في اللحظات التي کنت فيها اتابع خطاب حسن نصرالله الى مئات الالوف من مؤيديه من اللبنانيين امس بمناسبة quot; النصر الالهي quot; على اسرائيل کنت اتمنى لو کان بامکاني مراقبة ردود فعل اسامة بن لادن وما يشعر به ازاء کل ذلك الزهو والبهاء والکبرياء المنبعث من اداء هذا الصقر الشيعيquot;الرافضي حسب الخطاب القاعديquot; الذي بدا وکانه تحول الى قائد و خطيب ومنظر ومنقذ ومحررquot; للامة quot; بينما تحول هو رهطه الى شلة من الهاربين المختيئين في، والله اعلم، اما في کهوف تورابورا الواقعة في غياهب الجغرافيا او في احدى الاقبية المظلمة في منطقة القبائل الظلماء في اقاصي الحدود الافغانية الباکستانية لا حول لهم ولا قوة سوى ارسال اشرطتهم الخائبة البائسة الملئى بالتهديدات والدعوات للقتل والتدمير وفتاوى التکفير والترويج للنحر والانتحار.
کان حلم بن لادن ان يتحول الى خليفة وقائدا للمسلمين من خلال ارکاع العالم بغزوات قاعدته المستندة الى دعم واسناد دولة طالبان اللامحدود. واتخذ من الاسلام وفلسطين شعارين لحربه التي کانت ذروتها quot;غزوة منهاتن quot; و التي مرت على ذکراها خمسة اعوام قبل ايام. ولا حاجة لنا هنا للحديث عن مآثر تلك quot;الماثرةquot; وعنquot; الفوائد الجمةquot; التي اغدقتها على عموم المسلمين وسمعتهم ومکانتهم بين سکان المعمورة ولا عن الفوائد الجمة التي عادت بها الى فلسطين و قضية فلسطين لان الکل يشهد و يعيش ذلك اليوم. حلم بن لادن هذا کان سرحا من خيال فهوى (کما في اغنية ام کلثوم الاطلال) بعدما ان نجحت الولايات المتحدة بتحويل دولة طالبان الى رکام بالضربة القاضية انتقاما لغزوة بن لادن في منهاتن. ومن يومها تحول ذلك الخليفة المنتظر الى شريد الحفر والکهوف.
اذا اعتبرنا ان بن لادن قد اصبح رمزا لاخفاق مشروع الاسلام السياسي الثوري بزيه السني، فان حسن نصرالله اصبح رمزا لصعود نجم الاسلام السياسي الثوري بزيه الشيعي. فالرجل الذي حظي ابان سنين مراهقته وشبابه بلقاء ومبارکة ومبارکة ودعم quot; روح اللله الموسوي الخميني وقائد الثورة الاسلامية quot; في ايران له يبدو انه اصبح منذذاك الحين ملهما وحالما في ان يتحول الى المهدي المنتظر الذي طال انتظاره من قبل المؤمنين. وقد حقق سماحة السيد والحق يقال بفضل ذکائه الحاد وشخصيته الکارزمية، لکن ايضا بفضل الدعم الايراني اللامحدود نجاحات باهرة في طريق بناء حلمه. فغزوات نصرالله کانت موجة صوب دولة الاحتلال حصرا، فنال دعم الکل من اللبنانيين والعرب والمسلمين وکذلك من غير العرب والمسلمين.ومن هنا اصبح سيد النصر وسيد التحرير. وحتى الحرب الاخيرة التي کادت تقضي على الکثير من هيبة حسن نصرالله وعلى الانجازات التي حققها ايام التحرير عادت ايضا عليه بالمزيد من المجد والزهو کونه خرج منها صامدا محتفظا بسلاحه وکبريائه، ولذلك اسباب کثر في مقدمتها صلابة مقاتليه من رجال حرب العصابات، واستمرار الدعم اللامحدود الايراني، ودعم اللبنانيين حکومة وشعبا له بوجه العدو المشترك، واخيرا السلوك الهمجي الاسرائيلي تجاه کل لبنان الامر الذي ساهم احداث اصطفاف لبناني وعربي وحتي دولي مع لبنان بمواجهة اسرائيل.
صحيح ان حسن نصرالله هو اذکى بکثير من اسامة بن لادن بل وحتى ليس هناك مجال للمقارنة بين الاثنين من نواحي شتى، فاننا يجب الا ننسى بان الاول محظوظ اکثر من الثاني کون ايران وهي داعمة نصرالله هي غير دولة طالبان داعمة بن لادن ايران کما هو معلوم دولة کبيرة وقوية، فيها قيادة سياسية تفهم طبيعة العلاقات الدولية لم ولن تتخلى يوما عن البراغماتية وهو الامر الذي امن لها امکانية البقاء لغاية الان، وبالتالي بقاء حليفها حزب الله.
ربما کان خطاب التحدي امس محاولة من السيد لتحريك ماهو ساکن ومستعصي في القنوات الدبلوماسية السرية حول نتائج الحرب وصراع الارادات بين المتصارعين الکبار والصغار، وان کان الامر کذلك فلاباس لان ذلك ينضوي تحت ظل فن الممکنات، لکن ان کان السيد يحضر لاکثر من ذلك فيما يتعلق بتغيير الخرائط السياسية في لبنان وخارچ لبنان ووفق اجندات الاخرين فهذه بلا شك اکبر منه بکثير،لابل واکبر بکثير من الدولة نفسها التي ترعاه اي ايران التي تعلم ذلك علم اليقين والمصيبة الکبرى ستکون في ان کان السيد نفسه لايعلم ذلك. فبعض الاسئلة البسيطة ضرورية لسماحة السيد ان يطرحها على نفسه عدة مرات في اليوم الواحد مثل : هل توجيه الضربة لايران هو امر مستحيل فعلا..؟ هل سيقبل المجتمع الدولي بهيمنة ايران على المنطقة..؟ ماذا لو استمرت الحرب الاسرائيلية على لبنان لغاية اليوم..؟ اسئلة ان اجاد سماحة السيد بعقلانيته المعهودة التعامل في الاجابة عليها لاستطاع الحفاظ على مکانته وانجازاته التي حققها، وان يتجلى للکثيرين في صورة المهدي المنتظر، لکن المخيف هو ان يرکب الرجل راسه وان يصبح مطية انبهاره وينتهي الى ما انتهى اليه من حلموا ان يصبحوا يوما الخليفة المنتظر.

آسوس جمال قادر

[email protected]