الزائر إلى الأردن يدهش للمستوى الرفيع الذي وصلت إليه هذه البلاد الصحراوية التي تشكل البادية منها 85% والتي لا يوجد بها نفط ولا ماء وهما عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية اليوم، الزائر للأردن يكتشف أن الأردن يعتمد بشكل أساسي على عنصرين هامين هما عماد نهضته والذين حلا محل النفط والماء، وهما أولا الاستقرار السياسي الذي وفره الهاشميون، والثاني الإنسان الأردني المتعلم والمدرب تدريبا جيدا على احدث مهارات التكنولوجيا الحديثة من خلال أكثر من 27 جامعة أردنية حكومية وخاصة، او العائدين من بريطانيا وأمريكا من العلماء الشباب.
يبدو إن الأردن اعتمد المنهج الأمريكي في التقدم والازدهار، فكما أن أمريكا قامت على المهاجرين، قام الأردن على أكتاف المهاجرين العرب والأجانب من اللاجئين والمضطهدين في ديارهم ممن وجدوا في الأردن مأوى أمنا فجر لهم طاقاتهم في ضيافة الأردنيين؛ فكان أول القادمين إلى الأردن هم الشركس والشيشان الذين هربوا من جمهورياتهم الروسية السابقة ليستقربهم المطاف في الأردن وفلسطين، منهم من بداء بالأردن حياته ومنهم من جاء لاجئا من فلسطين بعد الحروب التي حدثت مع الدولة العبرية.
ثاني مكونات القادمين الجدد إلى الأردن والذين ساهموا في نهضته هم الأكراد وهم ممن حطت بهم رحال الترحال من أكراد تركيا والعراق في مطلع القرن الماضي وهم كذلك ممن أتوا إما بعد احتلال فلسطين مع اللاجئين الفلسطينيين، أو من سوريا على فترات متعاقبة. ثم المهاجرين الدروز الذين كانوا ثوارا في جبل العرب ووجدوا ضالتهم في الأردن، أو من دروز فلسطين من صفد والجليل الغربي في فلسطين. وهناك الأرمن الذين قدموا من أرمينيا أو من تركيا هربا من ظلم الأتراك لهم.
أما اكبر الهجرات فهم ألاجئين الفلسطينيين للاعوم 1948 و 1967 ولاجئي 1990 فهم يعدون أكثر من نصف عدد السكان في الأردن،حيث تعترف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانوروا) بما هو حوالي 2 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن موزعين عل 13 مخيم ترعاه المنظمة الدولية، أما حوالي المليون الآخرون فهم غير مسجلين وهم ممن جاءوا اما على رؤؤسهم وسكنوا وتوطنوا في الأردن بدون علم الوكالة الدولية آو ممن قبلوا عبر الخمسين عاما السابقة في الأردن على شكل حالات إنسانية أو عن طريق الواسطة للحصول على جوازا ردني.
إن هذا الموزاييك الإنساني يعتبر الرصيد الفعلي والحقيقي للأردن، حيث كل مهجر أو لاجئ من هؤلاء جاء ومعه حرفته أو صنعته التي كان يعمل بها في دياره، والتي طورها في الأردن في ظل تسامح اجتماعي أردني عز نظيره، مما ساهم في ازدهار الأردن، في الوقت الذي يتكون الأردن في الأصل من قبائل عربية مقاتلة لا تعرف الاستقرار ولا تؤمن بالزراعة وتحتقر بمفهومها ونواميسها المهن وأهلها وتعتبرا لمهنه من امتهان الإنسان عندما يصبح الإنسان عامل بيده، حيث كان العمل اليدوي يتكفل به سكان القرى من الفلاحين والذين يعشقون الأرض والزراعة، فكان لوجود الفلسطينيين والأرمن والشركس والشيشان والدروز وهم في اغلبهم قرويون وفلاحون وأصحاب مهن الأثر الأكبر في سد النقص الحاصل في مجال الخدمات الأساسية في الأردن الحديث، وبقي اهتمام رجال القبائل على الوظائف الحكومية والجيش.
إن الأردنيين الذين يعتقدون أن قيام دولة فلسطينية سيكون خسارة كبيرة للأردن إذا ما عاد ملايين الفلسطينيين من الأردن إلى ديارهم تحت بند حق العودة، فان الأردن المتقدم ربما سيتأثر بعودة اللاجئين الفلسطينيين، لان الاعتماد الكلي اليوم في الأردن على اللاجئين، حيث يعملون في كل القطاعات الحيوية في الأردن بدءا من بناشر السيارات وورش التصليح وصولا إلى الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات. فأي مصير سيواجهه الأردن عند عودتهم، وهل اعد الأردن خطة لتلافي ذلك وخصوصا وأن الملك عبدا لله الثاني يعتقد أن القضية الفلسطينية يجب أن تحل في غضون عامين على الأكثر ويشاركه الرأي محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
فهل فكرنا في حلول لقادم الأيام؟
د. منور غياض ال ربعات
أستاذ مساعد في الإعلام الدولي
جامعة الدراسات العليا الأردنية
التعليقات