اذا قدر للسياسة ان تسمى بفن الممكن فان تأشيراتها في العراق تحديدا بدأت تأخذ ابعادا اخرى لا علاقة لها بالمنشأ الاصطلاحي لهذه التسمية لتعدد الستراتيجيات التي افرزتها الوقائع المتباينة لواقع موضوعي متنوع الاسباب والهرميات ومن ابرز مميزاته التأثيرات الدولية لاحداث 11 سبتمبر التي احدثت انعطافة حادة في تاريخ البشرية المتعرج في مساراته الذي ينطوي على الكثير من عوامل النهوض والتغيير في عوالم مراحله المتداخلة بخيرها وشرها والتي لا تخلو من تناقضاتها سلبا او ايجابا وانتهاكها لحقوق الانسان من ابسط حالاتها الى اعقدها بالترابط مع متغيرات انماط الانظمة المختلفه و لانصاف الحقيقة بكل ما فيها من قسوة ومرارة الاستطراد بعد التغيير الذي حصل في العراق يحق لنا القول ان النتائج المخيبة للآمال كانت واضحة للمراقب البسيط في الاشهر الاولى التي تميزت بانفلات وسلوك عشوائي مقرون بنهب وسلب لدوائر وممتلكات الدولة بما فيها البنوك من السطو على خزائنها ولم يقتصر الامر على ذلك وحسب بل تحولت ثكنات وميادين المعسكرات بما تحتوي من اسلحة ثقيلة وخفيفة بما فيها من مدافع ودبابات بل وحتى الطائرات الى مغانم ليس من جيش غازي بل من ابناء شعب محتل ولم تعد لوزارة الدفاع ومؤسسات الدولة الامنية الاخرى من هيبة تذكر بعد هزيمة رجاله من ابسط جندي فيه الى وزير دفاعه وبالتالي ال القائد العام للقوات المسلحة الذي كان رمزا للرعب والارهاب واستحالت مواقعه الى مغنم للصوص والطامعين والمهربين المحترفين وكذلك المجرمين الذين غصت بهم السجون والمعتقلات بلا ادنى ضوابط تحد من دنائتهم والانكى من ذلك تحولت الكثير من الجوامع ودور العبادة الى مخازن للاسلحة والاعتدة بالاضافة الى بساتين النخيل والفواكه وكذلك الصحاري والجبال وبيعت بابخس الاثمان ولم يكن الباعه من محترفي تجارة السلاح وهذا ليس بالامر المدهش ولكن ماهو اكثر دهشة ان ا لمشترين من رجال الدين ودعاة لتطبيق عدالة السماء على الارض، السؤال الذي يطرح نفسه ماالهدف من جمع الاسلحة في بيوت العبادة؟ ومع من سيكون القتال وما هي طبيعة التشكيلات الحكومية والسياسية التي افرزتها عوامل الاحتلال؟ وللجواب على ذلك نقول بعد التغيير وما حصل من نهب وسلب وحرق وثائق وهدم مؤسسات وسرقة متاحف بمرأى ومسمع من قوات الاحتلال لامثيل لها من 9/4 لغاية 13/7 /2003. وبعد تشكيل
مجلس الحكم مع وجود فوضى اعلامية وتقديرات سياسية لسياسيين محترفين ذهبت اكثرها ادراج الرياح لم ينتفع من الهرج والمرج الا النخبة التي تربعت على كرسي مجلس الحكم ووضعت اللبنات الاولى لتطوير الفساد المالي والسياسي والشروع بتوسيع ثقب شرخ الطائفية الذي فتحه النظام السابق بعد وضع العصا في دائرة مخاطره والتحكم في مساراته من خلال تعبئة اجهزته الامنية واستخدام كل اسلحة الدمار الشامل اذا وجد في ذلك تهديدا لسلطاته وتثبيت اركان حكمه وتغلفت نار الطائفية والعرقية برماد القمع والقسوة وتأطيرها بثقافة الحملة الايمانية...
