فوجئت أوساط سياسية عديدة بخبر نية مفاوضات أميركية ـ إيرانية. وإذا تركنا أوساطا ثمة من شكوك حول علاقاتها المباشرة أو غير المباشرة بالبعث الصدامي، فإن منظمات وأوساطا وطنية لا شك في رفضها لعودة البعث قد عبرت هي الأخرى عن استيائها من النبأ، وقلقها من أن يعني ذلك ترسيخا وتثبيتا للنفوذ والتدخل الإيرانيين واسعي النطاق في العراق، مما قد يضفي في نظرهم شرعية ما عليهما.
نلاحظ أن الخبر يجئ مع التقرير الأمني الاستراتيجي الأميركي الأخير، الذي يعتبر إيران المصدر الأول للخطر على المصالح الأميركية. ومن هنا لا يمكن للدبلوماسية الأميركية الانخداع بمناورات ومراوغات الملالي الإيرانيين، وهي أساليب وممارسات quot;بازاريةquot; معروفة. كما لا يمكن ، من جهة أخرى، الاطمئنان إلى صدق نوايا الحكيم، صاحب المبادرة كما يقول، وهو الذي يحكم العراق فعليا منذ عامين، ويستخدم مليشيا بدر كقوة ضاربة. ولكن الخطوة تأتي أيضا مع أزمة ترشيح الجعفري وصعود الدور السياسي لمقتدى الصدر، منافس المجلس الأعلى والملتزم بترشيح الدكتور الجعفري.
إن هناك من يخشون أن يكون الترحيب الأميركي بالمبادرة مرده الصعوبات الكبيرة التي تواجهها إدارة بوش في الداخل، في مواجهة تصاعد المعارضة للحرب والمطالبة بسحب القوات. شخصيا لا أميل لهذه المخاوف، حيث أنه لا يعقل أن تترك أميركا العراق فريسة كبرى لنظام الملالي، الذي يهدد المصالح الأميركية والغربية، لا سيما بالمضي قدما في مشروعهم النووي الهادف لصنع القنابل النووية. ويجب الاعتراف بأن نظام الملالي قد نجح خلال حوالي ثلاث سنوات في مراوغاته ومناوراته مع الاتحاد الأوروبي حول البرنامج النووي، مستندا إلى الانتهازية السياسية والاقتصادية لكل من روسيا والصين ولبعض الدول الآسيوية الإسلامية الكبيرة.
أجل، لا ضير من مفاوضات أميركية مع إيران، ولكن على ماذا؟ هل سيشترط الجانب الأميركي سحب التدخل الإيراني في جنوب العراق، وإنهاء تبنيه للصدر وجيشه الإرهابي، ولمليشيا بدر؟ في التعامل مع حماس اشترطت أميركا والاتحاد الأوروبي مسبقا للتعاون معها الالتزام الواضح بالاتفاقيات السابقة والاعتراف بإسرائيل، وهذا عسير تحقيقه إلا تحت ضغوط استثنائية. وهنا أيضا تلعب إيران دورا خبيثا في دعم حماس والعمل لتخريب كل الفرص لحل المشكلة الفلسطينية سلميا. وهذا عامل أساسي آخر يقيد أي تفاهم أميركي مع إيران على حساب المصالح الوطنية العراقية.
مع كل ما مر، نعتقد أن من الواجب حضور ممثلين عن كافة القوى الوطنية العراقية بصفة مراقبين أية مفاوضات كهذه، وعدم ترك المجلس الأعلى يستفرد بتمثيل العراق.
إننا لا نرى أن تبحث القضية العراقية بمعزل عن كافة الأطراف العراقية الوطنية، التي يمكنها دعم الحزم الأميركي من جهة، وتبديد المخاوف والقلق لدى عدة أوساط وطنية وديمقراطية، وهذا من جهة أخرى.
إن الورقة العراقية ورقة رئيسية وقوية بالنسبة للملالي، ولسنا متفائلين بنتائج أية مفوضات هامشية، إلا إذا حدثت تطورات كبرى لتجبر إيران على الكف عن دورها التخريبي الخبيث في العراق.
إن الطرفين الرئيسيين لعرقلة تقدم المسيرة السياسية وخلق الفوضى وسيلان الدم والخراب في العراق، هما أولا قوى البعثيين العاملين لإعادة نظامهم مهما كلف ذلك من دمار وعمليات إبادة للسكان، مدعومين في ذلك بشبكات الإرهاب الزرقاوي والنظام السوري وقوى عربية أخرى. أما الطرف الثاني فهو النظام الإيراني من خلال السيطرة على مجالس المحافظات الجنوبية، وعلى بعض الأجهزة الأمنية والمليشيات الدموية، وخصوصا عصابات الصدر. وبدلا من مفاوضات جانبية مع إيران، والتي لا نشارك المتخوفين منها، فإن الصحيح هو عرض التدخل الإقليمي في العراق على مجلس الأمن، وهو مطلب بالطبع لا يمكن تحقيقه اليوم. ولو كانت التي تحكم العراق قوى وطنية مستقلة تماما عن النفوذين الإيراني والسوري ـ العربي، لبادرت هي منذ سنتين لعرض التدخل الإقليمي هذا، وخصوصا السوري والإيراني وكشف الوقائع والحقائق أمام مجلس الأمن وكل المجتمع الدولي ونشر الوثائق الدامغة بهذا الشأن على أوسع نطاق.
ولكن، من يحكمون العراق اليوم؟!!