الطفل العربي ما بين الإساءة في المنزل والتشرد في الشارع
الطفل العربي قضية شغلت الرأي العام العالمي والمحلي على السواء، وتبارت العقول العربية لإصدار النظريات، وإقامة المؤتمرات والندوات، التي يجتمع لها الأكاديميون المتخصصون للخروج برؤية واضحة يُمكن من خلالها التجاوب مع المتطلبات الدولية المتعلقة بالطفل.
وكما هي العادة العربية، تُعقد المؤتمرات، وجُل ما تهدف إليه هو الخروج بتوصيات لا يغضب منها أحد من المنظمين أو المستضيفين أو الراعين لهذا المؤتمر أو تلك الندوة، وكما هي طبيعة البيانات الختامية للمؤتمرات العربية التي تلف وتدور حول المشاكل دون أن تقترب من منطقة الحلول، تأتي النتيجة هزيلة باستثناء ملايين الدولارات أو الدينارات أو الجنيهات أو الريالات التي يتم صرفها دون أن تجد الطفولة العربية من ينتصر لضعفها.
إن الخطأ الذي ترتكبه مؤتمراتنا دائماً هو حصر مشكلة الطفل في زاوية اقتصادية بحتة دون التطرق إلى حياته النفسية واحتياجه إلى الرعاية والعناية والحنان الذي يشعره بالأمان، الأمر الذي أدى إلى تجاهل فئات من الأطفال تعيش في بحبوحة من العيش إلا أننا نراهم بؤساء فهم يتعرضون للإساءة ذاتها التي يتعرض لها أقرانهم الفقراء، ولو أننا أردنا أن نتعرف عن قُرب عن وجهة نظر الطفل العربي، فسوف ألجأ إلى طفلة عربية لتُعبر عن مشاكلها بكل عفوية وبراءة من خلال يوم في حياتها، فماذا هي قائلة:
طفلة أنا..
سأحكي لكم عن يومي.. وكيف أبدءوه..
أصحو فألهو، كالطير يلعب في السماء، ويهبط فيشرب ماء، ويشدو. هكذا أنا..
أهمس في أذن أختي: استيقظي، ونضحك، والصوت يعلو.
يغضب أبي وينهرني، تتثائب أمي وتزجرني، هيا اذهبي تأخرتي عن المدرسة.
وأنا.. لست متحمسة.
في مدرستي:
مُعلمتي إيمان، فيها حنان، على وجهي لا تصفعني، ولا من شعري تجرجرني، لكنها تؤنبني، تريد أن تُهذبني.
أما مُعلمتي أشجان لو رفعت يدها يضيع الأمان. سألت زميلتي خلود: هل يا ترى لها أسنان؟ فلم نرها أبداً تبتسم.
في طريق العودة للمنزل:
أرى طفل بين السيارات يعدو، أهو يلهو؟؟
خلف الشجرة يتخفى، يتسلل، بزجاجة ماء يتوسل.
لماذا هو ليس في المدرسة؟؟
في منزلي:
صديق لأبي جاء يزوره، ذهبت إليه لألقي التحية وكُنت وحيدة، فطوقني بيديه القوية بحركة شديدة، يحاول أخذ التنوره.
ركضت، صرخت، اترك تنورتي الجديدة.
ذهبت لأمي أشكو إليها.. فقامت بضربي ووبختني.
لماذا أمي تضربني.. أنا لم أعطه التنوره؟
عجزت عن فهم الكبار، يقولون: من يكذب يدخل النار، وليل نهار هم يفعلون، ولا يدخلون، ألا يدخل النار غير الصغار؟؟
أنا طفلة كأطفال الدنيا، أعشق الحياة، أحب الزهرة، الشجرة، فراشة تطير وألحق بها.
حياتي بسيطة، يداي ضعيفة، لا أدري لمن أمدها.
أرجوكم جميعاً، أتوسل إليكم، بطفولتي ترفقوا، ببراءتي ترققوا.
فجسدي نحيل لا يحتمل، وقلبي صغير قد ينكسر، دمعي غزير ينهمر.
أتوسل إليكم دعوني بأمان أنمو، فلا زلت في دنياي أحبو.
ماذا فعلت بكم؟
هل وجهي البريء يشقيكم؟؟ أم جلدي الرقيق يؤذيكم؟؟
إن كنت بدمعي أشكوكم، فسامحوني، ولا تحقدوا.
فليس أمامي إلا البكاء، وركن بعيد للانزواء.
وأغفو، وأصحو، وقلبي حزين مللت البكاء أخاف البشر
إلى حضن أمي ملأني الحنين كقطرات ماء تذيب الحجر
فمن يحتضنني ومن يحتويني في ليل طويل، عديم القمر.
طفلة أنا، طفلة أنا.
عادل الجوهري




التعليقات