كنت قد عاهدت نفسي أني طالما أعيش في ذلك البلد سأكون مغمضة العين.. مغيّبة العقل.. مكتومة الفم و الأذن و الحنجرة!!

أذهب لعملي و منه للجامعة.. و الاثنين و لله الحمد بهم أناس محترمة أقنع نفسي بأنهم أغلبية المجتمع و أن مصر بخير و الدنيا وردي.. و الزبالة مسيرها تتشال.. و الإنتخابات مسيرها تتعمل.. و المواطنة جاية في السكة أهيه.. و أدندن في حب جارف quot;حلوة يا بلديquot;..

إلي أن جاء اليوم الذي عرفت فيه معني quot;القشة التي قسمت ظهر البعيرquot;.. و كنت أنا طبعا البعير بلا فخر..

أصبح من الطبيعي في السنة الأخيرة أن تقل عربة السيدات في مترو الأنفاق فتشجيك راكبة quot;بدعاء الركوبquot; و تطلب من الراكبات أن تردده خلفها!!

quot;بسم الله و الحمد لله سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلي ربنا لمنقلبون.. الحمد لله الحمد لله الحمد لله.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. سبحانك اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.quot;

الحمد لله حفظته بعد سنه من الترديد اليومي.. ما هو لو محفظتوش أبقي غبية..

تأقلمت عليه و اعتدته.. و أصبحت لا أستنكره.. و اليوم الذي لا أجد شابة أو اثنتين يرددنه ينتابني قلق و أدعو الله لهم بالخير و أقول quot;الغائب حجته معاهquot;..

إلي أن جاء يوم مشئوم تخليت فيه عن حكمتي و رصانتي..

قالت دعاء الركوب... عادي... ثم استأذنت الراكبات أن تذكرهم بحديث لرسول الله... ماشي...

ثم بدأت تخطب!!!!!!!

لأ مش ماشي بقي.... قلت يا بت أسكتي.. دول لو قاموا عليكي هياكلوكي و مش هيبانلك صاحب... يا بت اعقلي.. يا بت..!!!

و لم أدر بنفسي غير و أنا متجهة إليها أسألها بكل سذاجة عما تفعله!!!

قلت لها حضرتك بتتكلمي في الدين و إحنا في مرفق عام.. من فضلك كفاية كدة..

قالت ndash;بلهجة تقوي مصطنعة- يا quot;أختيquot; أنا أتكلم فيما يفيد الناس و لم أجرح أحد..

قلت لها بنفس الاحترام و أنا أقدرك و أحترمك لكن هذا الوعظ الديني مكانه الجامع و ليس مرفق عام لجميع الناس.. نحن في مترو الأنفاق..

قالت quot;يا أختيquot; (و هي تمسك يدي) الناس دي كلها عايزة تستفيد.. و أكملت خطبتها دون أدني اعتبار لتلك الإنسانة المعترضة.

قلت لها بصبر نافذ quot;لا يا سيدتي أو آنستيquot; أنا لست أختك.. أنا مسيحية و مش عايزة أسمع الكلام ده..

و هاجت العربة و ماجت.. و كنت كمن يلبس أحمر في حلبة ثيران هائجة..

و وجدت تلك الوجوه السمراء التي يتغنون بها و لها و quot;الشمس اللي في سماري و الشكل اللي في ملامحيquot; كل هذا تحول إلي أنياب و أسنان دارسة (أول مرة أشوف وش كله أسنان).. و بصوت كهدير الطاحون quot;لو مش عاجبك إنزلي أو إتلقحي في آخر العربية!!quot;.. و لم أدر من أين جاءتني تلك الحماقة.. بس قلت يا بت quot;لو سرقتي اسرقي جملquot;..

صرخت في وجوههم.. quot;لا هنزل ولا هتلقح في الآخر.. اللي عايز يسمعها يأخذها و ينزلوا يسمعوا زي ما هما عايزيينquot;..

و توجهت إليها بحزم لا أعتقد أنه سيأتيني ثانية.. quot;عايزة تتكلمي.. إديني اسمك و رقم بطاقتك و قولي اللي أنت عايزاهquot;.. صرخت فيّ عجوز شمطاء quot;ليس من حقك أن تأخذي رقم بطاقتهاquot; قلت لها quot;إذن ليس من حقها أن تطربني بكلام لا أبغي سماعهquot;..

