لإيران بغض النظر عن معتقدات شعبها تاريخ إمبراطورى ضارب فى القدم. ظلت الدولة الفارسية لقرون عديدة صاحبة سلطان يطاول المشرق والمغرب. تداول السلطة خلال تلك القرون ملوك وقادة من خلفيات متعددة، منهم الفرس والتتار والمقدونيين والمجوس وحتى المسلمين والبهلويين والملالى، ولكن ظلت إيران مع جميع هؤلاء إما تحتفظ بسيطرتها على إمبراطورية واسعة أو على الأقل تحاول ذلك خلال مراحل ضعفها. لم تنكفىء إيران أبدا خلال التاريخ على ذاتها وعلى محاولة تنمية شعبها والرضاء بأرضها ودورها كدولة إقليمية فقط. جميع الإمبراطوريات القديمة إضمحلت وتحجمت داخل أراضيها إلا إيران. إضمحلت الإمبراطورية الإغريقية والرومانية والمغولية واليابانية وصولا إلى البريطانية والفرنسية والأسبانية وغيرهم. كما إضمحلت الإمبراطورية الإسلامية بتسمياتها المختلفة من أموية وعباسية وصولا إلى العثمانية. كل هذه إمبراطوريات نشأت وبادت وإنكفأت شعوبها على حالها وعلى حدودها الطبيعية إلا الإمبراطورية الإيرانية التى ظل حلمها فى إحياء إمبراطوريتها جياشا فى ضمير شعبها، وظل محور أحلام قادتها على مر التاريخ.

أيضا فى التاريخ المعاصر لم تتغير إيران عن طبيعتها منذ بدء التاريخ المعروف. ممارسات إيران شعبا وقادة لم تتغير أيضا سواء كان حاكمها الشاه أم الملالى. التغيير يتم فى المظهر وفى الشكل أما الجوهر والأحلام والممارسات فلم تتغير قيد أنملة. لم ترض إيران أبدا بما قسم لها من دور أقليمى وحدود دولية رغم أن من ضمنها بعض أراضى العراق وبعض أراض الكرد، ولم تزل ترنو ببصرها إلى دول الجوار، تقضم منها ما تستطيع وتنتظر اليوم الذى تتمكن فيه من مد سيطرتها على جميع دوله لتنطلق من بعد ذلك لمد نطاق إمبراطوريتها المأمولة.

من حسن طالع إيران أنه لا يوجد فى الوقت الحالى من بين جيرانها بلاد لها أطماع أو أحلام إمراطورية من بعد أن تم إقتلاع صدام من كرسى السلطة فى بغداد. بل إن العراق حسب حالته الراهنة وسيطرة الفكر الإيرانى والتبعية الشيعية على أغلبيته هو من أول الدول المرشحة للدخول فى المعية الإيرانية لو أتيحت له الظروف. تبعا لظروف المرحلة كانت إيران بحاجة لقائد راديكالى من طراز أحمد نجادى ليتمكن من إستقطاب من يمكن إستقطابه من شعوب العرب بحجة معاداة إسرائيل. تلك المعاداة الكلامية الزاعقة مع بعض الدعم المادى والتسليحى أيضا لقوى راديكالية فى المنطقة مثل سوريا وحزب الله وحتى القاعدة والزرقاوى وحماس وغيرهم. ومع الإعجاب بالخطاب النارى لنجادى ومقاتلة حزب الله وفيض من الأموال التى تصرف يتجه كثيرون من العرب إلى الإنضمام للواء الشيعى. ونظرة على إحصائيات تحول أعداد كبيرة من المصريين ndash; بالأخص- للفكر الشيعى تدل على نجاح الإيرانيين فى التغلغل لأعماق المجتمع المصرى بالذات ولربما أيضا فى باقى المجتمعات العربية.

ليست المسألة مسألة فكر شيعى أو سنى أو مجوسى أو علمانى، الفكرة هى أحلام إمبراطورية إيرانية، وخطوات محسوبة لتكوينها. دولة وحيدة هى المؤهلة حاليا لوأد الأحلام الإمبراطورية الإيرانية أو على الأقل إرجائها لبضعة عقود أخرى. تلك الدولة ليست أمريكا بالقطع وإن كانت مساعدتها مطلوبة وحيوية. تستطيع أمريكا أن تضرب المفاعلات النووية الإيرانية ولكن بتكلفة باهظة قد لا يحتملها الشعب الأمريكى. تستطيع أمريكا أيضا أن تظلل بعض الدول بحمايتها العسكرية ولكن إلى حين. إيران أيضا من الذكاء حتى أنها لن تستفز المارد الأمريكى قبل الميعاد المناسب، والميعاد المناسب هو عندما تكتمل قدرتها النووية وتنتشر قيمها وثقافتها بين العرب قدر الإمكان. وعند ذلك سيكون لكل مقام حديث. فلربما رأت إيران أن مصالحها وأطماعها عندئذ تلزمها بالقسمة مع الأمريكان، وليس لدى إيران من أجل أطماعها أى مانع من أن تنام مع الشيطان الأكبر أو الأصغر!

دولة وحيدة فى إمكانها أن تحجم الأطماع الإيرانية. دولة ذات مجتمع متماسك وله عقيدة صلدة، دولة ذات حكم مستقر وقيادة لا ينقصها الذكاء، دولة لها إرادة قوية ولا تحتاج إلا إلى خطة إستراتيجية ذات مدى وعمق! خطة تدرك الخطر وتعمل من أجل إستنفاذ وإنهاك مصادر القوة الإيرانية لتنتصر بدون حرب ولا خسائر، لا بشرية ولا بنيوية. دولة لها ثقل قيادى من الناحية الدينية والسياسية يفوق ndash; حتى الآن- ما لدى إيران بمراحل. دولة لها عمق إستراتيجى جغرافى وبشرى وثقافى لا ينضب. الدولة الوحيدة التى لها كل تلك المزايا والتى لا ينقصها إلا رؤية تحليلية للخطر الإمبراطورى الإيرانى وخطة محكمة لتحجيمه والتى إجتمعت لها كل تلك المزايا هى الدولة السعودية بالطبع.

أما كيف تتمكن السعودية من الإنتصار على الخطر الإمبراطورى الإيرانى وبدون حرب، فهذا سيكون موضوع مقالنا القادم...

عادل حزين
نيويورك
[email protected]