كم هي المسافة الفاصلة يا ترى بين المبدع والسياسي، العلاقة الازلية بين المثقف والسلطة؟؟
سؤال تقذفه الضرورة بالضرورة حين نقرا آخر إصدارات الاديب الاردني رمضان الرواشدة، رمضان، الصحفي والإعلامي والاديب، والمستشار السابق لرئيس وزراء االاردن.
منذ تالقه في الحمراوي- روايته التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ تنزلت عليه شآبيب الرحمة-، والرواشدة قادر على تطويع قلمه برشاقة المحترف في مقالته الصحفية، واستطاع بذكاء ان يزاوج بين الرقة الادبية والموضوع الصحفي.
وفي إصداره الاخير، كان الصديق رمضان الرواشدة يتوضا بالكلمات ناشدا التطهر من لوثة السياسة ودهاليزها، ياخذك بسحر نحو عوالم شفافة من الوجدانيات التي تفضح نبض قلبه.
quot;النهر لن يفصلني عنكquot;، عنوان بقدر ما فيه من بساطة التركيب، بقدر ما يحمل رهافة الحس الإنساني لرجل تقاذفته التجارب فصقلها كما صقلته، والكتاب ليس له جنس تصنيفي كلاسيكي، فهو تداعيات مبينة باحتراف، ومتدفقة بعذوبة ذات النهر الذي لن يفصل رمضان quot;عنهاquot;!!
حتى رمضان يعترف بذلك بكل نزاهة في الربع الاخير من تداعياته الصوفية حد العشق فيقول:(خربشت بعض الاوراق، قد اسميها رواية، وقد تكون نصا نثريا لااعلم!!كتبت صفحات كثيرة لا اعلم ما الواصل بينها.هل اسميها صياح الديك؟)
هي ليست رواية، لكنها تروي ظما الباحث عن حلم في ثنايا الحكايات المنسية على شفاه الجدات، وهي ليست نصا نثريا وحسب، بل دفق من نبض متواصل يؤطر لحالة متسامية من التصوف والعشق، وهي ليست كلاما على ورق فقط، بل بنية تحتية لجسر جديد من العروق والشرايين يربط الضفتين، وبدون مباشرة فجة، وكلام إنشائي مستهلك، يوصلك الرواشدة إلى مبتغاه في العشق، وبدون عنونة ممجوجة في موضوع الوحدة الوطنية، يحملك رمضان برشاقة عبر بساط كلماته السحرية إلى عوالم المدينة العتيقة، ويمد إلى بصيرتك افقا من الضفة الاخرى لم تكن تراه.
وصياح الديك، هذا العناون الذي على ما يبدو قد بترته اسباب لا يعلم بها إلا رمضان، هو عنوان الحالة التي يضعك فيها الكاتب ببراعة.
الصوفية المستترة عن عمد، مفضوحة بلا غموض، والتشظي العنقودي في روح الكاتب،تلملمه حزمة المفردات التي هي الخلاص الاخير، والنبل في العشق، تصفيه الروحانية الخالصة من شوائب الشيطنة.
هكذا كتبت على هامش دفتر ملاحظاتي في القراءة الاولى لكتاب الصديق الاديب رمضان الرواشدة، وهكذا ما زلت اعتقد في القراءة الثالثة للكتاب ذاته.

مالك العثامنة
[email protected]