كلما استفز مشاعرنا شخص مغمور أو أثارنا مخمور في إحدى بلدان الغرب نغضب ونثور. ثورة إثر ثورة إثر ثورة، لم ولن تُسفر عن أي جديد، لم يتغير القوم ولم يتبدلوا، وكذلك نحن لم يتطور تفكيرنا ولم نصل إلى وسيلة نستطيع من خلالها أن نمنعهم من التطاول على مقدساتنا ورموزنا الدينية اللهم إلا الانفعالات والمظاهرات والمقاطعات ثم الهدوء والخضوع والسبات.
والملفت للنظر في الثورات الانفعالية للشعوب العربية والإسلامية أن أسبابها الفعلية قد لا تكون هي المحرك الرئيسي، فالبادي فيها يدفعه السبب الكامن في الأعماق، ألا وهو ما تعانيه تلك الشعوب من فقر وجوع ومرض وتدني في مستوى معيشتها، الأمر الذي يشعل ويحرك ما لديها من الطاقة الغاضبة المتوهجة والمستعدة للانفجار الذي لو حدث لتضاءلت أمام نتائجه نتائج الإعصار تسونامي الشهير، والحكومات العربية والإسلامية تعلم ذلك علم اليقين، وتتخوف منه وتتحسب له.
فالشعوب العربية والإسلامية لديها حالة من الإحباط الشديد جراء البؤس والظلم الذي تعيش به وفيه فأصبحت تتلهف شوقاً لما يجعلها تثور وتفور، فهي تمر الآن بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة، وتعيش حالة مخاض عسيرة تتخبط فيها ما بين الوهم والحقيقة.
أما الوهم، فهو ما تبثه وسائل الإعلام العربية الإسلامية الحكومية من أن المواطن العربي المسلم يتمتع بالأمن والأمان، وإن كرامته مصانة وإنه أبداً أبداً لا يهان، وإن مستوى معيشته لم يصل إليه في العالم لا إنس ولا جان، وإن أحواله الاقتصادية في ازدهار دائم ومن فرط تقدمه يُشار إليه بالبنان، وإنه يشارك في الحكم ويختار من يحكمونه بكل حرية وبلا تزوير حكومي ولا بهتان، وإن جميع الحكام العرب والمسلمين شرعيون وشرعيتهم مستمدة من رافع السموات وباسط الأرض وخالق الإنسان.
أما الحقيقة التي يعرفها الجميع، فهي أن الشعوب العربية والإسلامية أصبحت غالبيتها تتسول لتقتات، ويتشقلب الرجل وزوجته كالبهلوانات في السيرك متنقلين بين الوظائف الصباحية وما قبل المسائية والمسائية ليتمكنا من إعاشة أطفالهما بتوفير الفتات، وإن الإنسان الشريف لا مكان له في العالم العربي والإسلامي إلا في المعتقلات، وإن الكذب والنفاق والخداع هي وسائل صعود أعلى الدرجات، وإن إجادة وسائل الفساد كالرشوة والسمسرة واستغلال النفوذ هي من ضمن المؤهلات، وإن المريض العربي والمسلم عليه أن يسلم الروح إلى بارئه قبل أن تسمح له حكومته بالعلاج في إحدى المستشفيات، أما الشاب العربي المسلم المسكين فكل ما يتمناه أن يحصل على وظيفة قبل أن يشيخ ويصبح من الأموات ويتحول جسده إلى رفات.
والحقيقة التي يعرفها الجميع أيضاً أن المواطن العربي المسلم عليه أن ينسى أن أخيه المسلم معتقلاً منذ عشرات السنين بلا جريمة ارتكبت.. وإنه يُعذب في السجون الإسلامية ويتم انتزاع أظافره كلما نبتت، وتطلق عليه الكلاب البوليسية تنهش جسده كلما لحومه نضجت، ويعلق من أرجله في أسقف المعتقل وتنهال على ظهره الهراوات المسلمة ضرباً وتقطيعاً ليعترف بما لم يرتكبه حتى إنه من فرط الآلام يتمنى لو أن روحه إلى السماء صعدت..