وجاء التغيير و بدلا من وضع عربته في سكة السير الصحيح لم يترك الاحتلال مجالا للمخلصين من الوطنيين في تحديد مسارات التغيير بما يخدم تطلع الجماهير في تعزيز اركان النظام الديمقراطي وتبصير الجماهير بالمنهج الاقتصادي والسياسي وفق رؤى وفلسفة علمانية الدولة... شرع بريمر بحزمة قرارات تحمي جيوشه وتنتهك الحرية والسيادة العراقية وفق الامر رقم (7) والتلاعب باموال الشعب العراقي ابتداءا من صرف مبلغ (9) مليار دولار التي لم تسجل بقيود وليس لها من اثر يذكر وشكل مجلس الحكم الذي لم يعترض على اي قرار وحلت الطامة الكبرى بعد تعيين الوزراء من المقربين والموالين لاحزابهم ممن تربطهم علاقات وطيدة في غربتهم واعطيت لهم الصلاحيات الواسعة في نهب ما تبقى من خزينة الدولة وباشراف المستشارين الامريكيين الذين كانوا هم الوزراء الفعليين وتم اقتسام المال العام بين شركات معروفة باسمائها ومسمياتها وبين الوزراء العراقيين ممن عبثوا بالبلاد سياسيا وطائفيا وعرقيا وماليا وامنيا و على وفق مايلي:-
لم يكن حل الجيش العراقي خوفا من تأثيره على خلق ردة عسكرية لوأد النظام الديمقراطي ولكن لمصالح الشركات الامريكية الخاصة التي تناغمت مع مصالح من تحمل وزر حكم الشعب بالنيابة عنه وتربع على عرش الفساد المالي مما اشعل اوار المعارك الطائفية والعرقية والدينية وفتح اوسع ابواب الارهاب بمختلف اسبابه ومسبباته التي اكتوى بلهيبها شعبنا والا بماذا تفسر عودة الكثير من قادة الجيش ممن كانو برتب عالية فيه سابقا؟ واستثناء الكثير من ذوي الرتب الصغيرة ممن كانوا اكثر بؤسا في النظام السابق.
بعد تشكيل وزارة الدفاع بمعالجة خطأ حل الجيش الذي تفاقمت مساوئ اسباب حله واعادة حسابات الادارة الامريكية بعد فوات الاوان وبعد ان اتسعت شرور غياب جيش وطني في بلد وشعب خرج لتوه من حروب افسدت الكثير من قيمه وبعض سلوكياته المنضبطه وتدمير بنيته التحتية وازدياد دائرة الفقر وصار بلا مقومات مؤسسات جيش نظامي متين له هيبته العسكرية على من يخرج عن القانون وضبط الحدود ومواجهة المخاطر الداخلية والخارجية ومع كل ذلك لم يكن قرار اعادة تشكيل وزارة بجيشها مقنعا بسلوكه على الصعيدين العسكري والمدني فحماية المسؤولين كبرت وكثرت نفقاتها الوهميه منها والحقيقيه ولم يعر المسؤولين اية اهميه لآراء الناس واوجاعهم التي ملأت منافذ ذرات الهواء وباتت كثرة الحمايات الوهمية والحقيقية حديث الشارع العراقي والناس موزعة بين من يبحث عن قتلاه في ثلاجات الطب العدلي اوعن من قطّعت رؤوسهم وقذفوهم في نهري دجله والفرات او من لايميز بين ابنه وابن جار له في سوق الخضار بعد تفجيرات لم تسلم من بشاعتها حتى جثث الضحايا بعد قتلها لقد كان لوزير الدفاع وبعض العاملين معه بعد نيل السيادة كما قيل في الثامن والعشرين من حزيران من عام 2004 الدور الاكبر في تبديد ميزانية وزارته من خلال التعاقد وهميا على شراء الاسلحة واعطاء رواتب وهمية لضباط ومراتب وشراء اسلحة لاتستطيع مقاومة عصابة صغيرة في ضاحية من ضواحي بغداد الكبيرة
بعد تصاعد الخطب الناريه في تأسيس الجيش العراقي والشروع بتدريبه في مواقع متعددة من خارج العراق لم يجن الشعب العراقي في النتيجة الا هدر المال العام والقتل العام والتهجير العام والفساد المال والاداري وهروب الفاسدين بملياراتهم سواء اولئك الذين تعهدوا بحماية انابيب النفط او المسؤولين عن حماية الشعب هذا على صعيد وزارة الدفاع وجيشها او المرتبطين معها بعقود للحمايات اوتجهيز الاغذيه اوالمباني والعقود الاخرى اما بقية المسؤلين الحريصين على ايصال الكهرباء وبقية الخدمات الاساسيه للمواطنين وقبل الدخول في اخلاصهم اللامتناهي في الفساد اود القول بعد اكثر من ثلاث سنوات من التغير وكم كان الامر جميلا لو هجّر الشعب العراقي لمدة سنة كما حصل في دولة الكويت التي ابتُلِعَت ستة اشهر وعادت باحسن من ذي قبل فنحن على اتم الاستعداد لو خيرونا ان نبقى سنة كاملة في العراء على ان نعود باقل من خمسين بالمئة مما حصل عليه الشعب الكويتي الشقيق بعد تهجيره بستة اشهر واخيرا هرب الفاسدون بمليارات الدولارات ولم تتخذ الجمعية الوطنية الحد الادنى من انصاف الشعب باسقاط الحصانة عن من كان عضوا فيها بغياب اغلب اعضائها عن الحضور في التصويت لاسقاط الحصانة. ما تفسير ذلك..؟!
