اكتنزت كلمة السيد حسن نصر الله في طياتها وبين سطورها عناوين كبيرة للبنان quot;المستقبلquot;، ورسائل عدّة لجهات كثيرة، المحلية والخارجية، تخبرهم quot;اللهم اشهد أني قد بلغتquot;..... فقد أبرز سماحة السيد نصرالله عنوان عريض بأن حزب الله لن يكون مسؤولاً عن أي حرب طائفية، مخطوط لها، من خلال قوله quot;إن الانقسام سياسياً وليس مذهبياًquot; فلا تسمحوا أن يجروكم لها...
باعتقادي أن هذه الرسالة كانت من أهم البنود التي ستساعد في رسم لبنان المستقبل المرتكز على quot;الوحدة الوطنيةquot;، هذا المفهوم المفقود منذ ستة عقود من عُمُر مشروع الدولة اللبنانية التي لم ترى النور وإلى حينه. وجاء ربط إنهاء سلاح حزب الله ببناء دولة لبنانية قادرة وقوية وعادلة وملبية لطموح الشعب، دليل على مصداقية السيد حسن نصرالله الذي يطمح فعلاً لتأسيس quot;لبنان.. أولاً وأخيراًquot;. فهذا الرجل يمتلك quot;كاريزماquot; قيادية تؤهله أن يتبوأ قيادة دفة بناء هذا quot;المشروع.. الحُلمquot;... الذي إن لم يتحقق في حياته، فلا أعتقد أنه بالامكان الولوج بلنبان في عاصفة هوجاء، لا تستثنيه من أي دمار قد يحيق به أو أن تكون (لبنان) أداة للتدمير في يد إسرائيل وأميركا.
الوضع الطائفي الحالي هو امتداد لما حدث في عام 2004، فكل الطوائف مستقطبة، وكلها خائفة على مصيرها، إلى القدر الذي يجعل الطائفة تتجمع حول الزعيم الأقوى الذي يوحد الطائفة بغض النظر عن اتجاهاته السياسية. نحن أمام بنية طائفية مستفزة، لكن من الصعب أن يجد الخطاب الطائفي صدى له، لأن القول بوحدة الطائفة وهمي.
والشيء الإيجابي الوحيد الذي ظهر حتى قبل الحرب وتدعم بعدها هو أنه للمرة الأولى في لبنان نجد القوة المسيحية الرئيسية تلعب دورا إيجابيا في احتواء الأزمات، على اعتبار أن الصراع المفتوح على السلطة الآن يدور بين الشيعة بمرجعيتهم الإيرانية، وغالبية السنة بمرجعيتهم السعودية. وبين هذا وذاك، وجد تيار مسيحي وطني عاقل يمثل أغلبية المسيحيين هو تيار عون يدرك ضرورة خلق توازن في البلد لكبح الصراعات، فهو يكبح عمليا هيمنة فريق 14 آذار، ويكبح هجومية تيار حزب الله.
هذا التيار يمكن القول إن لديه مشروعا للدولة يحفظ الوجود المسيحي ويقيم فكرة الشراكة بين القوى، وينادي بتفعيل دور دولة القانون والمؤسسات ويطالب باحتواء المقاومة داخل الدولة في لبنان.
والدولة ليست انعكاساً لرؤية ايديولوجية خاصة بطائفة أو حزب أو جماعة، كما أكده سماحة السيد عندما دعا جماعة 14 شباط لبناء الدولة معاً، خصوصاً في المجتمعات فسيفسائية التكوين المختلطة والمتعددة كما هو الحال في لبنان، البلد المتعدد الطوائف الذي تنبثق فيه فكرة الدولة وتنشأ من خلال عقد اجتماعي بين جميع الفئات تتكرس ميثاقاً وطنياً لتؤسس الدولة القوية.
فلا بد أن تلتزم بهذا العقد الاجتماعي جميع الطوائف اللبنانية بما في ذلك الطائفة الشيعية، ويجب أن يحظى هذا الأمر أساساً بإجماع اللبنانيين من كل الطوائف، ويدعم ليكون أكثر رسوخاً وثباتاً في نفوسهم وقناعاتهم وتشجيعهم على أن يكونوا أكثر تمسكاً به كثابت من ثوابت الوطن النهائي الذي لا يتبدل مهما تغيّرت الظروف وتبدلت الأحوال.
وبقاء لبنان كـquot;مشروع دولةquot; تابع وضعيف في ظل هذا العبث السياسي من قبل جماعة 14 شباط، غير ممكن خاصة بعد الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة على أسطورة الجيش الإسرائيلي، ولبنان يمتلك الفرصة حالياً كي يترجم مفهوم صحيح ومستقل لمفهوم quot;الدولةquot; في العالم العربي، ويكون انطلاقة جديدة لشرق أوسط جديد تبزغ منه نواة الدولة العربية القوية التي لا تُفرض عليها أجندة بقاء لكرسي العرش بل البقاء والكلمة الفصل هي للشعوب ولقضاياها الوطنية. وهذه الانطلاقة تجعل من السيد حسن نصرالله مشروع أمة بكاملها وهذا يفسر التفاف الشعوب العربية حوله، ما يجعل من سماحة السيد أنشودة أمل للكثيرين ويدفعه إلى تحمل مسؤولية أمة بأكملها لا لبنان فقط. وإلا، فنحن أمام نموذجين لبنانيين يعكسان حاله تستشري في العالم العربي، نموذج الحركة التي تبتلع الدولة، أو أن تؤكد الدولة سيادتها وتحتضن الحركة سياسياً لا عسكرياً، وهذا ما يهدف إليه الغرب quot;المواجهة بين الحركة والدولة في العالم العربيquot;، وهما المشروعين الهادفين لتقويض الدولة العربية الحديثة.

سالم أيوب
كاتب ومحلل سياسي

* مدير مركز معلومات جريدة السياسة
[email protected]