دفاتري تقطر حزنا ووجعاً وتزدحم بأرواح بشرية معذبة عايشتها عن قرب، وذاكرتي تتآمر على عزلتي وسكون
في ذلك العمر الصغير لم ينتبه أحدنا ان صديقنا كان والده مريضا ولايستطيع ان يعمل وفي العراق لايوجد قانون ضمان اجتماعي يتكلف بمعيشة الفقراء وكذلك لاتوجد مؤسسات خيرية تساعد هم |
قبل أكثر من - 35 - عاماً في عقد الستينات حينما كنا صغارا حفاة نقطن في أحد الاحياء الصحراوية البائسة جدا كان يلعب معنا طفل صغير كان يتعرض الى لوم اغلب الاطفال لأنه لايشتري الطائرات الورقية التي كان ثمنها - 5 - فلوس فقط وهي ما قبل الفلس العملة العراقية الاصغر وكلاهما سقط الان من التداول.
صديقنا ذاك كان يدافع عن نفسه و يقول لنا : (( بدلا من شراء طائرة ورقية من الافضل شراء رغيف خبز بخمسة فلوس )) وكنا لانقبل منه هذه الحجة ونسخر منه وكان يلعب معنا وهو منكسر محبط يخشى من سخريتنا رغم اننا كنا جميعا من عوائل فقيرة ولكن بعضنا كان يستطيع شراء الطائرة على الاقل في الاسبوع مرة واحدة.
في ذلك العمر الصغير لم ينتبه أحدنا ان صديقنا كان والده مريضا ولايستطيع ان يعمل وفي العراق لايوجد قانون ضمان اجتماعي يتكلف بمعيشة الفقراء وكذلك لاتوجد مؤسسات خيرية تساعد هم.
وكان المعيل الوحيد لتلك العائلة هي الأم الرائعة التي كانت تشتغل في صناعة ( الزبلان والحصران من خوص النخيل ) فقد كانت تعمل ليل نهار داخل بيتها وتذهب بأنتاجها الى سوق المدينة لبيعه والتكفل بمعيشة عائلتها.
مازلت أتذكرها كيف كانت تحمل سلعتها على رأسها من البيت الى كراج نقل الركاب وتعود عند الظهر، كانت أمراة خرافية شجاعة مكافحة كتب عليها الشقاء العراقي الجماعي وهذا ماكان يخفف من آلامها فكافة سكان الحي كانوا من الطبقة المسحوقة بمستوى أسرتها المادي تقريباً.
في أحد الأيام وكجزء من تضامن الفقراء النبيل الرائع أرسلت أمي بيدي صحن فيه بعض الطعام لهذه الأسرة وعند تسليم الصحن الى أم صديقي وأستدراتي للعودة الى بيتنا سمعتها تبتهل وتقول : إلهي مشكلة الغداء حلت بهذا الصحن ولكن ماذا عن مشكلة تدبير وجبة العشاء؟!)).
كائنات بشرية تعيسة الحظ وجدت نفسها مخلوقة على أرض العراق.. أرض التخلف والفقر والجوع والموت... كائنات لاتدري لماذا خلقت أصلا؟ ولماذا هي معذبة؟ ومامعنى هذه اللعبة المهزلة التي يسمونها الحياة؟!
خضير طاهر
[email protected]
التعليقات