بُعيدَ كُل قرار تصدره الحكومة العراقية الحالية، وكل فعل أو إجراء يصدر عنها، تتعرض هذه الحكومة إلى سيل من الإتهامات والتخوينات التي لم يسبق لها مثيل.. سيل من الأكاذيب والتهم التي يكيلها جزافا بعض الكتبة
هنالك ولع وحب لصدام غير ملعن عند بعض الحكومات والكتاب والمثقفين العرب الذين يتسترون بثوب حقوق الإنسان والدفاع عن المستلبة حقوقهم!! ولو اعدم صدام في أي يوم آخر، وفي أية قضية أخرى لجاء أولئك بحجة ثانية بلهاء كأخواتها الآن. |
ولعل في استهجان كتبة السلاطين واستنكارهم إعدام صدام، وتلك الدويلة التي فرضت الحداد على موته ثلاثة أيام وسرادق العزاء التي انتشرت في مرابع وصحارى دول العرب، خير دليل على سطحية العقلية العربية وعدم إلتزامها الأخلاقي الذي يحتم على البعض العيش في أوهام الديكتاتوريات المريضة وعدم الخروج من بوتقتها الشريرة وهو مايمليه التأريخ العربي الدموي الذي يعتبر الطغاة قادة هذه الأمة و سيوفهم الحمراء قبلة الناظرين.
اُختزل إعدام صدام في ثلاثة محاور رئيسة:
هذا المدخل تمليه ضرورة الاستطراد والدخول في قضية إعدام صدام الذي جاء بعد 38 جلسة تم خلالها الاستماع الى 95 شاهد اثبات ونفي وصلت ملفات القضية فيها الى عشرة آلاف ورقة بينما أنفق على مجريات القضية حوالي مليوني دولار..وأُختزل تنفيذ الإعدام بصدام من قبل المعترضين على التنفيذ في ثلاثة محاور رئيسة:
المحور الأول:
((اختزال التوقيت )) توقيت الإعدام فالحكومة العراقية أعدمته فجرا، قبل أن ينحر المسلمون خرافهم صباح يوم عيد الأضحى- كما قالت أغلب الحكومات العربية.
المحور الثاني:
((الاختزال الطائفي )) مرة أخرى تتصدر الطائفية قضايانا العربية، حيث ان الإعدام تفوح منه رائحة طائفية تزكم الأنوف-كما يقول رئيس تحرير صحيفة عربية تصدر في عاصمة الضباب بالإضافة إلى مقالات أخرى في عدد من الصحف العربية-، والتبرير أن يعدم صدام من أجل حادثة الدجيل فقط، فهذا اختزال، وتجاهل للحقائق، كما ذكروا في افتتاحيات صحفهم.
المحور الثالث:
((الاختزال في الإجراءات)) هناك من يلقي باللائمة على الإجراءات القانونية، ويقول إن محاكمة صدام وإعدامه أمر سياسي، لا قضائي بحت.
لست متبحراً في القانون، ولكن من خلال متابعاتي ودراستي البسيطة للقانون الجنائي العراقي، أعرف ان هذا القانون يجيز تطبيق الإعدام بحق المتهم المحكوم عليه بعد الإنتهاء من التحقيق معه في أول قضية وبعد المصادقة على القرار وفي غضون ثلاثين يوماً وبغض النظر عما إذا كانت تلك القضية تخص أية طائفة أو قومية ولاحاجة للنظر بالقضايا الآخرى المنسوبة للمتهم.
مايشم فعلاً من رائحة تزكم الأنوف هي الرائحة الطائفية والأسفين الذي يحاول الكتبة أن يدقوه بين أبناء البلد الواحد حتى في قضية إعدام صدام وتجييرها لصالح هذه الطائفة او تلك متناسين ان إعدام صدام يعيد لجميع العراقيين حقوقهم المغتصبة. هم، مع شديد الأسف، يحاولون نكأ جرحا طائفيا لم يندمل بعد.
إعدام صدام فيه إحقاق لحق الأكراد، الذين أبيدوا بشكل وحشي نازي على يد أزلام صدام، وإعدام صدام هو بمثابة دين يُدفع لكل قطرة دم أريقة بمجزرة الرمادي..أما دولياً فإن فاتورة حربي إيران والكويت ودماء أسراها وكل من له حق في رقبة صدام قد دفع بشكل علني وأمام الملأ بل على رؤوس الأشهاد.
أذن لم يكن إعدام صدام قضية تخص شيعة العراق، ولم يكن رأس صدام عوضاً عن رؤوس أهالي الدجيل كما يصور البعض. فأية حرمة تلك التي يتحدثون عنها وهم لا يقيمون أية حرمة لا لأشهر حرم ولا لإنسانهم الذي جوعوه وشردوه في أصقاع المعمورة؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من هو أكثر حرية وديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان : هل نحن العرب أم فرنسا وألمانيا وبريطانيا أُم الديمقراطيات ومهدها الأول، وكل هذه الدول اعتبرت إعدام صدام شأنا عراقيا.
وصدقوني هنالك ولع وحب لصدام غير ملعن عند بعض الحكومات والكتاب والمثقفين العرب الذين يتسترون بثوب حقوق الإنسان والدفاع عن المستلبة حقوقهم!! ولو اعدم صدام في أي يوم آخر، وفي أية قضية أخرى لجاء أولئك بحجة ثانية بلهاء كأخواتها الآن.
الحكومة العراقية ملامة؟
الحقيقة هي أن اللوم كله يقع على عاتق الحكومة العراقية فعلاً، ولكن كيف؟
الحكومة ملامة لأنها لم تسلم صدام إلى العراقيين منذ أول لحظة عندما عُثر عليه في ذلك الجحر الفأري.
وهي ملامة أيضاً لأنها حاكمته محاكمة عادلة.
كما إنها ملامة لأنها سمحت لطاقم من المحامين العرب والأجانب بالإضافة الى العراقيين بالدفاع عنه وأزلامه، وهذا مالم يكن متوفراً لضحايا النظام.
وهي ملامة للمرة الرابعة لأنها نقلت بشكل مباشر وعلني وأمام الملأ وقائع تلك الجلسات.
وملامة خامسة لأنها فسحت المجال لصدام ان يحول المحكمة إلى سرك مضحك تثير عروضه وحركاته الساذجة شعورا بالسخرية كما كان يفعل الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الذي أفلت من الإعدام عندما مات ميتة طبيعية.
وهي ملامة لأنها نقلت وقائع الإعدام فضائيا. وملامة لإنها سلمت جثة صدام لذويه ولم تتركها على قارعة الطريق كما حدث مع الدكتاتور الروماني نيكولاي شاوسيسكو وزوجته بعد إعدامهما رميا بالرصاص عام 1989. أو كما حدث في إيطاليا عندما أُعدم موسوليني وخليلته، وعلق جثتيهما بشكل مقلوب في إحدى ساحات ميلانو.
وأخيراً الحكومة العراقية ملامة لأنها و قوى التحالف الدولي كانت تعتقد ان فصول اعتقال ومحاكمة صدام وأزلام نظامه تتشابه وفصول محاكمات طوكيو ونوريمبيرغ بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
والسؤال هنا: هل ستُعبد هذه المحاكمة والإعدام طريقاً يسمح لأنصار النظام السابق أن يتقبلوا المراحل السابقة واللاحقة وحقيقة كون أن البعث في العراق قد أنتهى بنهاية صدام ونفس الشيء يقال بالنسبة لمن مازال يعيش التأريخ بالمقلوب.
معد الشمري
إعلامي وصحافي
[email protected]
التعليقات