حتى نيسان/أبريل 2003 لم يكن صدام حسين يتوقع أن هناك قوة على سطح الأرض قادرة على تحديه أو الوقوف بوجهه. رغم التحديات التي فرضتها حرب الخليج الثانية التي تمثلت في وجود القوات الأمريكية

كان صدام محقاً في توقعه عدم ثورة شعبه ضده، ولكنه لم كان مخطئاً في فرضياته التي خلصت إلى عدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق بغرض عزله من السلطة. فقد فرضت أحداث 11 سبتمبر 2001 معطيات جديدة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط أصبحت معها مواجهة ظاهرة الإرهاب أكثر إلحاحاً من فرضيتي التخوف من الفشل العسكري والرغبة في مواجهة النفوذ الإيراني
على الحدود الشمالية والجنوبية للعراق، إلا أن صدام حسين لم يتوقع أبداً أن تغامر الولايات المتحدة بغزو العراق لإسقاط نظام حكمه. بنى صدام حسين توقعاته على فرضيتين كانت الفرضية الأولى بخصوص التخوف الذي يتملك الأمريكيين من خوض حرب عسكرية جديدة منذ فشلهم الكبير في حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي. أما الفرضية الثانية فكانت بشأن رغبة الولايات المتحدة في استمرار العراق كقوة إقليمية يحسب لها حساب في مواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم في منطقة الخليج.

لم يتوقع صدام حسين أيضاً أن ينجح الشعب العراقي في الإطاحة به والثورة على نظام حكمه بعدما أحكم تماماً سيطرته على زمام الأمور في العراق مستخدماً الإفراط في استخدام كافة أدوات الدولة البوليسية وعلى رأسها الاعتقالات العشوائية الطويلة، والتعذيب، والتخويف والترهيب، تفعيل دور المخابرات، وتعطيل الحياة السياسية، والاغتيالات الفردية والجماعية لمعارضيه. طوال سنواته في السلطة كتم صدام حسين أنفاس شعبه، لذا لم يتمكن العراقيون من الإطاحة به. وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها الشيعة والأكراد للثورة ضد نظام حزب البعث، إلا أن محاولاتهم جاءت قاصرة وغير مثمرة.

كان صدام محقاً في توقعه عدم ثورة شعبه ضده، ولكنه لم كان مخطئاً في فرضياته التي خلصت إلى عدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق بغرض عزله من السلطة. فقد فرضت أحداث 11 سبتمبر 2001 معطيات جديدة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط أصبحت معها مواجهة ظاهرة الإرهاب أكثر إلحاحاً من فرضيتي التخوف من الفشل العسكري والرغبة في مواجهة النفوذ الإيراني. لقد دفع صدام حسين ثمن التوازنات السياسية التي يشهدها النظام العالمي في الوقت الراهن والتي تتراوح بين الرغبة الأمريكية الجامحة في السيطرة على أدوات وأطراف النظام العالمي الذي يتواجد في العقدين الآخيرين وبين التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة والتي يأتي في مقدمتها ظاهرة الإرهاب المتصاعدة.

صدام حسين ليس الدكتاتور الوحيد الذي حكم بمنطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت دول المنطقة ولا تزال تشهد العديدين من الحكام الدمويين والطغاة المجرمين الذين وإن لم يبلغوا درجة إجرام ووحشية صدام حسين إلا أنهم بدرجة أو بأخرى ربما يستحقون بجدارة الوقوف أمام العدالة بتهم كثيرة يأتي في مقدمتها ارتكاب جرائم بحق شعوبهم. لقد كان من الممكن أن يكون أي من هؤلاء الدكتاتورات بديلاً لصدام حسين في تجربته مع المحاكمة، ولكن شاء حظ الدكتاتور العراقي أن يكون أول، وربما ليس أخر، طغاة الشرق الأوسط الذين يقدمون للعدالة ويعلقون على حبل المشنقة الذي كثيراً ما يستخدمونه في التخلص من معارضيهم السياسيين.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل يتعظ الطغاة الذين يحكمون بالنار والحديد ولا يراعون حقوق شعوبهم؟ معظم الحكام في منطقة الشرق الأوسط يجهلون ويتجاهلون مباديء الحرية والديمقراطية والحقوق الأساسية للإنسان ولا يعيرونها اهتماماً. أرجو أن يعي الطغاة أن لعبة السياسة غير مضمونة العواقب، ولا ينبغي الثقة بنتائجها فهي تشبه الحيّة في مكرها وتحولاتها وتغيراتها وهي لا تسير دوماً في خط مستقيم. لقد تغير موقف الولايات المتحدة تماماً من صدام حسين في السنوات الأخيرة، فبعدما كان حليفاً في مواجهة الخطر الإيراني، أصبح عدواً في إطار الحرب على الإرهاب. ليت الطغاة الذين لا يزالون بالسلطة في منطقة الشرق الأوسط يتعظون ويتعلمون من درس إعدام الطاغية العراقي فيحكمون بالعدل والمساواة ويمنحون شعوبهم الحقوق والحريات التي يستحقونها قبل فوات الأوان.