كل ذلك الهوان لا يؤدي إلى المظاهرات، ولا تهتز له الرموش التي تحمي العيون من الإشعاعات، ولا يخفق بسببه القلب جذعاً ولا تضطرب فيه النبضات، ولا نحزن ولا نبكي حتى لو فقدنا مئات المسلمين غرقاً في البحور والمحيطات.
لو عرضنا على رسولنا صلوات الله عليه وسلامه كل ما تقاسيه الشعوب المسلمة المقهورة لفاضت عيناه دمعاً من هذا الواقع الأليم، ولو طلبنا منه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يبارك مظاهراتنا وثوراتنا وما أشعلناه من حرائق، لرفض وهو الكريم..
ولكن ما بيد الشعوب من حيلة، فبعد أن علمت الحكومات العربية والإسلامية خطورة الانفجار المُرتقب، رأت ضرورة تنفيس تلك المراجل البشرية التي تغلي، وعندما جاءت الانتخابات الفلسطينية بحركة حماس إلى الحكم، كان لابد من زلزلة الأرض تحت أقدامها، ولذلك تحركت الحكومات العربية الإسلامية لتضرب عصفورين بحجر واحد:
العصفور الأول هو تنفيس الغضب الذي تحمله الشعوب ضد حكوماتها للأسباب التي أشرنا إليها سابقاًً، وخير وسيلة للتنفيس هي توجيه هذا الغضب إلى غير وجهته الأصلية، ولذلك تم استدعاء قصة الرسوم المسيئة للرسول الكريم من الذاكرة إلى الواقع ndash; حيث أنها حدثت منذ أربعة أشهر مضت ولم يتحرك أحد - وبثها مع قليل من الإثارة الإعلامية إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه من مقاطعات وحرق للقنصليات ووعيد بالقتل والاختطافات والغزوات وما إلى غير ذلك من التهديدات.
العصفور الثاني وهو ردع أمريكا والدول الأوربية عن موقفها المطالب بالإصلاحات السياسية في العالم العربي الإسلامي وذلك بإبراز الشعوب الإسلامية وهي في حالة هياج همجي يظهر الصورة القاتمة التي سيكون عليها الحكام المسلمون الجُدد الأمر الذي يؤدي بأمريكا وأوربا إلى الهرولة مسرعين إلى الحكام التقليديين ويبدون لهم الندم على التخلي عنهم ومحاولتهم التواصل مع الشعوب، ويطلبون منهم التدخل لتهدئة الأوضاع، فيقوم الحكام بإعطاء الأوامر إلى وسائل إعلامهم لتشغيل الوجه الآخر من الاسطوانة وهو الخاص بسماحة الإسلام والتعامل الحضاري مع الآخر، وفي ذات الوقت يبدأ رجال الأمن في الانتشار لكسر العظام، عظام المسلمين.
هنا فقط تتأكد أمريكا ومن معها من دول الغرب أن لا مصلحة لهم في التعامل مع تلك الشعوب المسلمة الهمجية المتوحشة، ويتخذوا قرارهم بأن يتركوهم لحكوماتهم فهي الأقدر على التعامل معهم، وليأكلوا بعضهم بعضاً حكاماً ومحكومين ففي نهاية الأمر جميعهم مسلمين.
وتنقشع العاصفة، وتصفو السماء، وننسى الرسومات ونصافح من أساء، وتهدأ الأحوال وينزوي المسلمون وكأن شيئاً لم يكن وتصبح اللحوم الدنمركية من أشهى المأكولات وتعود البقرة الشهيرة للمرح والدلال على شاشات الفضائيات. ولا عزاء لضحايا انتفاضة الدنمرك ولا دية لمن بسببها مات..
عادل الجوهري




التعليقات