مسكينة المرأة العربية في جميع الأحوال، فهي زوجة متفانية في خدمة زوجها وأبنائها، ومع ذلك فهي مقهورة من مجتمعها، مظلومة في ماضيها وحاضرها، مهددة بفعل التقادم في مستقبلها، مكسورة الأضلاع منذ طفولتها، مسروقة الأحلام في شبابها، متروكة للأوهام في كبرها، متهمة بفقدان جمالها وبريقها، ثم لا تجد من يدافع عنها أو يشفي غليل قلبها عندما ينقلب عليها رفيق الدرب الذي تخلى عنها معيداً تجربة الحياة مع غيرها.
هكذا هي المرأة العربية، طفلة تبدأ حياتها، محبوسة في الواقع الذي شيد جدراناً من التقاليد القاسية حولها، خائفة من المستقبل الذي لن يكن يوماً من اختيارها، مستسلمة لمصيرها المجهول الذي غالباً ما يكون نهاية غير سعيدة لأحلامها. فكل امرأة عربية يقوم المسؤول عنها بتزويجها، ووفقاً للتقاليد العربية الأصيلة، فإن الرأي كل الرأي لوليها، ويقتصر دور الفتاة في أن تومئ فقط برأسها، ولا أحد يدري إن كانت هذه الإيماءة تعني الموافقة أم أنها دليلاً صارخاً على رفضها.
وتُقام الأفراح، وتُزف الفتاة إلى عريسها، وما بين بريق الذهب، وحياء الأدب، بداية طريق، قد يكون رفيقاً رقيقاً، أو يكون سجاناً عربياً جديداً يتلقف بيد من حديد سجينه الجديد ليزج به خلف أسوار من العادات البالية الجديدة القديمة، فتنتقل بذلك من يد السجان القديم في بيت أسرتها إلى آخر جديد في بيتها المفترض.
يتبادل السجان والسجين التعارف في ليلتهما الأولى، فهذا هو القوي العنيف، وذاك هو الرقيق العفيف، تدور رحى معركة صغيرة تتغلب فيها القوة على العفة، ومن خلال هذه المعركة الرمزية الأولى يتم بناء الإستراتيجية الأسرية، وفي الغالب ما يقوم الرجل في هذه الليلة بإملاء شروطه لاستمرار الحياة، وجميعها يصب في اتجاه واحد هو السيادة، فالسيادة في السجن الجديد هي دائماً للسجان وحامل السيف والصولجان، ولا مانع من أن يستعين بأسانيد لموقفه من جميع الأديان.
في المجتمعات العربية بصفة عامة، كان الرجل قديماً يحصل على جميع الامتيازات المنزلية بمقدرته على توفير الاحتياجات العاطفية والاقتصادية والأمنية لأفراد أسرته، فطالما تمكن من ذلك كان جديراً على هذا الأساس بالحصول عل القوامة.
لكن في أيامنا هذه، ومع كل أسف نرى أزواجاً لا يعملون، وإن عملوا لا يكسبون، وإن كسبوا لا ينفقون، وإن أنفقوا فيكون إنفاقهم على أنفسهم وما هم عليه مدمنون، تاركين أسرتهم تعاني الحاجة المفرطة مما تضطر معه الزوجة إلى اللجوء إلى أسرتها، فإذا كانت أسرة يسيرة الحال تتولى مسؤوليات الزوج بإعالة أسرته وأبنائه، وإن كانت من الأسر الفقيرة فلا تجد الزوجة أمامها من وسيلة إلا أن تقوم بالعمل لتتمكن من إعالة أسرتها وكذلك إعالة زوجها، القادر على العمل ولكنه بكل أسف أرتضى على نفسه أن يكون كائن شديد الثقل على أكتاف الآخرين، ولكنه لا ينسى في غمرة بؤسه أن يكون قاسيا على زوجته، شديداً على أبنائه، عديم الفائدة لمجتمعه، فهو السيد، والسيد دائماً مُطاع.
ورغم ذلك تتمكن المرأة العربية الصابرة من الصمود، فتقوم بتربية أبنائها، وتعليمهم، وتتحمل في سبيل ذلك صعاب كثيرة، إلى أن تضعهم على أعتاب الحياة الجديدة وتكون بذلك قد أتمت مهمتها التي اضطرت للقيام بها بعد أن تخلى عنها رفيق دربها، وفي غمرة أحداث الدنيا تجد نفسها فجأة تعدت سن الخمسين، وهي السن التي تكون في أشد الحاجة إلى من يقف بجانبها ويداوي جراح معاركها التي خاضتها من أجل حماية أسرتها، فماذا تكون مكافأتها من زوجها الذي تحملت عنه مشاق الحياة؟؟ للأسف هذه قضية شديدة التعقيد، نبحثها في المقال الجديد.
عادل الجوهري




التعليقات