خواطر وملاحظات على إعدام صدام حسين

- يسود الغموض الطريقة التي تعاملت بها السلطات العراقية مع تحديد موعد إعدام صدام حسين. ربما أرادت الحكومة أن تودع صدام في مخزن التاريخ قبل بدء عام 2007. ولكن أخشى أن تكون الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة قد قصدت إعدام صدام في يوم عيد الأضحى عند المسلمين السنة انتقاماً من الاضطهاد الطائفي الذي عانته الأغلبية الشيعية عندما حكمت الأقلية السنية العراق. وأعتقد انه لم يكن هناك أسوأ من أن يعدم الدكتاتور في يوم عيد تقدسه الأقلية السنية التي ينتمي لها الدكتاتور السابق. لقد كان التعجل بإعدام صدام نقطة تحسب على حكومة المالكي.

- عملية الإعدام بدت كما لو كانت تنفذ بوسائل رجال العصابات لا المسئولين الحكوميين. لست أدري لماذا تلثم منفذو عملية الإعدام وأخفوا وجوههم! هل خشى هؤلاء انتقام مؤيدي صدام حسين؟ هل أرادوا إرهاب صدام حسين قبل قتله؟ هل أرادوا استخدام نفس الأسلوب الذي تتبعه العصابات الإرهابية التي ترتكب جرئمها المقيتة بحق العراقيين؟ كان إخفاء الجلادين وجوههم عملاً غير إنساني بالمرة يدل على جبن وفظاظة.

- قيل أن الجلادين دخلوا في محاورة كلامية مع صدام حسين قبيل إعدامه تناولت انتقادات لتاريخ الدكتاتور. هذه المحاورة الاستفزازية تتعارض كلياً مع المباديء الأساسية لحقوق الإنسان.

- احتفالات الجلادين غناءً ورقصاً فوق جثة الدكتاتور السابق والمظاهرات الهيستيرية التي قام بها الشيعة احتفالاً بإعدام صدام حسين والفرحة الطاغية التي علت وجوه بعض رجال الحكومة العراقية كلها أعمال تفضح مدى عمق حالة التخلف التي تعيشها الشعوب العربية والإسلامية فهي كشفت بوضوح (1) سيطرة الهمجية الانتقامية على العقلية الفردية والجماعية (2)غياب ثقافة التسامح عن العقلية العربية والإسلامية (3) انعدام مباديء احترام الموت والموتى.

- إعدام صدام لن يأتي بالسلام للشعب العراقي ولكنه حتماً سيزيد الأمور تدهوراً وسوءاً بعدما شعرت الأقلية السنية بالإهانة لإعدام سني في عيد الأضحى.

- نفذت الحكومة العراقية حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة عراقية بحق الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين بعد محاكمة استغرقت نحو عام. ربما استحق صدام ورجال نظامه الوحشي أقسى العقوبات لارتكابهم أبشع الجرائم ضد العراقيين، ولكن تبقى عقوبة الإعدام خارج العقوبات التي تحترم حقوق الإنسان. لقد صفقنا حين عزل صدام عن الحكم، واغتبطنا حين مثل أمام العدالة وقبلنا حين ادانته المحكمة العراقية. وعلى الرغم من معارضتي الشديدة لأحكام الإعدام، إلا أنني اقتنعت بأن صدام كان حالة خاصة يصعب على العراقيين التسامح معها.

- لا مشاعر حزن تنتابني على رحيل الدكتاتور السابق، ولكن مشاعر أسف وأسى تتملكني على استمرار استخدام عقوبة الإعدام اللاإنسانية في عالمنا المعاصر... ينقبض قلبي للعقوبة حتى ولو كانت بحق أعتى المجرمين فهي لا تمت للحضارة والتقدم والإنسانية بصلة.

- كان إعدام صدام حسين عملاً فظاً قصد به الانتقام من تاريخ الطاغية الوحشي. هل يمكن مواجهة الوحشية بالوحشية المضادة؟ أبداً... كما قال مسئول المعونة والتنمية في الاتحاد الأوروبي.

- تحية إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي تمسك بمبادئه ورفض توقيع حكم إعدام صدام حسين، رغم أنه ككردي يملك ما يكفي من المبررات للانتقام من صدام. ولكن الطالباني وضع المباديء فوق العاطفة.

- أتمنى على النظام العراقي الحالي أن يبادر بطي العهد الصدامي الكئيب القديم ويبدأ العهد الديمقراطي الجديد باحترام حقوق الإنسان عبر إلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات.

جوزيف بشارة