جاء فى أحد التعليقات على مقالة د.شاكر النابلسىquot;الرؤية الليبرالية الجديدة للحالة العربيةquot; أن هذه المقالة تستحق أن يكون بياناً لليبراليين العرب، واعتقد أن هذه المقالة بالفعل محاولة جديدة لأنقاذ من يعتبرون أنفسهم جنود الليبرالية الجديدة،والمثيرة للدهشة أنها جديدة وكأن العالم العربى قد شهد ليبرالية اصبحت قديمة،ثم ظهر تيار اخر لتجديد اطروحات الليبرالية تحت اسم الليبرالية الجديدة!!!


لابد أن نتعامل مع الحركة السياسية والفكرية فى العالم العربى بمنطق جدلى،وننبذ الأساليب الميكانيكية والقوالب فى تصنبف الأراء،التى ما أن تجد مصطلحات او أراء تفصلية لهذا الكاتب أو ذاك الصحفى حتى تضعه فى خانة محددة وترفض التعامل معه طالما انه ليس ضمن جماعتها،ولابد أن نتحلى بالمنطق الليبرالى الديمقراطى فى الحوار الذى لا يسفه الأخرين لانه يختلف معهم. وأرفض بشدة الحوار مع اراء الليبراليين الجدد بموقف مسبق محتواه الأتهام بالعمالة،لاننى ادرك أن بدايات الفكر القومى فى منتصف القرن الماضى جاءت على ايدى مثقفين عرب تأثروا بالثقافة الفرنسية، وبصرف النظر عن موقف الليبراليين او اليساريين أو الأسلاميين من الحركة القومية،إلا انها حققت انجازات منتصف القرن الماضى سياسية هامة،وحتى وان اختلفتم معها، فأن تأثيرها كان قويا لدرجة انها نجحت فى الأنتقال من مرحلة المقالات والحوارات إلى مرحلة الفعل السياسي وقيادة المنطقة! ولم نقل عن القوميين آنذاك اهم عملاء الفرنسيين،لان المثقفين العرب المتأثرين بالثقافة الفرنسية والذين رفعوا لواء القومية كان اول مطالبهم الأستقلال وخروج الأستعمار الفرنسى او البريطانى.ومن حق التيار الليبرالى أن يتأثر بنموذج الحياة الأمريكية ومنطق السياسة الأمريكية ويستخدم خبراته لأيجاد سبل تحقق المصلحة الوطنية.


ولكن ما ليس من حق التيار الليبرالى أن يفرض علينا منطق البيت الأبيض الأمريكى وتحديدا منطق بوش واذا لم نقبله نصبح جهلة ومتخلفين ومن أنصار الخنوع والكراهية،هذه الصفات أن لم نعتبرها شتائم وتجريح وأهانة لشعوبنا تضمنها مقالة د.شاكر النابلسى،فهى بحد أدنى لاتحمل أى منطق أو رد منهجى يثبت صحة وجهة نظر الليبراليين العرب.


أن من يطالب بتحقيق المصالح الوطنية والتصدى للسياسة الهيمنة الأسرائيلية والأمريكية الساعية لاستثمار خيرات بلادنا لحساب الأحتكارات الغربية، لايزعم أنه يمتلك الحقيقة، بل ان هؤلاء يمثلون تيارات مختلفة، بالرغم من اتفاقهم حول العناوين العامة، إلا انهم يختلفون حول تفاصيل أخرى واساليب المواجهة،ولكنهم لا يتهمون الأخرين بالجهل والتخلف ولا يزعمون أمتلاك الحقيقة.


وبصرف النظر عن الفصائل الأسلامية الشاردة(حزب الله، وحركة حماس) والتى شردت عن تيار الحركة الأسلامية لانهم أعتبرت الأولوية للمهام الوطنية، خلافا لشعارات الحركة الأسلامية التى تضع الأولوية للدولة الأسلامية العالمية،ستجد أن الأخوان المسلمين-وهم منبع أغلبية الحركة الأسلامية العربية-لايختلفون فى تعاملهم مع الرأى الأخر عن اللبيراليين الجدد،فاللبيراليون الجدد ود.شاكر يعتبرون من يعارضهم جاهل وخانع ومتخلف وتحركه الكراهية،بينما يرى الأخوان أن المعارضين كفرة وزناديق ومصيرهم جهنم،وكلا الطرفين يتجاهل أن الحديث يدور حول قضايا سياسية تخص اسلوب تحقيق مصالح شعوبنا!!


