موت 4 مواطنين و قتل شخصين بالرصاص و دخول عدة أشخاص المستشفى و أمراض ضغط و سكر كلها نتجت عن هبوط مؤشر سوق الأسهم السعودي الذي يعتبر الأعنف إذا ما قورن بحجم الأموال المتداولة، تهافت المواطنين على دخول السوق للكسب السريع و السهل، أكثر من 3 مليون مواطن يتداولون في سوق الأسهم ما بين مضارب و مستثمر، أغلبهم يجهلون الأسس السليمة و الاقتصادية في التداول و الاستثمار، حتى لو كان ملم ببعض قواعد التداول يبقى الارتفاع الغريب في قيمة بعض الأسهم مغرية للمضاربة، سهم خاسر ليس له محفزات يرتفع لمدة عشرة أيام بنسب و تحدث الكارثة بعد ارتفاع جنوني و هيئة سوق المال لم تضع حدا للارتفاع، و في ظل غياب الشفافية و الإفصاح تبرز الأشعات و التأويل و التفسير من محللين تنقصهم المعلومات الموثقة، و منتديات و متداولين متضررين يريدون أن يبرروا الإخفاقات، جاءت أسهل الإسقاطات و اللوم على كبار المضاربين و المستثمرين ( الهوامير) و صناديق الاستثمار المصرفية التي تريد أن تحفظ أموالها من تسهيلات كريمة في عز نمو السوق و باعتها قسرا في الهبوط الحاد لحفظ أموالها.
كثيرة هي التحليلات و التبريرات للهبوط الحاد بالسوق الذي قارب على الانهيار على الأقل بنظر الأشخاص المقترضين و صغار المستثمرين و المضاربين، وظفت التحليلات و الأشعات ما بين تضخم في أسعار الأسهم التي لا تحقق أرباحا أو الأسهم الخاسرة، و بين لوم موجه لصغار المضاربين و المستثمرين بالتداول العشوائي بأسهم ليست قيادية أو رابحة التي لم يحقق بعضها صعودا بأسعارها 10% من الأسهم الخاسرة، و هل الهبوط أو انكسار المؤشر لم يشمل تلك الأسهم القيادية التي تحقق أرباحا خيالية مثل سهم الراجحي و سهم سابك التي تعتبر من أكبر 10 شركات بالعالم، كيف يبرر هبوط سعر متضخم إضعاف قيمته الحقيقية، مع قيمة سهم قيادي ارتفاعه لا يتناسب مع قوة الشركة أو عوائد الشركة.
كثرت مصطلحات العائد على السهم و مكرر الأرباح لأغراء المضاربين و المستثمرين للاتجاه نحو الأسهم الرابحة لأنها ملاذ المستثمرين و المضاربين و مهما هبطت فإن هبوطها أقل من الأسهم الخاسرة، حتى صناديق الاستثمار بالبنوك لم تسلم من الخسارة الفادحة التي لم تقل عن خسارة مضارب مبتدأ بالرغم من الإدارة المحترفة، الكل يتساءل أين تكمن المشكلة، من يتحمل آثار مصائب الهبوط الحاد و فقدان الثقة بسوق أسهم ناشئ يقدر حجمه 3 تريليون ريال يتم التداول به بمتوسط 30 مليار ريال من حجم سيولة نقدية متوفرة بأكثر 400 مليار ريال، هذه السيولة الكبيرة التي لا تجد أدوات استثمارية تمتصها، لا بد أن تتجه إلى أسهم خاسرة للمضاربة و الهرولة وراء الربح السريع.
