في احدى المسرحيات الكوميدية النادرة في زمن الزفت الصدامي، كان هناك مشهد لزفة عرس.. وكان أحد المبتهجين بتلك الزفة محموما جدا بالإحتفال ويرقص بشكل غريب على أنغام الطبل فرحا بالمناسبة، ويشيع

كان صدام من لحظة ولادته الى لحظة إعدامه شخصية مثيرة للجدل، فحياته كانت دائما تتسم بالغطرسة والعنجهية الى أبعد حدود هاتين الكلمتين، يكفي ما أورده البعض ممن عرفوه، أنه كان شقيا في صباه قتل أحد معلميه وهو في مقتبل العمر، ثم شارك في عملية إغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم في شبابه،
فوضى عارمة في الزفة بصخبه مرددا في حمى الرقص عبارة ( دك عيني دك) أي دق على الطبلة. ولاحظ أهل العريس هذا الصخب المفاجيء لذلك الشخص الذي جاء ومعه جوقة موسيقية.. فسألوا أهل العروس فيما إذا كان هذا الشخص منهم، فأجابوهم بالنفي. فتعجب أهل العريس والعروس وذهبوا الى الهزاز الفرح وسألوه: هل أنت من أهل العريس، فأجابهم : كلا!. سألوه ثانية : هل أنت من أهل العروس؟. فأجاب : كلا.. فغضبوا منه وتعجبوا ثم سألوه: إذن من أنت حتى تحدث بفرحك كل هذه الفوضى؟!. فقال: أنا إبن عم الخياط الذي خيط بدلة العرس!!!. بهذا المنحى وجدت يوم أمس وأنا متسمر أمام شاشة التلفزيون أتابع ردود فعل الأوساط العربية حول تنفيذ حكم الإعدام بصدام، أن جميع من أدلوا بدلوهم من الشخصيات العربية كانوا يشبهون ذلك ( المخبص) بمناحاتهم وبكائهم المرير الحامي على صدام وكأنهم كانوا إبن عم الحلاق الذي كان يحلق ذقن صدام حسين؟!.


قد يكون الكثيرون ممن علقوا على تنفيذ الحكم توهموا فعلا أن صدام حسين كان رئيسا عادلا في حكمه للعراق، وأنه الرئيس الشرعي المغدور به، وصوروا الأمر وكأن الأمريكان هم الذين عاقبوه وليس العراقيون ليكون عبرة لبقية الدكتاتوريين الخارجين على السياسة الأمريكية في المنطقة،لكنم نسوا أن حكم الإعدام بصدام كان قضاء الله في الظالمين وهو مصير كل جلاد مستبد وكل جبار متكبر.


هؤلاء الذين يولولون اليوم على صدام بينهم من إنخدع فعلا بالدعايات الصدامية التي أعمت بصائرهم عما جرى داخل العراق من حمامات الدم في ظل فرعون العصر الذي نحت لنفسه تسعا وتسعين لقبا تشبها بأسماء الله الحسنى؟!. فلم يعرفوا حقيقة تلك الحقبة السوداء التي حكم فيها صداما العراق والتي إصطبغت بلون الدم حيث طاولت جرائمه رقاب الملايين من جميع فئات الشعب العراقي بقومياته وأديانه ومذاهبه المختلفة. فكان العراق الإستثناء الوحيد حتى في الحكومات والأنظمة الدكتاتورية المستهترة بدماء الشعوب. فيما دافع الآخرون عن هذا الطاغية على قاعدة ( أنصر أخاك ظالما) تأثرا بالشعارات القومية الزائفة التي أعمت بصائرهم، وزعامة صدام الموهومة للقومجية الشوفينيين والمتأسلمين، لذا كان عواء هذه الفئة الثانية أكثر صخبا من صخب صاحبنا إبن عم الخياط الذي خيط بدلة العرس.