أما موضوع البيان الأممى الذى يتحدث عنه د.شاكر فهو ليس مدعاة للفخر،انما هو أعتراف بالضعف الفكرى والسياسي،وتعبير عن عقلية ديكتاتورية مهزومة، لان الليبراليين العرب من خلال بيانهم هذا كشفوا عن عدم ثقتهم فى قدراتهم على اسقاط دعوات الأرهاب من خلال اقناع المواطنيين بصحة اراءهم، ولجأوا إلى أختراع محاكم تفتيش عالمية، لن تحاكم من أعتبروهم ارهابيين فقط،وانما يمكن أن تحاكمهم هم انفسهم أيضا،بعبارة أخرة عبروا عن عقلية ديكتاتورية قمعية من القرون الوسطى.


وحول الموقف من الحرب اللبنانية-الأسرائيلية ودور حزب الله،لم يقدم الليبراليون العرب اى برنامج بديل يقدم رؤية أكثر فاعلية لتحقيق المصلحة الوطنية،واكتفوا بشن حملة وهجوم على حزب الله. ياد.شاكر اسلم بأراءك واعلم أن حزب الله هو قوة دينية طائفية،ولكن.. ولكن.. ولكن توجد مصلحة ومهام وطنية فشلت كافة القوى والحكومات حتى الأن فى التعامل معها،حتى السادات الذى منح اسرائيل كل شيئ بدون مقابل،هذه المصلحة الوطنية تصدى حزب الله لتحقيقه وفق برنامجه الخاص به!!!! أين الخلل؟؟؟ الخلل فى أن الليبرالين الجدد والقوى الوطنية وكل من يتحدث ويدلى بدلوه فى ازمة المنطقة لم يقدم برنامج افضل،بل ليس لديه برنامج لتحقيق المصالح الوطنية، فليصمتوا اذا أو ليقدموا لنا برنامج...


السوريون اشرار.. حسنا، والأيرانيون اسوء..ماشى، ليكن، ولكن الشارع العربى غير مهتم بهذه التفاصيل، لان الهم الأساسى لايوجد من يتعامل معه،لانه لاتوجد قوى تتعامل مع المصالح الوطنية.


لذا يبدو لى أن مقالة د.شاكر أو بيان الليبراليين الجدد لم يخرج عن أطار التأكيد عن اسلوبهم فى مصادرة أراء الأخرين وقمع التيارات الأخرى واتهامها بالتخلف و بل الخنوع..الخ،دون الرد عليها.كما أن هذا البيان البليغ لم يقدم رؤية حقيقية لتحقيق المصلحة الوطنية،واكتفى بالتأكيد على صحة سياسات وأساليب جورج بوش تحديدا،يعنى لن نكون ملكيين أكثر من الملك،لآن سياسات بوش فى العراق وفى الشرق الأوسط بشكل عام تتعرض لانتقادات حادة فى الولايات المتحدة، بل أن الأمر وصل لانهيار نفوذ حزبه فى الكونجرس، وسيصل إلى سقوط الجمهوريين فى انتخابات الرئاسة،وانتم مازلت تدافعون عن أحتلال العراق،وضرب اسرائيل للبنان !!!! ياسيدى الفاضل الأمريكيون نفسهم يهجمون (بوشهم) على هذا !!!


نحن لا نحتكر الحقيقة، والليبراليون الجدد الذين هم ndash;عمليا- من أنصار الحل الأمريكى بالتأكيد لايحتكرون الحقيقة،فلنتحاور،ولكن اذا اصر د.شاكر النابلسى وزملاءه على أنهم يمتلكون الحقيقة هذا يعنى أنهم لا ليبراليين ولا نيلة،والمسألة كلها تهريج.

مازن عباس

صحفى مصرى