دور القضاء.. لم يكن القضاء بالرغم من كامل صلاحياته في استقلاله من حسم الكثير من القضايا المحالة اليه من هيئة النزاهة العامة او من الجهات الاخرى ولم نسمع من اي مسؤول قضائي اي موقف اعلامي او اهتمام بقضايا الشعب وعمق المشاكل التي تهدد الجميع باسم الجميع عدا هيئة النزاهة التي ملأت اجواء الفضائيات صراخا ولكن ليس من مجيب. والفاسدون متنعمون في عواصم العالم وفي مناطق آمنه في العراق والشعب يتضور جوعا ويختبئ شبحا تحت ملابسه خوفا من الارهاب والفقر وتحولت الديمقراطية الى غرفة حصينه لحماية اموال الكثير من الفاسدين تحت شتى المسميات وجمعيته الوطنية البرلمانية التي هي نفسها بامس الحاجة الى جمعية وطنية وجامعة دول عربية لحل مشاكلها الخاصة وخلافاتها الشخصية الطائفية والعرقية التي ليس لها علاقة من بعيد او قريب بمشاكل الشعب الذي اقتحم حصون الموت في انتخابها.
بات من المؤكد ان كل حكومة ترحل ابتداءا من مجلس الحكم وانتهاءا باخر حكومه برئاسة السيد الجعفري لم ترى الحكومه التي تخلفها الا المزيد من المعوقات وتراكم كمي ونوعي من مشاكل لاحصرلها وتتسبب في خلق معوقات اكثر صعوبة من سابقتها. بما يجعل الخلف محاصر اكثر بمشاكل تختلف عن سابقاتها تتضاعف بتعقيداتها على الحلول التي يمكن ان تكون متاحة لمن سبقها. ومن بين ابرز المشاكل ان لم نقل الكوارث. هدر المال العام بما في ذلك المال الذي تقدمه الدول المانحة وعزوف الدول الاخرى من تقديم المنح وتفاقم الارهاب واستشراء ازمات السكن والوقود والنقل والكهرباء بشكل ينذر بخطر ماحق اضافة الى الازمات الاخرى وهذا يعني حصرا في تأكيد تشخيص اساسي في سادسا ادناه وهو المهم.
غياب المشروع الحكومي- سيادي/ اقتصادي بقطاعاته الثلاث الاستثماري- التوزيعي- الخدمي. وضمانته دستور بمواصفات خالية من النزعة الطائفية والدينية والعرقية. تنفذه حكومة تكنوقراط يسود دولتها القانون وتحمي مواطنيها مؤسسات وحزمة قرارات اقتصادية وامنية وعسكرية بلا مليشيات تابعة لاي طرف من اطرافها او حزب من احزابها طائفية كانت او عرقية ولأي حزب من احزابها المقنعة منها والمكشوفة بلا وصاية من اية مرجعية دينية كانت او قومية بلا تأثير من اية جهة كانت مهما اتسعت دائرة نفوذها الاجتماعي وعدم استغلال بساطة وعي الناس بالنظام الديمقراطي الذي لازالت المرأة فيه تستسيغ قيودها وتعتز باحتباس حريتها مع تبوأها لاعلى سلطة تشريعية في بلادها.
