشاوى في خارج بلدانها من اجل تسهيل أعمالها، أما أكثر الشركات دفعا للرشاوى في الدول الفقيرة فهي الشركات الفرنسية والايطاليةquot;.
وتقول المنظمة حسب مسحها عن الشفافية quot;إن الفساد منتشر في أكثر من 71 دولة حول العالم، ومن بين الدول التي زاد فيها مستوى الفساد البرازيل وتونس والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن دول أخرى تراجع مستوى الفساد فيه مثل جمهورية التشيك ولاتفيا والاورغوي، والدول الصناعية تعتبر من أقل الدول فسادا نسبيا لكن رغم ذلك تحدث العديد من الفضائح الكبيرة فيهاquot;، وتقول المنظمة quot;رغم إن الفساد في الدول الصناعية ليست له آثار على مستوى الفقر والتنمية مثل الدول النامية لكن حدوثها يؤكد إننا يجب أن لا نتهاون في محاربتهquot;.
وبطبيعة الحال فإن واقع الفقر الذي يترتب من هذه الحالة، يأتي من خلال فساد الأجهزة والمؤسسات والدوائر الحكومية والأهلية التي تدير البلد، بسبب فساد المسؤولين كبارا وصغارا، مما ينتج عنه حالة من التفريغ المستمر للمصادر المالية والإنتاجية للدولة والمجتمع، وبالتالي تفريغ الدولة من مقوماتها المادية لتحقيق أي تطور أو تحسين في المستويات المعيشية والحياتية للمواطنين، وبخصوص العراق وبما أن الفساد المسجل فيه في مرتبة متقدمة، فإن الحالة نفسها تكون محسوسة وملموسة في إقليم كوردستان، من خلال هذا المنظور فإن المؤشرات التي يمكن تسجيلها لبيان هذه الحالة من خلال هذا الإطار في الواقع المعيشي والحياتي والاقتصادي والسياسي المتعلق بالدولة والشعب في العراق والإقليم، هي:
أولا: وجود فوراق طبقية شاسعة بين أقلية صغيرة من أرباب السلطة تتحكم بموارد الشعب في السلطة والتجارة والاقتصاد، وأغلبية فقيرة لا تقدر على ضمان أبسط المقومات الحياتية لنفسها.
ثانيا: سيطرة مجموعات سياسية واقتصادية معينة على منابع ومصادر الأعمال العامة، واحتكارها واستغلالها لجني أموال خيالية من الأموال العامة للشعب.
ثالثا: وجود سيطرة سلطوية قوية لأرباب المقاولات نتيجة تملكها من قبل مسؤولين في السلطة والحزب، لهم نفوذهم وقوتهم مما تساعدهم في استغلال أموال المشاريع والمقاولات أبشع استغلال لملء جيوبهم التي لا تشبعها لا البحر ولا المحيط.
رابعا: غياب السيطرة النوعية ونفوذ الدولة في العراق وفي الإقليم على التجارة العامة وبضائع السوق، فيتم استيراد المواد والسلع والبضائع بأردأ المواصفات وأقل الكلف وطرحها في الأسواق بأعلى الأسعار وأقل المواصفات.
خامسا: وجود امتيازات خيالية لأرباب السلطة من الوزراء والمسؤولين على نطاق الحكومة والإدارة والبرلمان، من أموال وقطع أراضي سكنية وسيارات، وكأن المال العام ملك لهم وموروث لهم من آبائهم وأجدادهم، دون استحياء أو شعور بالخجل أمام الشعب.
سادسا: سيطرة المسؤولين على النطاق الإداري والحزبي على الأموال العامة المخصصة لأغراض إدارة العمل العام المتعلقة بخدمة الشعب.
سابعا: وجود حالة من الفقر الشديد في مستويات كثيرة لدى الشعب، لا تقدر نسبة كبيرة منها على تامين أبسط مقومات الحياة فتعيش في حالات معيشية قاسية تعاني من الفقر والجهل والمرض.
ثامنا: خلق حالة احتكارية واستغلالية بتعمد من أهل الفساد ممن لهم السلطة والنفوذ والقوة، وذلك عن طريق خلق أزمات ومشاكل حياتية يومية جديدة إلى حياة المواطنين، وإضافة أعباء اقتصادية ومالية ثقيلة على كاهلهم، مثل الخلق المستمر لازمة المحروقات والوقود والكهرباء والخدمات البلدية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، وكأن المواطن صار ساحة لعبودية جديدة بدأت تظهر إلى الوجود تتحكم برقبة المواطن وتحوله إلى كائن لا حول له ولا قوة له.
تاسعا: هدر أموال خيالية من خلال مشاريع تنفذ بمواصفات رديئة جدا، وكأن الساحة خالية من أي وجود إحساس لضمير أو وجدان إنساني أو انتماء للمواطنة أو ولاء للوطن.
عاشرا: حماية مسؤولين متورطين بالفساد، وحرية توفر القوة والنفوذ لأهل الفساد وأربابه، وكأن الساحة ملعب لهم، والحكم ملك لهم، والشعب خادم لهم، وكأن القول القائل quot;لو دام لغيرك لما وصل إليكquot; لا معنى ولا عبرة له لهؤلاء المفسدين الذين يعبثون فسادا وفسقا في أرض العراق والإقليم ولا حساب لهم.
باختصار شديد هذه أهم المؤشرات التي يمكن تسجيلها من الواقع الحياتي في العراق وفي إقليم كوردستان، وبلا شك هنالك مؤشرات أخرى يمكن إدراجها أو تلخيصها تحت الفقرات التي ذكرناها، ولكن يبقى الهم الأول والأخير للجميع، إن كانت السلطة على ولاء كامل للشعب ولو أن نسبة كبيرة من أربابها ليست على هذا الولاء، هو كيف نبرهن على احترامنا وولائنا لوطننا العراق، فعيب كبير أن يسجل العراق بهذه المرتبة في سجل الفساد العالمي، وعيب أكبر أن يشهر العراق بهذا الوصف، لأن سمعة الوطن لا يعقل أن ينزل إلى هذه المنزلة إن كانت في أهل السلطة غيرة وذرة من الوطنية.

جرجيس كوليزادة

[email protected]