الحلقة الأولى
العلمانيّة والنظام الطائفي والزواج المدني والإنتخابات في لبنان
دعِ الشمس تدخل إلى الوردة وانظرْ أيّ لونٍ جميلٍ تعطيك

شوقي مسلماني من سدني: أكثر مِنْ نصف قرن من السنين قد انقضى منذ استقلال لبنان عن فرنسا، وعلى رغم ذلك فقد عجز أبناؤه دون انشاء نظام فيه يساوي بين جميع أبنائه، بدليل الصراعات الحادّة التي تتقاذفه إجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً كلّ بضعة سنوات، وبعضها يبلغ مستوى التصادم المسلّح الذي لا يبقي ولا يذر، والأكثر دمويّةً كان ما جرى في عام 1975 حيث نشبتْ حرب سقط بنتيجتها مئات الألوف بين قتيلٍ وجريح، فضلاً عن الخراب في الإقتصاد ومثله في النفوس التي لا تفتأ وعند كلّ حادث تفصح عن مكنوناتها في مجلسي النوّاب والوزراء مثلما في مجالس عامّة الناس في البيوت أو في المقاهي سواء بسواء. وفي محاولةٍ لمقاربة quot;المسألة اللبنانيّةquot; وتعقيداتها الشائكة تمّ رفع ثلاثة أسئلة إلى بعض أبناء الجالية اللبنانيّة والعربيّة في سيدني، وهم يمثّلون اتّجاهات مختلفة في السياسة ومجالات أخرى، فمنهم الشاعر ومنهم المسرحي ومنهم الموسيقي ومنهم الناشط الإجتماعي أو الثقافي.

والأسئلة هي:

* أيّ النظامين تفضِّل للبنان: الديني أم العلماني؟.
* ماذا تقول بالزواج المدني؟.
* أيّهما تفضِّل كنظام إنتخابي للبنان: الدائرة الصغرى؟ أم لبنان كلّه دائرة إنتخابيّة واحدة؟.

ولا يخفى المتتبّع لواقع لبنان أنّ هذه الأسئلة لا تخرج عمّا يصيب لبنان مقتلاً، وبالعكس فهي مِنْ عقَده المزمنة التي يجدر أن تكون لها حلول، فتخفِّف مِن عذابات أبناء الوطن الواحد الذي لا يحتمل لا التجزئة الطائفيّة، وهو الذي يضمّ 19 طائفة، ولا التجزئة الجغرافيّة، وهو الأضيق من دائرة حركة عصفور.
وفي ما يلي الحلقة الأولى من الردود عليها:

(1) كانتونات وزواريب

أنا شخصيّاً مع العلمانيّة في لبنان بنسبة مائة بالمائة، وأكثر من ذلك فأنا أدعو رجال الدين اللبنانيين جميعاً مسلمين ومسيحيين لرفع شعار الدولة العلمانيّة، هذا إذا كانوا يحبّون لبنان فعلاً، ويتمنّونه فعلاً أن يكون وطناً سويّاً مزدهراً ولجميع أبنائه. وإذا سألتني عن تفصيل ذلك فأقول كأسترالي من أصل لبناني، وأعرف بلدي الأوّل لبنان بقدر ما أعرف بلدي الثاني أستراليا، فكلاهما يضم طوائف وأدياناً وإثنيات متعدِّدة، وانظرْ إلى أستراليا التي تنعم بالعلمانيّة، ففيها العدالة والمساواة للجميع بغضّ النظر عن الخلفيّات الدينيّة أو المذهبيّة أو العرقيّة، من دون أي تناقض مع الدين المحترم بدرجة ممتازة، وانظرْ إلى لبنان حيث شريعة الغاب والكانتونات المتحاربة والتنافس الأعمى والتقاتل المسلّح بين الفينة والأخرى وصولاً إلى الحروب الكبيرة كلّ 15 إلى 20 سنة مرّة.

وليكون لبنان بلداً حضاريّاً، فعلى أهله أن يجعلوا من أستراليا وتجربتها في العلمانيّة مثلاً يُحتذى، وفي هذا الإطار، فأنا مع الزواج المدني من دون شروط، وحبّذا لو يقرّ لبنان هذا الزواج من دون لجوء مواطنيه إلى بلدان أخرى لكي يحقِّقوه، فيفخر باعتباره أوّل دولة عربيّة تعطي الحريّة لأبنائها في الزواج ممّن يختارون، وأغلب الظنّ عندي أن الزواج المختلط بين أبناء الشعب الواحد يزيد في لحمة الوطن وتفاعله مع بعضه البعض، والقلبُ وما يهوى، وخصوصاً إذا المسألة هي مسألة زواج، وهذا لا يعني أن مَنْ يريد أن يتزوّج مدنيّاً عليه ألاّ يلجأ إلى الزواج بطرق دينيّة متّبعة أيضاً، وهذا ما يحصل في أستراليا بالضبط. وإذا تحدّثنا عن الإنتخابات في لبنان، فأنا مع أن يكون لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة، وهكذا يتسنّى لابن مارون الراس أن ينتخب إبن عكّار المرشّح للإنتخابات ويرى فيه السلوك الأخلاقي الرفيع والمصلحة الوطنيّة العليا لكلّ لبنان، وهذا عكس الدوائر الصغرى التي هي طائفيّة بامتياز، وتحوِّل مجلس النوّاب إلى مجلس زواريب.
(علي موسى حمّود).

(2) الشمس والوردة

الدين هو تطريز العين وجمرة القلب، هو الكتابة البيضاء وشريان الدفء الحقيقي للإنسان، ولكن داخل البيت، وأفضَل له ألاّ يغادره. وقيام الوطن الحقيقي يكون بلقاء الجماعات في منتصف الطريق. والنظام الطائفي في لبنان هو حَكمَ على نفسه بالفشل. وبهذا المعنى فأنا مع النظام العلماني الذي ينظر إلى كلّ المواطنين بعينٍ واحدة، فلا هذا فوق ولا ذاك تحت، ويؤسِّس لحالة يكون فيها الوطن حديقة لكلّ الناس، بما هو القرى والمدن والبحر معاً. هل تتخيّل ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين وعصر الكومبيوتر أن نبقى نتنشّق رائحة العفونة والدم!؟.

وبما يخصّ الزواج المدني، فأنا مع كلّ ما يجمع إثنين. أنا ضدّ الشريعة التي تغلق الأبواب. كلّ شيء قد يُعتقَل إلاّ الفكر والقلب. دع الشمس تدخل إلى الوردة وانظرْ أيّ لونٍ جميلٍ تعطيك.

وفيما يتعلّق بالإنتخابات، فأنا مع الدائرة الصغرى ونصفها أيضاً، حتى لا تأخذ الفائز في الإنتخابات النيابيّة أمواجُ الكلام الذي لا طائل تحته، فيُقال أنّه فاز فقط لأنّه كان مرشّحاً على لائحة فلان أو غيره. فإذا دائرة إنتخابية مؤلّفة من قرى قليلة العدد فإنّ الفائز، والجميع سيعرف ذلك، يفوز بالأصوات التي حصل عليها بكفاءته لا بكفاءة الآخرين. فكلّما ضاقت الرقعة الجغرافيّة كلّما اتّسعت الرؤية.
(جرمانوس جرمانوس).