كان صدام من لحظة ولادته الى لحظة إعدامه شخصية مثيرة للجدل، فحياته كانت دائما تتسم بالغطرسة والعنجهية الى أبعد حدود هاتين الكلمتين، يكفي ما أورده البعض ممن عرفوه، أنه كان شقيا في صباه قتل أحد معلميه وهو في مقتبل العمر، ثم شارك في عملية إغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم في شبابه، ثم أدار أكثر أجهزة القمع دموية في تاريخ العراق في الستينات وهو جهاز ( حنين) المتمرس في التصفيات الجسدية، وأنه قاد إنقلاب القصر ضد من أوصلوه ومن معه الى سدة الحكم في إنقلاب تموز1968 وهم عبدالرزاق النايف وإبراهيم الداوود، وعندما تسلم الحكم بعد مذبحته الشهيرة بحق رفاقه في قيادة الحزب والدولة عام 1979، أدار البلد بعقلية الأشقياء ورئيس العصابة فعاش العراق طوال فترة حكمه في ظل مجموعة من عصابات القتل والتدمير. لذلك كان من الطبيعي أن يفوق عدد ضحاياه الملايين من العراقيين، لأنه كما قال جاء ليحكم العراق ويتركه بعده خرابا ودمارا أرضا بلا شعب!!.


بهذا المنطق الإجرامي أراد صدام أن يحكم العراق ويورثه لأبنائه وأحفاده من بعده، ولم يحسب أن الله ليس غافلا عما يعمل الظالمون.
فكانت زغرودة السيدة الكردية ( حبيبة) التي سمعتها يوم أمس وأنا أهنئها بالعيد، تصلح لتكون تعبيرا وعنوانا لما عاناه العراقيون في ظل حكمه، والنبأ السار الذي وقع عليهم بإعدام هذا الطاغية. فقد كانت حبيبة واقفة ذات يوم نفس الموقف الذي شوهد فيه صدام فجر أمس، عندما أعدم صدام ولدها بسبب إنتمائه الى حزب كردي معارض، حينها كانت السيدة حبيبة تمسح الأرض من تحت أقدام ولدها بلسانها وترفع يديها الى السماء لتهز بصرختها وجدان كل إنسان، وهي تدعو أن تعيش الى اليوم الذي ترى فيه صداما وحبل المشنقة يلتف حول عنقه. وبالأمس تحققت أمنية حبيبة وإستراحت روح ولدها ( مولود) داخل القبر بعد أن أنزل المنتقم الجبار جزائه العادل بالطاغية.


اليوم وقد أعدم صدام وينتظر أيتامه من الإرهابيين وأصدقائه من الحكام الدكتاتوريين الذي يولولون عليه مصيرا مماثلا له، ماذا يمكن لنا أن نقوله غير أن نأمل لهذا العراق الذي خرج يوم أمس من الحقبة الصدامية، أن يخرج بالتالي من محنته الراهنة ويستعيد عافيته مجددا، وأن يعتبر بهذا الدرس كل من تسول له نفسه إيذاء شعب هذا البلد المثقل بالجراح، وأن تتوطد دعائم الديمقراطية وتترسخ أسس السلام والمحبة على أرضه، وعواء الكلاب لا تضر بسير القافلة كما يقال.


بقي شيء واحد أود قوله في هذه المقالة وهو الرجاء بأن يردع إعدام صدام كل اولئك الذين ما زالوا يسيلون دماء العراقيين كل يوم في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية سواء كانوا من الداخل أو الخارج، وأن يعتبروا بدرس صدام الذي كان يعتبر نفسه ظل الله على الأرض، فهم مهما كبروا وتجبروا لن يصلوا الى ما وصل اليه صدام من الجبروت والطغيان، فإذا كان مصير صدام هو ما رأيناه يوم أمس على شاشات التلفاز فإن مصيرهم لن يكون بأفضل منه.. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

شيرزاد شيخاني

[email protected]