حول نظرية الإنضاج البشري وحقوق الإنسان
الحاكم العربي إنسان قبل أن يكون حاكم، وهو كعربي يحوز على كل الصفات التي تميز العربي عن غيره من أجناس الأرض، وأهم صفة تميزنا نحن العرب هي خفة الدم، وتلك الصفة ملتصقة بنا نحن المواطنون فهي التي تساعدنا على إطلاق التعبيرات الساخرة عندما تتكالب علينا المصائب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من كل حدب وصوب، وعندما يسخر المواطن العادي من واقعه بإطلاق النكات والقفشات الساخرة فقد يكون هذا مُبرراً وهو شيء عادي، ولكن الشيء الغير مُبرر والذي يعتبر مفاجأة بكل المقاييس ما يطلقه الحكام العرب بين الحين والحين وفي الآونة الأخيرة في معظم الأحايين من نكات أثبتت كم هم ينتمون إلى هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، وكم هم خفيفي الظل والدم، وكيف أن المرح هو سمة من سماتهم الشخصية الإنسانية.
فقد دأب معظم الحكام العرب على ترديد مقولة أن الشعوب العربية لم تنضج بما يكفي لتتمتع بالديمقراطية كباقي الشعوب، وهذه المقولة أثارت في نفوس المواطنين لوعة وحسرة، فلا أحد يعرف متى هذا النضوج ومن الذي يُحدد حدوثه من عدمه؟؟. وبمناسبة هذه المقولة تخيلت حاكماً عربياً تجري معه إحدى الصحفيات من العالم المتحضر حديثاً، فماذا سيقول لها؟ أعتقد أن الحوار التالي هو لسان حالهم جميعاً وإن اختلفت اللهجات:
الصحفية: في البداية فخامة الحاكم هل ممكن أن نتعرف على رؤيتكم الخاصة حول حقوق الإنسان؟
فخامته:
إن للإنسان في فكري مكانة خاصة ولست أنا الذي أعطيته هذه المكانة بل اكتسبها من وجوده على أرض هذا الوطن الغالي، فللإنسان أنواع متعددة من الحقوق، أهمها الحق في الوجود ويمنح له من قِبل الأب والأم، وهذا الحق لابد من التدقيق جيداً قبل الحصول عليه، فنحن نعمل على أن يكون هناك تكافؤ فيما بين الزوجين من عدة نواحي صحية واجتماعية وثقافية وبالطبع اقتصادية، وذلك حتى نضمن للطفل الناتج عن هذا الزواج أن يتمتع بكل المقومات الأساسية ليأتي إلى الوجود إنساناً صحيحاً قوي قادر على الاندماج في مجتمعه ويُساعد على بناء وطنه.
ومن أهم الحقوق الأساسية التي نعمل على توفيرها للطفل هو حقه في الحصول على الحليب الإنساني، وكثيراً ما تواجهنا مشكلة عدم تمكن الأم لسبب أو لآخر من إنتاج الحليب لطفلها، فهنا يأتي دور المجتمع المتكاتف المتعاضد في تعويض هذا النقص.
الصحفية: عفواً فخامة الحاكم ولكن كيف للمجتمع أن يعوض الطفل عن نقص الحليب الإنساني؟
فخامته:
إن الطفل الإنسان له الحق في النمو والاستمرار في الحياة، ولذلك يتم تكليف إحدى السيدات في مجتمعنا، ممن يتوفر لديها مخزون من الحليب الإنساني، وما أكثرهن، للقيام بسد احتياج هذا الطفل.. إن هذا حقه على المجتمع.
الصحفية:ولكن يا فخامة الحاكم لماذا لا تتولى الحكومة توفير الحليب الصناعي لهذا الطفل وغيره من الأطفال الذين يحتاجون إليه؟
فخامته:
إن رؤيتنا الخاصة للطفل نستمدها من الطبيعة، فنحن نؤمن بأن التصاق الطفل بثدي الأم أو بديلتها يؤدي إلى الانتماء من خلال هذه الرابطة الإنسانية الطبيعية، كما أن هذا الالتصاق الجسدي يؤدي بالضرورة إلى نمو المشاعر السوية التي تُساعد على ترسيخ مفهوم حقوق الإنسان لدى الطفل والأم في نفس الوقت، وهذا غير متوفر لو كان الطفل يحصل على الحليب الصناعي وهذا ما لا نرضاه لطفلنا الإنسان في عالمنا العربي الرائع الذي يعتبر الطبيعة هي المصدر الأول لحقوق الإنسان، ولذلك لا نحبذ توفير الحليب الصناعي لأطفال الشعب.
الصحفية: إذاً يا فخامة الحاكم هذا هو الحق الأساسي الأول، ماذا عن حقوق الإنسان الأخرى في نظر فخامتكم؟
فخامته:
بعد حق الإنسان في الوجود والنمو والاستمرار في الحياة تأتي الحقوق الأخرى التي قد تتفاوت أهميتها من بلد إلى آخر وهي كالآتي:
(قام فخامته بتعداد بنود حقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنداً تلو الآخر).