هيئة سوق المال التي أستبشر بها المضاربون و المستثمرون خيرا، و توقع الكثير أن تكون صمام الأمان للمضاربين و المساهمين التي لا ينكر دورها في بعض التشريعات و القوانين و الضوابط في الوضع الطبيعي، نجدها في وقت الأزمات تلتزم الصمت و تترك الإشاعات و التأويلات تنتشر انتشار النار في الهشيم، توقع المضاربون و المساهمون إفصاح و شفافية تضع حدا للأقاويل و التفسيرات التي تعرض الســـوق لمزيدا من التدهور و الهبوط، يتساءل الكل أين هيئة سوق المال من ارتفاع أسهم شركات بنسب متتالية في الوقت التي لم تحقق أرباحا منذ طرحها للمساهمة، ألا يحق لهيئة سوق المال أجبار أعضاء مجلس إدارات الشركات المطروحة بالسوق عن الإفصاح عن سير العمل و الأداء الإداري و أرباحها التشغيلية و رواتب و مستحقات أعضاء مجلس الإدارة و ما هي خططها المستقبلية لحماية المستثمر وهو جزء من عمل هيئة سوق المال، تصريح أحد مسئولي الهيئة بأن ليس من النظام التدخل و التحكم في آلية العرض و الطلب و هذا مخالف الواقع، كلنا يتذكر في أزمات ماضية و حسب المعطيات الاقتصادية و عوامل السوق، أن المؤشر سيهوي إلى أسفل و لكن يحدث العكس هذا يبرهن على أن هناك طريقة ما لإنقاذ السوق أو ما يطلق عليه صناع السوق، ألم تتدخل هيئة السوق في تغيير نسبة التذبذب بقرار مفاجئ و تزامن مع تطوير تقنية التداول في وقت واحد مما حير المحللين و المتداولين، أليس تساؤل معقول لهيئة سوق المال بالموافقة على رفع رأس المال بعض الشركات الرابحة ينخفض أسهمها بشكل حاد متساوية مع الشركات الخاسرة التي تزيد قيمة سهمها و لا يضع حدا لها من بداية الارتفاع، لماذا التزام الصمت و عدم التدخل في إدارة الأزمة التي ستترك آثارا سلبية على نفسية و سيولة المتعاملين بالسوق و فقدان الثقة و المصداقية به.
و بالرغم من اعتبار سوق الأسهم أو البورصة سوق ثانوي، إضافة إلى أن سوق الأسهم المحلي سوق ناشئة يتعرض للتذبذب و الصدمات، لكن ليس بهذه الحدة الغير مبررة التي يعجز كثير من المحللين تشخيص الداء، مثلا سوق الأسهم الكويتي تعرض لهبوط بنسبة 15% تقريبا و تدخلت هيئة الاستثمارات العامة لإنقاذ حالة التراجع الحاد لتفادي الأزمة، كذلك سوق المال الأردني تراجع بشكل ملموس و ارتد مؤشر الأسهم بالارتفاع عندما خرجت مظاهرات و أمتنع المتداولون عن الدخول صالات التداول.
و مما يزيد الأمر غرابة بسوق الأسهم السعودي إن حالة الاقتصاد الوطني في أحسن حالاته نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط و تسجيل أعلى فائض أكثر من 250 مليار ريال لعام 2005، و التفاؤل المستقبلي بانتعاش سوق النفط، و قرب الانضمام لمنظمة التجارة الدولية و دخول شركات أجنبية للاستثمار المحلي مع توفر سيولة نقدية ضخمة و خطط اقتصادية مستقبلية في جميع المجالات و اتجاه كثير من الشركات العائلية لطرحها للمساهمة العامة، كلها عوامل مشجعة على بقاء السوق قويا و التذبذب يبقى في حد المعقول للعوامل الاقتصادية الايجابية.
الاقتصاد السعودي يعتبر من أقوى الاقتصاديات في الشرق الوسط و لديه من مقومات النجاح الاستثماري و جذب رؤوس أموال الأجنبية التي ستساهم في بناء و تطوير البنية التحتية الاقتصادية و تقديم مشاريع صناعية و عقارية و خدماتية توفر فرص وظيفية و مهنية و تعالج مشكلة البطالة، و لن يحصل التقدم و الانتعاش الاقتصادي ألا في بيئة استثمارية آمنة و مشجعة للادخار لتفادي هروب رؤوس الأموال خارج الوطن.
علي عيسى
التعليقات