طبعا هي أكملت كلامها دونما أي وجل أو تردد.. و أنا أكملت بقية حديثي أكلم نفسي..

كان هذا من الهموم المضحكة.. أما من الهموم المحزنة هو موقف بعض المسيحيين في العربة.. لاموني و عنّفوني علي موقفي الذي أسمعهم من الكلام أحطه و أنالهم من النظرات أدناها.

quot;أنتِ مبتقريش الإنجيل؟! المسيح قالنا أنكم هتتعبوا و هيكون لكم ضيق.. اسمعي من هنا و طلّعي من الودن التانية.. إحنا مالنا!!quot;

قلت لهم أنا لم أفعل ذلك لأنها مسلمة، لو كانت مسيحية و تتكلم في الدين في مكان عام لن يختلف ردي..

نعم المسيح قال أنه سيكون لكم ضيق.. لكن لم يقل أبداً ألبسوا الباطل ثوب الحق.. بل قال أن quot;مبرئ المذنب و مذنب البريء كلاهما مكرهة الربquot;

كان مسالما محباً.. نعم.. وديعا و متواضعا.. نعم و ألف نعم.. لكن لم يكن ضعيفا و لم يكن سلبياً، و كيف لسلبي أن يغير حياة ملايين البشر يا خلق ياهوه؟؟؟

متي سيعي الأقليات أنهم هم من يزيدوا الطين بلة؟؟ قال له quot;يا فرعون مين فرعنك؟؟ قاله ملقيتش حد يلمني..quot;

لم أقل أني أنا من quot;سيّلمquot; كل الفراعين.. لكني أرفض أن أكون ndash;في بلدي- كماً مهملاً لا يعتد بوجوده.. أرفض أن يكون الاعتراف بي منّاً و عطفاًً.. أرفض أن أستعبد لقانون quot;اسمعي و أسكتيquot;.. أرفض أن أكون مواطنة ترسو (إذ أن الدرجة الثانية أصبحت رفاهية.. بعدما رضينا بها لم ترض هي بنا)

نزلت في محطة quot;أنور الساداتquot; و قمت بعمل شكوى..

بعد هذا العرض الشيق للفيلم المصري quot;مغامرات سلاطة في مترو الأنفاقquot; الذي تفوق علي صديقة الهندي quot;شلاطة في الأدغالquot; و ضربه علي عينه.. أجد أسئلة أود من أولي الأمر أن يجيبوا عليها..

- هل تعلم الدولة بما يحدث؟؟

إن كانت لا تعلم فهذه مصيبة، و إن كانت تعلم و quot;مطنشة أو مصهينةquot; فهذه مصيبة أكبر..

- و سؤالي هو لمصلحة من؟؟

هل لمصلحتها هي حتى تكون الخيار الأكثر أمناَ؟؟ أم أن هذا التيار المتشدد تسرب داخلها؟؟

ما الحل فيمن يحب تلك البلد؟؟

القرفان و الزهقان و العيان.. بيسافروا.. انما الولهان يعمل إيه؟؟

اللي بيحبها يعمل إيه في نفسه؟

ماذا تفعل حينما تحب من يدمي قلبك و يجرح كرامتك و يسلبك أبسط حقوقك؟؟

جدتي كانت تنشد لي أغنية عفاف راضي quot;مصر هي أميquot;.. صدقت أنها أمي.. لم يخبرني أهلي أنها ستكون مراة أبويا مش أمي..

لو كانوا أخبروني ما كنت عشقت غروبها و نيلها و أداعبها بكل وله قائلة quot;عمار يا مصرquot;.. ما كنت سأكن لها كل هذا الحنين و الشوق.. ما كنت سأصدق كل من يتغني بحبها quot;و أغني معاه زي الهبلةquot;...

لو كانوا أخبروني ما كنت تنشقت هوائها ملئ رئتي..

لو كانوا أخبروني ما كنت أحببتها.. و كنت هيأت لي وطناً آخر.. وطناً يصون كرامتي و يأبه لوجودي..

و دي جزاة اللي يسمع كلام ماما و بابا..

ماريا جورج

مصر