الصحفية: فخامة الحاكم أرجو أن تسمحوا لي أن أسجل هنا أن فخامتكم قد قمتم بسرد جميع هذه الحقوق دون الاستعانة بأية أوراق مكتوبة بل أوردتموها من الذاكرة وهذا إن دل على شيء يدل على شدة قناعتكم وتمسككم بها كما جاءت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة.
فخامته:
إننا لا نستطيع أن نتغافل أبداً عن القرارات الدولية إننا دولة قائمة على سيادة القانون ونعمل دائماً من خلاله ولا نتساهل أبداً مع أية تجاوزات أو ممارسات تتخطى ذلك.
الصحفية: ولكن يا فخامة الحاكم هناك أصوات كثيرة ترتفع منددة بممارسات بلدكم وقد ذكرت بعض التقارير الدولية مخالفات صريحة وفاضحة في سجل حقوق الإنسان وأشارت إلى امتلاء المعتقلات بمواطنيكم باستخدام القوانين الاستثنائية، فكيف تبررون ذلك؟
فخامته:
أود هنا أن أوضح نقطة هامة قد تكون غائبة عن نظركم في الغرب وهي أننا ليس لدينا معتقلات بالمعنى المتعارف عليه، وعندما سأجيب عن سؤالك هذا فسوف يتبين لكم أن ما تطلقون عليه أنتم اسم معتقل هو في الحقيقة له لدينا أسم ووظيفة مختلفان تماماً.
إننا نستمد عملنا من الطبيعة، ماذا تفعل الطبيعة في ثمار الفاكهة أو الخضروات، مثلاً ثمار المانجو والطماطم والموز هل يمكن أن نأكلها بمجرد قطفها من أغصانها؟ غير ممكن.. لماذا؟ لأنها لم تنضج، والعامة يطلقون على هذه الثمار عند قطافها قبل النضج اسم هو في الحقيقة مُعبر جداً ألا وهو بشائر.. مثل بشائر مانجو.. بشائر طماطم.. بشائر موز، طالما لم يتم نضج أي ثمرة يُطلق عليها اسم بشائر.
إذاً هي غير صالحة للأكل الآن، فما هو منهج الطبيعة في هذه الحالة؟ ببساطة تؤخذ هذه الثمار من على الأغصان وتوضع في أماكن مظلمة رطبة حارة لمدد تتفاوت حسب حاجة كل منها من الوقت ليتم نضجها وبعد ذلك يتم إخراجها للأكل..
الصحفية: لو سمحتم لي فخامتكم ما علاقة ثمار المانجو والطماطم والموز بموضوعنا؟
فخامته:
إن هذا هو صميم موضوعنا.. إنكم في الغرب تتكلمون عن حقوق الإنسان.. تلك الحقوق تختلف من بلد لآخر.. وحتى يتمتع الإنسان بحقوقه يجب أولاً أن يتم التأكد من إنه إنسان مكتمل الإنسانية، ومن ثم يُمنح حقوقه التي قررتها له المواثيق الدولية التي نحترمها، لكن قبل ذلك فلا يمكن منحه تلك الحقوق وإلا يعتبر عبثاً لا نرضاه، إن النص واضح وصريح ويتكلم عن حقوق الإنسان ولم يتطرق إلى حالة حقوق بشائر الإنسان، إذاً هناك مرحلة لابد من تخطيها وأنا أسميها مرحلة التحول الإنساني، وحكومتي تعمل بكل جد واجتهاد على ذلك، فإن مواطنينا الآن غير ناضجين فهم في مرحلة بشائر إنسان بغض النظر عن أعمارهم، وكما أوضحت أن عملنا مستمد من الطبيعة فكما يفعل العامة مع بشائر المانجو والطماطم والموز، نحن أيضاً نفعل مع بشائر الإنسان.. لابد له أن ينضج، الإنضاج البشري مهم جداً في مثل هذه الحالة.
الصحفية: أرجوكم يا فخامة الحاكم أن تفصحوا أكثر فأنا عاجزة عن الفهم والقراء كذلك سيكونون سعداء لو أخبرتموهم عن نظريتكم الخاصة بالتحول الإنساني والإنضاج البشري.
فخامته:
إن نظريتنا ببساطة تستمد آلياتها من العملية الطبيعية لإنضاج الثمار، فنأخذ بشائر الإنسان (بطريقة مُعينة) ونضعه في أماكن مظلمة رطبة حارة لفترة من الزمان يتم تحديدها وفقاً لحاجته، ونتركه لفترة من الزمان تطول أو تقصر حتى اكتمال النضج والتحول من بشائر إنسان إلى إنسان، أي أننا باللغة الدارجة نتركه يستوي بهدوء، وأظن لا يمكن أن نطلق على هذا المكان العظيم الذي تتم فيه عملية الإنضاج البشري اسم معتقلات بل في الواقع يمكن تسميتها منضجات إنسانية. وعندما نتأكد من أنه أصبح إنساناً يتم منحه الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كاملة، هذا إذا كان ما زالت لديه الرغبة في ذلك.
الصحفية: شكراً فخامة الحاكم..
عادل الجوهري




التعليقات