زيادة مبالغ الاستثمار من ميزانية الدولة والتقليل من حمايات المسؤولين واعادة النظر في رواتب الكثير من العناوين والشروع بحماية الشعب ومحاسبة المقصرين من المسؤولين والفاسدين واعادة النظر بمساعدة جميع العوائل المتضررة من النظام السابق والحالي كون المعيل الذي تحرم عائلته من لقمة العيش مهما كانت جريمته ستحول ابناءه والمقربين له ومحببة الى ان يقفوا بجانب من يقترف الجريمة او حاضنة للارهاب وعلى طريقة ابو ذر الغفاري ( اعجب لمن لايجد القوت في بيته كيف لايظهر على الناس شاهرا سيفه ) فالكثير من عصابات القتل والسطو وجزء كبير من منفذي اعمال الارهاب هم من الجياع الذين سدت امامهم سبل الحصول على لقمة العيش. ولايأكلوا الا الشفافية ويلتحفوا النزاهة ولم يستفرشوا الا حصى العدالة الفارغة الا من الاف القتلى التي امتلات بهم الشوارع واستشراء الازمات.
توجد حقيقة صحيح انها مرة ولكن فيها من العبر ما يمكن ان يجعلها افضل درسا لمن يبغي البناء... هي ان الوزراء في العهد السابق كانوا لاحول لهم ولا قوة وليس في احسنهم من يجد في نفسه القدرة في الاعتراض على رد اقل طلب من حماية الحماية لرأس النظام السابق وصحيح ان الدولة دولة مؤسسات لكنها في واقع الحال دولة عائلة متسلطة يكفي القول ان ريع اكبر ثروة فيها لايعلمه الا المسؤول الاول وما الميزانية الاعتيادية وميزانية الخطة الا جزء من ثروته الشخصية ومن كامل صلاحياته استيراد ما يشاء من السلاح وبناء مؤسسات التصنيع العسكري لحماية بيته وعائلته وتوسيع دوائر امنه التي انهارت بلحظة رعب غير متوقعة.
ولكن ما البديل
صحيح ان الشعب العراقي تخلص من نظام قمعي تعسفي لاحدود لبطشه. ولكن البديل احتلال بلا ضوابط اخلاقية او مالية مع احزاب جاءت معه لم تستطع ان توحد نفسها بحكومة في منفاها رغم استلامها مبلغ ( 97 ) مليون دولار من مشروع تحرير العراق وتهيئة افضل رقعة جغرافية آمنة لها على ارض الوطن في اقليم كردستان. ومع كل ذلك جاءت للحكم بكل خلافاتها ومليشياتها التي يفترض ان تكون اداة لاستتباب الامن بعد قرار حل الجيش الخاطئ على اقل تقدير بل تحولت الى مصدر قلق وعنصر رعب واستفزاز للكثير من الشرائح الاجتماعية العراقية مما اضافت مشاكل جديدة الى مشاكل الناس المستعصية. اضافة الى ابعاد العناصر الوطنية في الداخل والمشهود لها بالوطنية والنزاهة والكفائة ومواجهتها للنظام في الداخل وتحملها الكثير من تبعات قمعية ومصادرة اموالها والحيف الكبير الذي لحق بها. وعلى وفق ذلك فلا نستغرب من حصول فرقة طائفية وتقتيل على الهوية واتساع ظاهرة قطع الرؤوس وخلو الشارع ليلا الا من القتلة والكلاب السائبة المستفيدة الوحيدة في اشباع بطونها من ابرياء الشعب العراقي وتحولت الديمقراطية بابعادها السامية الى بعبع وصارت مثلا سيئا يستشهد به الطغاة من بعض حكام الشعوب لتبرير بطشهم وانتقلت مطاليب الشعب من ميدانها النضالي الوطني الى حقيقة حكم طائفي وعرقي جغرافي ومع ذلك لازالت الآمال معلقة والحل يكمن ببساطة ان ادرك المخلصون في ايجاد مشروع سياسي اقتصادي حضاري افتقرت له انظمة من ادعى التغير اعتبارا من ثورة عام 1952 مرورا بالثورة العراقية عام 1958 وجميع ثورات الوطن العربي والاسلامي ولحد التغيير الحاصل في العراق عام 2003 وليس الى برنامج يقرره رئيس دولة او رئيس حكومة وان كان ذلك صحيحا وارجو اخيرا ان يتسع صدر من يعنيه القول وان يعيد النظر بسياسة حزبه او دولته او مليشيا ته بدلا من ردود الافعال المنفعله التي دفعت شعوبنا ثمنها غاليا جراء نزوات حكامها وان لاتضيق الصدور ويفسر نقد السلبيات هدم لكيان بدل ان يكون بناء للوطن والانسان على حد سواء
وقول الجواهري
ومن لم يتعظ لغد بأمس وان كان الذكي هو البليد
الباحث الاقتصادي
عبد الاخوة التميمي
التعليقات